صناعة الطفل المبدع (1)

أهلاً بك من جديد في المقالة الخامسة، لجعلِ حياتك أفضل ، سنبدأ الحديث هنا عن موضوعٍ غاية في الأهمية يسمُك مباشرة ، يصيب عمقاً كبيراً في داخلك ، مَهما كان عمرك أو سنّك الآن، أو مهما كانت حالتك الاجتماعية ، وإذا كنتَ أباً أو أُمّاُ؛ ستكون الفائدة مركّبة بعونِ الله .
سأتكلم معك الآن عن أهم مرحلةٍ مرّت عليك في حياتك ، سأحدثك عن المرحلةِ التي شكلتْ شخصيتك الحالية ، ورسمتْ الخطوطَ الأولية للطريق الذي ستسيرُ عليه سلوكياتك في الحياة ، المرحلة التي بلوَرت لغتك وقاموسَ كلماتك ، التي أعطتك صورة الذاتِ، ومقدار الثقةِ بالنفس، وكيفية ردّاتِ الفعل على الأحداث ، المرحلة التي منها تضحكُ، بالطريقة التي تضحك فيها، وتغضبُ بالشكل الذي أنت عليه الآن ، وكل إضافة بعدها ، هي إضافاتٌ بلمساتٍ خفيفة ، بينما الأساس تمَّ هناك في ذلك الوقت الذي سأحدثك عنه هنا ، فهل أنتَ مستعدٌّ لاكتشاف هذه الحقبةِ المُهمة جدا في حياتك ؟؟
مدخل : خبّرني عن طفولتك، وسأخبرك عن شخصيتك:
إنّ السنواتِ الأولى من عمركَ، وعمرِ أي طفل؛ هي أخطرُ مرحلة من مراحل تربيةِ الطفل، وبناء شخصيته ، هي مرحلة تأسيسِ الهيكل النفسي للشخصيةِ، أو قالبِ الشخصية، هذا الهيكلُ يُكسَى بعد ذلك، ويضافُ عليه سلوكياتٌ وسماتٌ أخرى ، فإذا كان الهيكل قوياً، فإنّ الطفلَ يعيش منتصباً قويماً، يَقدرُ أنْ يديرَ حياته بإبداع، ومَن كان هيكله مهلهلاً، فإنّ الطفل سيهوي في وديانِ العجزِ النفسي السحيق .
تفيد الدراسات أنّ ما نسبته” 66%” من ثروة الكلماتِ التي تنطق بها؛ تكوّنت في هذه المرحلة العمرية ،وإذا أردتَ أنْ تعرفَ أكثر، فاعلمْ أنّ ” 80%” من أخلاق الطفل، وما سيكون عليه، قد تكوّنت في هذه المرحلة، أمّا المعلومة الصادمة لك؛ فهي أنّ” 90% ” من شخصيتِك قد تكونتْ واكتملتْ حتى سنّ سبعِ سنوات ؟؟؟!!! سأضيفُ لك هذه الإحصائية الغريبةِ والعجيبةِ، عن هذه المرحةِ العمرية، وعن أهميتِها لِما بعدَها من سنينَ وعمر.
كم تتوقعُ نسبة الإبداع عند الأطفالِ من سنّ سنتين حتى سبعِ سنوات ؟؟ لن أتركَ لك المجال كثيراً للتخمين ، فقد أثبتتْ دراساتٌ متعددة أنّ نسبة الإبداعِ عند الأطفال، من سنّ سنتين، حتى خمسِ سنوات هي “90%” !!! نَعم هذا الرقمُ الذي لا تمتلكه أنت الآن ؟؟؟ لحظة.. لكنْ كم هي النسبة عندما يصل الطفل إلى سنّ سبعِ سنوات ؟ سوف تتفاجأ جداً الآن من الرقم ! إنها 10% فقط ؟ ماذا ؟؟؟ طيب وكم هي عندما يصلُ الطفل إلى سن عشر سنوات ؟ إنها 2% فقط ؟؟
ماذا حصل ؟؟ ماذا فعلنا لقتلِ هذا الإبداعِ في نفوس أطفالنا ؟ هذه أهم مرحلةٍ في حياتك كإنسان، وفي حياة أطفالنا.. إذا لم نحسنْ اغتنامَها جيدًا؛ سنفقدُ الكثير، و كما فقدنا اليوم في جيلنا، أرجو أنْ لا نفقد في الجيل اللاحق ، ما يتم في هذه المرحلة العمريةِ نسمّيه البرمجة !! وأنّ جُلَّ سلوكياتنا تمّت برمجتها في هذه المرحلة من حياتنا، سواءً كانت سلوكياتٍ إيجابيةً أو سلبيةً ، وهذه البرمجة هي الحدودُ والقيود التي ندركُ من خلالها الحياة ،وهي برامجُ تلقائية التشغيلِ في عقولنا، فيها ردودُ أفعالٍ تجاهَ المثيرات الخارجية، وأجمعَ علماءُ التربية على دورِ الوالدينِ في تكوينِ هذه البرمجةِ، وأنهم هم مصدرُ التعلم الأولِ وقبلهم ، روى البخاري في صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)
كيف تمّت صناعتُك ؟
من هو الطفل الذي أراد والداك أنْ تكونَ عليه ؟ من هو الطفل الذي تريد صناعته ؟!ماذا تريدُ من طفلك ؟! أنْ يكونَ مؤدّباً،محترماً ،متديناً ، مجتهداً ،يدرس كثيراً ،صحيح البدَن .. إلخ، قد تستطيع أنْ تصلَ بطفلك إلى هذا المستوى، وما أكثرَ الرجال المؤدبين المحترمين المتدينين! صحيحي البدَن.. ومنهم الأطباء و المهندسين و..، ولكن أين المبدِعون؟ قد تنجحُ بوسائل التربية العمياء المتبعة في مجتمعنا، كالضرب و الإهمال و الإجبار، أنْ تصنع إنساناً مؤدباً متعلماً ، لكنك لن تصنعَ تلك الشخصية المبدِعة، التي تفرضُ وجودَها و شخصيتها على ساحةِ الوجود البشري! .الشعوبُ لا تقاسُ بكثرة السكان, لكنْ بجودةِ الأفراد، ولا تُمدح بالكمِّ, لكن يثنَى عليها بالكيفِ ، نحن قومٌ يصل أبناء بعضنا إلى عشرةِ أطفال، يلعبون (الغميضة أو الزقطة ) ويأكلون (االشيبس) ، والأمريكان عند الواحد منهم طفلان، أحدهما نزل على سطح القمر, والثاني يعتزمُ الوصولَ إلى المريخ.
كيف تمّت معاملتك في هذه المرحلة العمرية؟ وما هي البرمجة التي تلقيتها؟ ستكوّن شخصيتك ، كيف تعاملُ ابنكَ الآن؟ وكيف تبرمِجُه، سيكون في المستقبل .. إذا عاملته باحترام؛ توقّع منه أنْ يحترمَك ، وإذا عاملته باحتقارٍ؛ توقّع منه أنْ يقبلَ احتقارَ الآخَرين له ، إذا ناديتَه يا أسد؛ توقعْ منه أنْ يزأر، وإذا ناديته يا كلب؛ توقع منه النباح، وإذا ناديته يا حمار؛ توقع منه النهيق، كما تزرع تحصد . وأنت كما زُرع فيك الآن تأكل ، إلا إذا قرّرتَ أنْ تتغيرَ؛ فبإمكانك الآن .
الخطوة العملية: لكلِّ شخص : لاحظ كيف كانت طفولتك، وعلى أي شيء تم التركيز فيه على برمجتك الشخصية، كي تبدأ التغيير.للأب والأم : راقبْ كيف تتصرف مع طفلك، وحدّد البرمجة السلبية، والسلوكياتِ الخاطئة، واستعدْ للتغيير، واستعدْ لصناعة الطفل المبدعِ ، في أمانِ اللهِ أتركُك ..