المرأة الغزية تحارب البطالة والحصار بمشاريعها الصغيرة

تحقيق: وسام سليم الغلبان
للمرأة الفلسطينية قصصُ وروايات مع النجاح والتألق والإبداع، فهي لم تستسلمْ لواقعها الصعب،، فسطّرت أجمل صور الكفاحِ الاجتماعي، من خلال إدارتها لمشاريعَ صغيرة وبسيطةٍ؛ كي توفّر مصدرَ دخل لها، لتعيلَ أسرتها من خلاله. بالإرادة والتحدي ومواجهة الصعاب استطاعت أنْ تشق طريقها، ويرى مشروعها النور على أرض الواقع، ويحقق نجاحات لتتربع المرأة على عرش البطولات والكفاح .
أم أحمد الغلبان، 40عاماً أمٌّ لستة من الأطفال، زوجها كان يعمل داخل الخط الأخضر، ومنذ توقف العمل من قبل الاحتلال، فهو من سنوات عديدة لا يعمل إلا بشكل متقطع، لم تستسلم للأوضاع الصعبة، ولم تُردْ مدَّ يدها للمساعدة، قررت أنْ تعمل الكعك والمعمول المنزلي، وتسوقها “للسوبرماركت” الذي بجانب بيتها، وبعض البقالات الكبيرة، بعيِّنات صغيرة، وتم الإقبال عليه.. وبدأت التوسع بعملها، بمساعدة زوجها في التسويق، فتقول للسعادة :”لم أكمل تعليمي.. وتزوجتُ وأصبحت الحياة صعبة يوماً بعد يوم، ولكني لم أستسلم.. والجميع يشهد لي بأنني أجيد صناعة الحلويات وأتقنها، فخطر في بالي أنْ أبدأ بذلك.. وكنت متخوفة، ولكن إيماني بالله أنه لن يضيّعني.. وإصراري على توفير احتياجات أطفالي، تجرأتُ على تلك الخطوة، وبفضل الله نجحتُ، وتم الإقبال والطلب.. وتوسعتُ في عملي وفي أماكن التسويق “.
وتضيف :”صحيح أنّ طبيعة هذا العمل متعب، ويحتاج إلى مجهود، والتزام بوقت التسليم للزبائن، إلا أنه أفضل بكثير من انتظار الصدقات، ومساعدة الغير، أو أن يطلب أبنائي منّي احتياجات؛ ولا أستطيع أنْ ألبيها لهم، فكنت أشعر بالعجز.. ولكن بقدْر استطاعتي، والعائدِ المادي البسيط، أوفّر ما أستطيع .
وما تشكو منه “أم أحمد” هو وضع الكهرباء السيئ، وانقطاع الغاز؛ وقلة بعض الأدوات التي توفر الوقت، ولكنها تؤقلم نفسها حسب جدول الكهرباء فتقول :” هذا ما يمرُّ به مجتمعنا.. والأوضاع صعبة على الجميع، ولكنّ هذا لا يعني الاستسلام للواقع السيئ، فالعمل والإصرار على النجاح، يوصل الإنسان إلى ما يريد.
احتياجات ومتطلبات :
أما أم وائل المصري، 45 عاماً، أرملة توفي زوجها قبل ثلاث سنوات، أصبحت المعيلة لأسرتها المكونة من ثمانية أفراد، منهم اثنتان في الجامعة، والباقي في المدارس، ولم تكن المساعدات التي تتلقاها تكفي لمصاريفهم، ورسوم ومواصلات الجامعة، والبيت، فعملت على تربية بعض الدواجن والبط والأرانب، ووفرت ما يحتاج هذا المشروع من التزامات وعناية ورعاية، وفي البداية كان الجيران والأقارب، وأهل الخير يشترون منها، بالإضافة إلى أنها كانت تبيع بيض الدواجن، فأصبح مصدر رزق لها، ومع الاهتمام والعمل المستمر، بدأ مشروعها الصغير يرى النور، ويكبر يوما بعد يوم، وتوسعت فيه.
وتقول بفرح ظاهر عليها :” ما بعد الضيق إلا الفرج، فكنت أوكِل أمري إلى الله، وأتساءل في نفسي وأقول: كيف لي أنْ أكمل مشوار حياتي؟! وكيف سوف أربي أبنائي، وأكمل تعليمهم؟ ولكنّ الله لا ينسى عبداً وكّلَ أمره له، وفكّر وسعى واجتهد.. فكنت أسمع البعض وهم يقولون لي” هيك مشروع، ما راح ينجح، سيبك منه، في الصيف الجو حار، وفي الشتاء برد” ولكنْ بعنايتي الشديدة، وحرصي وسؤالي ومعرفتي؛ استطعت أنْ أحافظ عليه، وبرغم صغر سن أطفالي؛ إلا أنهم كانوا يساعدوني، ويقفون بجانبي، وخاصة في الإجازة.. فهم يأخذون كل المسؤولية عني .
وهكذا لم تخضع “أم وائل” للوضع الاقتصادي الصعب، ولم تستسلم للظروف، وتجعلها شمّاعة تعلق عليها أعذارها؛ بل اجتهدت، وسعت لتصلَ إلى ما هي عليه، وأصبحت توفر لأبناء حيِّها الدواجنَ بجميعِ أصنافها.
الحاجةُ أمُّ الاختراع :
وكما يقولون “الحاجة أمُّ الاختراع” تَجسد ذلك عند “منال العزيزي” 34 عاماً، أمٌّ لأربعة من الأبناء، وزوجها تعرّض لإصابة في حرب السجيل، ليصبح يعاني من شلَل رباعي، وتصبح هي معيلة الأسرة، فتقول للسعادة :”الحمد لله على كل حال، أحياناً المعاناة والألم يصنعون مِنا أشخاصاً قادرين على الإبداع والإنجاز، وهذا ما لم أكن أتخيّله.. وأصلَ إليه يوماً. بفضلِ الله توجهتُ للتسجيل في دورة مكثفة في التطريز، بكافة أشكاله.. حتى تمكنتُ منه ،وبدأتُ بمتابعة كل ما هو جديد في عالم التطريز عبر الانترنت؛ ما أفادني بشكل كبيرٍ، فكان أولُ محطات عملي تطريزَ “العبايات” بشكل راقٍ، ما بين التراث والمَدني، وعرضت عملي للمحلات، وأصبحت طالبات الجامعات يطرقن البيت لعمل ما يريدن.. وتطور الأمر لأطرز “اكسوارات” منازل ومطاعم، فلما وجدوا عندي من المزج التراثي الحضاري، واختيار الألوان الرائعة المنسجمة حسب طبيعةِ المكان، وهذا لن يأتي إلا بالإطلاع والمعرفة .
وتضيف :” كبرَ مشروعي، وخصصتُ غرفة عمل لي في البيت، جهزتُها لاستقبال الزبائن، وطلبتُ متخصصاتٍ تعمل معي في هذا المجال لمساعدتي، وأصبح مشروعي كبيراً.. وشهد الجميع بنجاحي وعملي “.
وتُصارحنا:” لم أكن أتخيل يوماً أنْ أصلَ لامرأة ناجحة، يأخذ الجميع برأيي وذوقي، وأصمم بيوتاً ومطاعمَ وملابسَ وإكسسوارات، يشهد الجميع بجمالها وأناقتها، وتصبح لي مكانة في المجتمع .
تقدّمت “أم سليمان عويضة” 38عاماً- حاصلة على البكالوريوس، وأمٌّ لخمسة أبناء- لوظائفَ كثيرة، ولكن دون جدوى، فانضمّت إلى صفوف البطالة القاتلة، وبسبب قلّة العائد المادي، قررتْ مساعدة زوجها في مصاريف الحياة، وذلك من خلال إعطاء دروس خصوصي لطلبة في جميع المواد، وبأسعار أقلَّ من المراكز، ما دفع الجميع لدقِ بيتي، حتى أصبحتُ بشكل متواصل، على مدار اليوم، أعطي الدروس، ووفّر ذلك لي ما يحتاج بيتي من مصاريف، بدلاً من انتظار وظيفة، أصبحت في زماننا من سابع المستحيلات .
مواجهة الصعاب :
إشادة الأخصائي النفسي “حمادة النجار” بدور المرأة الفلسطينية، وقدرتها على التأقلم، والتغلب على ما يمرُّ بها من ظروف صعبة، فما عاصرته خلقَ منها امرأة متكيفةً مع كل الأوضاع، فهي علّمت نساء العالم أجمع أجمل صور الكفاحِ، والنضال، والتربية، من خلال تحدّيها لكل المواقف الصعبة .
ويقول :”تتميز المرأة الفلسطينية عن غيرها من النساء؛ بأنها تقف أمام تحديات كثيرةٍ، على مستويات مختلفة، تستنزف حياتها، وتجعل منها بحقّ الشمعةَ التي تحترق، لتنير للآخَرين طريقهم. وقدَرُ المرأة الفلسطينية أنْ تواجه هذه التحديات مجتمعةً، وخاصة ما تعلّق منها بأبرزهما هما: مساهمتها في النضال الوطني لاسترداد الحقوق المغتصبة، وتحقيق حلم العودة والتحرير، والتحدي الآخَر هو نضالها الاجتماعي، الذي لا يقتصر فقط على حقوقها الإنسانية، بل يتعداها إلى التركيز على واجباتها، وما ينبغي لها القيام به.
قداسة المرأة :
وتحدّث عن خصوصية المرأة الفلسطينية، بصفتها أختاً وأمّاً وزوجةً ومربيةً، تمكنت عبر تضحياتها الكبيرة من أنْ تتحول إلى قيمة معنوية وماديةٍ كبيرة، ذاتِ قدسية لدى الفرد الفلسطيني، تمَّ التعبير عنها بأشكال مختلفة، عبر الإنتاج الثقافي والأدبي والفني الشعبي، والتعليم والتربية، والعمل في جميع المجالات حتى في الأشياءِ البسيطة.
ويؤكّد أنّ المرأة الفلسطينية قادرةٌ على إدارة مشاريع صغيرة، فهي تمتلك شخصية قوية، تستطيع التعامل مع كل الظروف، فهي الأم في وجود الأب، وهي الأب والأم عند استشهاد الأب، ومن خلال تجارب ونماذج موجودة في القطاع، أثبتت قدرتها على إدارة بيتها، والتحكم في أوقاتها، ومواجهة التحديات الصعبة .
ويوضّح أنّ باستطاعة أي امرأة، تعرّضت لظروف اقتصادية صعبةٍ، أنْ تسعى جاهدة لأنْ تكون قبطانَ سفينتها، من خلال مكنوناتها الموجودة، وعدم الاستسلام لليأس، ولا تقبل على نفسها أنْ تكون عنصراً غير مؤثر في الحياة، فعليها أنْ تُخرج ما عندها من مواهب، وتبدأ بأقل القليل؛ بشرط أنْ يصاحبها الإصرار والتصميم على العمل والنجاح، وتحدي الصعوبات، والمواصلة، وعدم الخضوع لأي فشل، فأي مشروع حتى ولو كان ضخماً؛ يتعرض للفشل إذا لم يرافقْه المتابعة، والاهتمام، والإصرار على النجاح.
زوجة صالحة :
ويرجع الأسباب التي تدفع المرأة الفلسطينية للقيامِ بمثلِ هذه المشاريعِ في القطاع، لمساعدتها لزوجها، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها، أو لأنها تصبح المعيل الوحيد للأسرة، بعد فقدان زوجها، فتسعى لتحلَّ محلَّه.. فلا تبقى مكتوفة اليدين، تنظر من يأخذ بيدها.. فهي تبادر لإيجاد البديل، وتصبح العمود الفقري للبيت، وقد نجدُها تدخل على الحياة العملية من تلقاء نفسها، وحباً لإبراز مواهب مكبوتة لديها، ولا ضير من توفير الأرباح جراء إخراج هذه المواهب، فالمرأة الفلسطينية تثبت نظرية” كل بيت ناجح وسعيد، خلفه زوجة ناجحة وصالحة .
وختم “النجار” بمجموعة من النصائح للمرأة الفلسطينية، لإدارة بيتها، بضرورة تربية الأبناء على الظروف الصعبة التي يواجهها المجتمع المحلي، والاستفادة من أوقات الفراغ، في أنشطة ذات أهمية في المجالات الصحية، والاجتماعية، والدينية، والإقبال على التجمعات النسائية؛ لكي يكون للمرأة الفلسطينية صوتٌ عالٍ واضحٌ في صناعة القرار، وتتعلم أنشطة وحِرفاً بسيطة، للاستفادة منها في مشاريع صغيرة، مثل تصفيف الشعر، والمعجّنات، وتربية الدواجن والزراعة.