حرائرُ الأقصى علامةٌ فارقةٌ في تاريخِ المقاومةِ

إعداد- إسراء أبو زايدة
يشهدُ المسجدُ الأقصى أجواءً من الفرحِ والابتهاجِ؛ بعدما عادَ إليه أُسودُه من كلِّ الفئاتِ والأعمارِ، بعدَ (12) يوماً من الرباطِ ، دخلَ المصلّونَ دونَ قيدٍ أو شرطٍ؛ ليُعلنوا للعالمِ أجمعَ؛ بأنهم قادرونَ على قلبِ الموازينِ بإيمانِهم وعزيمتِهم، بعدَ هزيمةِ الاحتلالِ وانكسارِه _مع بواباتِه الإلكترونيةِ، وكاميراتِه العبثيةِ_ أمامَ الجحافلِ المقدسيةِ.
ولكنْ لا يزالُ الاحتلالُ يمارسُ غطرستَه؛ مُحاولاً في كلِّ مرّةٍ فرْضَ سيطرتِه على المَسرى ؛ حيثُ منعَ القائمةَ الذهبيةَ من دخولِ المسجدِ الأقصى؛ كونَها شوكةً في حلقِ الأعادي.
تُعدُّ النساءُ من الصفوفِ الأولى؛ وهنَّ مَن نظّمنَ صفوفَ الشبابِ طيلةَ الأسبوعينِ الماضيينِ، فثَبَّتوا قلوبَهم، ووحّدوا صفوفَهم، وأرشدنَ الجماهيرَ المقدسيةَ طيلةَ تلكَ الفترةِ الماضيةِ؛ وكُنَّ سنداً وقتَ الشدةِ، يشدُدْنَ عَضُدَ أزواجِهنَّ وأبنائهنّ، و يشكِّلنَ الدرعَ الحصينَ للمسجدِ الأقصى، فلم تَخُرْ قواهُنَّ، ولم يتسلّلْ الوهنُ لقلوبِ إحداهِنّ، بل كنَّ جسداً واحداً؛ تثبِّتُ إحداهُنَ الأخرى، وجميعُهنَّ عاملُ ثباتٍ و استقرارٍ لشبابٍ و رجالٍ حملوا أرواحَهم على أكُفِهم مدافعينَ محافظينَ على ثرَى القدسِ .
مقاومةُ مخططاتِ المحتلِّ :
“خديجة خويص” مرابطةٌ مقدسيةٌ؛ ارتبطَ اسمُها في أذهانِ المتابعينَ لِما يدورُ في المسجدِ الأقصى؛ لم تَسلمْ من السجنِ والتوقيفِ مراتٍ عديدةٍ؛ تركتْ بيتَها عَنوةً؛ و أسَروا زوجَها؛ و نامَ أطفالُها وحدَهم لياليَ عديدةً؛ ولم يجعلْها ذلك تضعفُ أو تلينُ؛ فكانت ضِمنَ القائمةِ الذهبيةِ التي منعَها الاحتلالُ من دخولِ المسجدِ الأقصى والصلاةِ فيه؛ لكنها لم تمَلّ؛ و لم تكِلّ.. تُعِدُّ الطعامَ للمرابطينَ حولَ القدسِ؛ و ترتّلُ الآياتِ؛ وتصمدُ أمامَ غطرسةِ المحتلِّ؛ تركتْ بيتَها لأيامٍ متتاليةٍ؛ لأنّ لبيتِ المقدسِ حرائرَ يدافِعنَ عنه في وقتٍ ماتتْ فيه النخوةُ العربيةُ؛ فكانت بألفِ رجلٍ، تقولُ للثريا:” انتصرَ المقدسيونَ “بصمودِهم” على مخططاتِ المحتلِّ، فمنذُ لحظةِ الاعتداءِ الأولى على الأقصى؛ اتّضحَ أنّ هناك مُخططاً كبيراً يُحاكُ ضدَّ المدينةِ بشكلٍ عام، والمسجدِ بشكلٍ خاص، فتمَ تشكيلُ مجموعةٍ شعبيةٍ لإدارةِ الحراكِ المقدسي، والتعاملِ مع كلِ التطوراتِ في توجيهِ المَقدسيينَ.
وتؤكّدُ “خويص” بأنّ الهدفَ جاءَ لرفضِ كلِّ الإجراءاتِ الإسرائيليةِ ضدّ الأقصى، والتمسُّكِ بعدمِ دخولِه والصلاةِ فيه؛ إلّا بإزالةِ كلِّ التعدياتِ من حواجزَ وبواباتٍ وكاميراتِ مراقبةٍ، والحرصِ على الصلاةِ في محيطِ المسجدِ؛ كتعبيرٍ عن مقاومةِ مُخططاتِ الاحتلالِ.
وتشيدُ بتلبيةِ آلافِ المقدسيينَ نداءَ شدِّ الرحالِ نحوَ الأقصى للدفاعِ عنه؛ حيثُ رسمَ المَقدسيونَ خلالَ( 12) يوماً صوَراً مشرفةً للتلاحمِ والتعاونِ ؛ هناك مَن كان يوفّرُ الوجباتِ الغذائيةَ والمشروباتِ، وعائلاتٌ أخرى خصّصتْ بيوتَها في محيطِ الأقصى لاستقبالِ المرابطينَ، في حين فتحتْ عائلاتٌ أخرى أبوابَها لعلاجِ المصابينَ نتيجةَ المواجهاتِ.
وتعلّقُ المرابطةُ “خويص” على قرارِ منعِ القائمةِ الذهبيةِ من دخولِ الأقصى :” النساءُ هنَّ الأحقُّ بدخولِ المسجدِ الأقصى قبلَ الكُلِّ ، فكُلُّنا ندركُ معاناتَهنَّ سابقاً بينَ (الإبعادِ، والاعتقالِ، والتحقيقاتِ المتواصلةِ، و المنعِ من السفرِ والتأمينِ الصحي، و ما خَفيَ عنّا أعظمُ).
لا لأنصافِ الحلولِ :
ومن جانبِها تقولُ المرابطةُ هنادي حلواني:” المرأةُ المقدسيةُ كانت تجتهدُ وتتعبُ وترابطُ تحتَ حرِّ الشمسِ، وتصدحُ بكلماتِ الحق، وتواجهُ المحتلَّ بكلِّ قوةٍ؛ لتَحظى بشرفِ الدخولِ إلى جنةِ الأرضِ، وبالمقابلِ تجدُ مَن يمنعُك من الولوجِ إلى الفردوسِ والتشبُّعِ ببركاتِه!!”.
المرابطةُ “حلواني” ضِمنَ القائمةِ الذهبيةِ الممنوعةِ من دخولِ الأقصى؛ تؤكّدُ بأنّ حرائرَ الأقصى لا ذنبَ لهنَّ سِوى أنهنَّ الغَصةُ التي أرّقتْ الاحتلالَ لسنواتٍ بصمودِهنَّ وثباتِهنَّ وإعلاءِ كلمةِ الحقِّ بتكبيراتِهنَّ، وسيظلُّ وجودُهنَّ الشبحَ الذي يدبُ الرعبَّ في قلوبِ الجندِ قبلَ المستوطنين.
وتؤكّد “حلواني” بأنّ المقدسيينَ بكرمِهم و ثباتِهم ومساندتِهم؛ ساهموا في دعمِ صمودِ أهلِ القدسِ وإصرارِهم؛ الأمرُ الذي انتهى بتحقيقِ انتصارٍ كبيرٍ يضافُ إلى سِجّلِ انتصاراتِ أهالي المدينةِ المقدسةِ، وقد بات الاحتلالُ يَعلمُ جيداً أنّ القدسَ والمسجدَ الأقصى مُحصَّنانِ ضدَّ أيِّ مُخططٍ عنصريّ.
على أعتابِ الأقصى :
نشوةُ الانتصارِ سيدةُ الموقفِ؛ على الرغمِ من القهرِ الذي تَجرَّعَه أهلُ القدسِ؛ لاسيّما النساءُ، وخاصةً الأمَّ المرابطةَ “زينة عمرو”؛ وما تعرّضتْ له من ضربٍ وتنكيلٍ، تقولُ للثريا:” رغمَ التعبِ والأرَقِ والصعوبةِ التي تواجِهُها نساءُ القدسِ الحرائرُ؛ اللاتي لم يُرِدنَ الذلَّ والهوانَ، فتركنا بيوتَنا منذُ الأيامِ الأولى للرباطِ عندَ بواباتِ الأقصى، وتحمّلنا كلَّ أنواعِ الألمِ والحرارةِ، وتحمّلنا الضربَ من جنودِ الصهاينةِ، وقنابلِ الغاِز والصوتِ؛ لكننا لن نمَلَّ ولن نكِلَّ”.
والمرابطةُ عمرو أيقونةٌ في الرباطِ، حيثُ تعرّضتْ لإصابةٍ في رأسِها خلالَ فضِّ اعتصامٍ عندَ بابِ الأسباطِ، تضيفُ :” كم شعرتُ بتأنيبِ الضميرِ أثناءَ إصابتي وتَغيُّبي عن الرباطِ، ولكنْ آثرتُ على جرحي؛ ولم أستجبْ لتوصيةِ الأطباءِ بالراحةِ، متسائلةً عن أيِّ راحةٍ أيها الطبيبُ؛ والأقصى يضيعُ من بينِ أيدينا؟”، مضيفةً:” عدمُ القدرةِ على مشاركةِ أبنائي وزوجي، وتلك الحشودِ الزاحفةِ إلى الأقصى؛ أشدُّ على النفسِ من ألمِ الجرحِ النازفِ”.
وتبيّنُ المرابطةُ “عمرو” بأنّ الألمَ والعذاباتِ زالتْ منذُ اللحظاتِ الأولى لفتحِ الاحتلالِ بواباتِ المسجدِ الأقصى، ودخولِ جموعِ الجماهيرِ المقدسيةِ مُهلّلينَ مكبّرينَ، شامخينَ رافعينَ رؤوسَهم، مقابلَ المحتلِّ الذي انكسرتْ شوكتُه.
ومن جهتِه يؤكّدُ الشيخُ “عكرمة صبري”؛ خطيبُ المسجدِ الأقصى: أنّ المقدسيينَ والفلسطينيينَ عموماً هم مَن حقّقوا الانتصارَ بإعادةِ فتحِ أبوابِ المسجدِ الأقصى للمُصلينَ.
وفي إشارةٍ إلى تبَنِّى هذا الانتصارِ من بعضِ الزعماءِ العربِ، تساءلَ متعجّباً: “الغريبُ أنّ بعضَهم تبنَّي الانتصارَ بعدَ حدوثِه؛ بينما الذي صنعَ الانتصارَ هو شعبُنا الفلسطينيّ؛ وهم أهلُ بيتِ المقدسِ الذين تضامنوا وترابطوا وتكاتفوا؛ وقرّروا أنْ يؤدّوا ما عليهم من واجباتٍ لمدينتِهم وللمسجدِ الأقصى.
ويشيرُ الشيخُ “عكرمة صبري”_ وهو أحدُ رموزِ مدينةِ القدسِ_ ، إلى أنّ حشودَ أهلِ القدسِ_ والتي فاقت المائةَ ألفٍ_ جاءوا من كلِّ أنحاءِ فلسطينَ؛ واضعينَ نُصبَ أعينِهم تحقيقَ هدفِهم بالإطاحةِ بالبواباتِ الإلكترونيةِ، وإزالةِ الكاميراتِ والمساراتِ والجسورِ.
وينوّهُ الشيخُ “عكرمة” بأنّ الخطوةَ التاليةَ هي التعاملُ مع التجاوزاتِ الصهيونيةِ وتصحيحُها، مؤكّداً بأنّ إسلاميةَ المسجدِ الأقصى والحرمِ الشريفِ؛ أمرٌ مفروغٌ منه، وأنّ ما يدَّعيهِ الاحتلالُ؛ بأنّ السيطرةَ والسيادةَ لهم؛ هذا أمرٌ مرفوضٌ تماماً.