مجموعةٌ من المكفوفينَ شَقُّوا طريقَ العالميةِ؛ وشعارُهم (الإعاقةُ في الأجسادِ لا في العقولِ)

إعداد: صابرين النونو
حركاتٌ مدروسةٌ، وليونةٌ لا مُتناهية، وسرعةٌ في الأداءِ أثناءِ لعبِ الكاراتيه، تخونُك عيناكَ حتى تظنَّ أنّ مؤدّيها يرى أمامَه، فلا تصدّقُ حينما تعرفُ أنه إمّا فاقدٌ للبصرِ بشكلٍ كاملٍ، أو لا يكادُ يرى شيئاً، مجموعةٌ من الفِتيةِ لم تمنعْهم ظروفُ الإعاقةِ من تحقيقِ أحلامِهم، و المُضيِّ قدماً في تنميةِ مهاراتِهم؛ معتمدينَ بذلك على الصوتِ، و إدراكِهم الحسيّ، لهم حكايةٌ آثرْنا روايتَها لكم عبرَ موقعِ “الثريا”…
جميلةٌ بزيِّها الملائكي الأبيضِ؛ كانت تؤدّي الكاراتيه بخِفّةٍ و إتقانٍ، تتحركُ عبرَ الصوتِ لتدافعَ عن نفسِها أمامَ الخصمِ، بل وتهاجمُ بضراوةٍ ، إنها “مِنّةُ الله البيطار” ابنةُ الثالثة عشرَ؛ أحبّتْ الكاراتيه، ولم يمنعْها فقدانُها لبصرِها أنْ تُحقّقَ حُلمَها؛ بأنْ تصلَ للعالميةِ في الكاراتيه، آمنتْ أنّ الإعاقةَ في الأجسادِ لا في العقولِ، و تحدّتْ واقعَها غيرَ آبِهةٍ بما تلاقيهِ من صعوباتٍ؛ بل تُجيِّرُها لتحقيقِ حُلمِها، تقولُ للثريا: “ثقتي بنفسي أعطتني القوةَ والدافعيةَ لشقِّ طريقِ الكاراتيه، فأنا أحبُّ الدفاعَ عن نفسي؛ ولا أرغبُ أنْ يستغلَّ أحدٌ نقطةَ ضعفي “كوني كفيفةً”، فأردتُ أنْ أحوِّلَها لنقطةِ قوةٍ؛ تعطيني القدرةَ على مواجهةِ الحياةِ والتغلبِ عليها؛ من خلالِ هذه الرياضةِ، وتحقيقِ حُلمي في هذا المجالِ”.
وبثِقةٍ غلبتْ على حروفِها، تتابعُ البيطار :”كان لأخي “مؤمن” دورٌ كبيرٌ في تشجيعي لخوضِ هذا الطريقِ؛ وكذلك الكابتن “حسن” الذي درَّبني و شجَّعني على المضيّ قدماً، ومواصلةِ ما بدأتُه”.
وتُنهي “البيطارُ” حديثَها بالقول: “كلُّ شخصٍ لديهِ حُلمٌ؛ ويسعى لتحقيقِه؛ فعليهِ أنْ يجتهدَ و يصبرَ على ما يواجِهُه من صعوباتٍ، ويسعي إلى تذليلِها، ليضحي حُلمُه حقيقةً، ورغمَ الصعوباتِ التي واجهتُها؛ لكنني استطعتُ التغلّبَ عليها من خلالِ برنامجِ الإدراكِ الحسيِّ، والاعتمادِ على الصوتِ، وأضحيتُ عضواً في نادي المَشتل الرياضي، وبإذنِ اللهِ سأشُقُّ عالمَ النجوميةِ، وستَجِدونَ يوماً ما اسمي بينَ كبارِ لاعبي الكاراتيه”!.
وفي ختامِ حديثِها تتمنّى “البيطار” أنْ تشاركَها فتاةٌ من صديقاتِها في ممارسةِ تلك الرياضةِ, فهي دائماً تتحدثُ مع زميلاتِها عن الكاراتيه؛ لكي يتشجَّعنَ على ممارستِها..، وتُعَدُّ “منة الله” أولَ فتاةٍ كفيفةٍ تمارسُ رياضةَ الكاراتيه على مستوى الوطنِ العربي.
شغف بالكاراتيه
حصلَ على المرتبةِ الأولى على فلسطينَ، والمرتبةِ الثالثةِ على مستوى العالمِ في رياضةِ الكاراتيه؛ أثناءَ مشاركتِه في بطولةِ “دُبي” الدوليةِ؛ إنه “مؤمن البيطار” الطفلُ ذو الستة عشرَ عاماً، الذي حققَ _رغمَ فقدانِه لبصرِه_ ما عجزَ عن تحقيقِه الأطفالُ الأصِحاء، فكان النجاحُ حليفَه.
يقولُ للثريا:” تمثيلُ فلسطينَ في المحافلِ العربيةِ والدوليةِ في رياضةِ الكاراتيه، ودراسةُ الصحافةِ والإعلامِ؛ هي أحلامٌ راودتْ مخيّلتي ، واستطعتُ بفضلِ اللهِ تحقيقَ جزءٍ منها، وكُلي حماسةٌ لاستكمالِ حُلمي في دراسةِ الإعلام”.
شَغفُه بالكاراتيه، و تفوُقُه فيه على المستوى المّحليّ و الوطنيّ؛ زادَه ثِقةً و طموحاً لاستكمالِ طريقهِ في الكاراتيه، والمشاركةِ في الألعابِ الأولمبيةِ التي ستقامُ في طوكيو لعامِ (2020)م.
ويرى “البيطار” ذو الستة عشرَ ربيعاً أنّ الإنسانَ دونَ طموحٍ لا يستطيعُ العيشَ؛ لذا يجبُ أنْ يضعَ لنفسِه طموحَ وأحلامَ؛ ثُم يسعَى لتحقيقِها ببذلِ كلِّ ما يملكُ من طاقةٍ وجهدٍ.
ويعلّقُ “البيطار” على الصعوباتِ التي تواجِهُه بالقول:” ممارسةُ رياضةِ الكاراتيه؛ لا يوجدُ فيها صعوبةٌ؛ لأنه بداخلِ كلِّ إنسانٍ طاقةٌ كامنةٌ؛ إنْ تمكّنَ من توظيفِها بالشكلِ الصحيحِ تتلاشَى تلك الصعوبةُ؛ وبالتالي يُحقّقُ ما يطمحُ من أجلِه”.
ووجّه “البيطار” الشكرَ الجزيلَ لعائلتِه ولمدرّبِه؛ والذين كانوا سبباً في نجاحِه، عبرَ دعمِهم النفسيّ، والذي عدَّهُ نقطةً ركيزةً و أساساً في تفوِّقِه و تحدِّيهِ للصعابِ”.
تمثيل فلسطين دوليا
التقت “الثريا” الكابت حسن الراعي مدرب الكاراتيه ومدير أكاديمية المشتل للألعاب القتالية الذي بين دور المركز في تعليم المكفوفين حيث يقول:” ” نعتمد في تعليم المكفوفين على تعزيز الذات وبرنامج الإدراك الحسي الذي يركز بشكل أساسي على الصوت واللمس أثناء الحركة وذلك يتطلب مجهود كبير من المدرب لتجهيز هؤلاء اللاعبين لإتقان الحركات التدريبية “.
و يضيف الراعي:”نسعى لتطوير الفريق وتدريبه لتمثيل فلسطين في الملاعب الدولية بهذه الرياضة الخاصة بالمكفوفين، مطالبا المؤسسات الرياضية برعاية وتبنى هذا الفريق لتنمية قدراته و الوصول به إلى العالمية”.
وتحدث الراعي عن الصعوبات التي تواجه الأكاديمية والمتمثلة في الحصار المطبق على قطاع غزة و اغلاق المعابر الذي أثر بشكل مباشر و غير مباشر على كافة مناحي الحياة، وعدم تسهيل مهمة السفر خاصة للاعبين المكفوفين وعدم تبني الحكومة المؤسسات المعنية لهؤلاء اللاعبين”.
نَسجوا أهدافَهم من خيوطِ الشمسِ دونَ أنْ يرَوها؛ لكنهم أحَسُّوا بدفءِ النجاحِ، فصعدوا بأحلامِهم إلى السماءِ مع كلِّ صباحٍ، مرسِلينَ أمنيّاتِهم المغلفةَ بالجدِ و العملِ و الاجتهادِ، ليتجدَّدَ بصيصُ الأملِ في عيونِهم الكفيفةِ؛ التي لم تذوّقْ طعمَ النجاحِ، و لم تعرفْ طريقَ الفشلِ، فأضحوا نماذجَ مشرِقةً تُعرَضُ على الأشخاصِ الأسوِياءِ…