كتاب الثريا

الأُمّةُ الإسلاميةُ الوجعُ واللوعةُ (أزمةُ فِكرٍ)

بقلم : نهال صلاح الجعيدي

تجتاحُنا المشاعرُ ونحن نرى الظلمَ قد عمَّ وطمَّ في بلادِنا ، فنحن الضحيةُ أغلبيةً أو أقليةً ، المظلومونَ ، المسحوقونَ في كلِّ مكانٍ ، وما يَحدثُ في “بورما” ما هو إلاّ مِثالٌ واضحٌ وضوحَ الشمسِ في رابعةِ النهارِ ، إلّا أنّ طريقةَ تعامُلِنا مع الأحداثِ مازالت تُراوِحُ مكانَها ، ومازلنا نشجُبُ ونستنكرُ في داخلِنا، وعلى مواقعِ التواصلِ الاجتماعي ،مازلنا نكتفي بسلاحِ الدعاءِ على أهميتِه ، وبالصرخاتِ العاطفيةِ للأنظمةِ الباهتةِ الباليةِ ، (كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ) ، فلا الحكامُ يتحركونَ، ولا يستجيبُ ربُّ السماءِ للقاعدين المتواكلينَ .

إنّ التمحيصَ لصفوفِ المسلمينَ ، والابتلاءَ والاختبارَ سُنّةٌ كونيةٌ ، لأجلِ تعبيدِ الطرُقِ نحوَ النصرِ والكرامةِ ، إلاّ أنّ دورَنا في هذه المرحلةِ يجبُ أنْ ينموَ ويتطورَ ، يجبُ علينا أنْ نسعَى جاهدينَ لامتلاكِ مفاتيحَ للقوةِ في هذا العالمِ؛ الذي لا ينصاعُ إلّا لِلُغةِ العقلِ والقوةِ والمالِ .

فالمالُ الذي لا تحميهِ قوةٌ؛ هو مالٌ منهوبٌ، وخيرُ مثالٍ على ذلكَ الأموالُ في دولِ الخليجِ العربيّ ، يملكونَ من المالِ ما يجعلُهم يحكمونَ العالمَ؛ إلّا أنهم تنقصُهم الحكمةُ والعقلُ والشجاعةُ في التعاملِ مع هذا المالِ، والقوةُ التي لا يَحكمُها العقلُ هي قوةٌ هوجاءُ؛ سوفَ تعودُ علينا بالضررِ أكثرَ من النفعِ ؛ لذلك علينا أنْ نبدأَ بالعقلِ ، فنبدأ بتحطيمِ الأصنامِ الموجودةِ داخلَ عقولِنا، فلا علاقةَ بينَ الإسلامِ وما نتعرضُ له من ظلمٍ واضطهادٍ ، وإنما اضطهادُنا يأتي من كونِنا مُجردَ أرقامٍ وأعدادٍ ، عالةً على هذا العالمِ ، لم نقدّمْ خدماتٍ جليلةً ليتطورَ هذا العالمُ؛ لنكونَ في مصافِّ الدولِ مهابةَ الجانبِ ، صاحبةِ القرارِ في هذا العالمِ ، ولنتذكرَ أننا يومَ خرّجنا مئاتِ العلماءِ من المسلمينَ ، وقدّمنا آلافَ الاختراعاتِ والاكتشافاتِ التي استفادَ منها العالمُ؛ كُنا القوةَ الأولى في هذا العالمِ، وأصحابَ الكلمةِ المسموعة .

كما أنّ تركيا المسلمةَ لا تعاني من الاضطهادِ؛ وكذلك إندونيسيا وماليزيا ، ويعودُ السببُ في ذلك؛ أنهم عرفوا الطريقَ نحوَ القوةِ؛ فبدأوا بالعملِ على بناءِ الإنسانِ والشخصيةِ المبدعةِ العاملةِ المتفانيةِ في عملِها في سبيلِ النهوضِ ومواكبةِ التطورِ العالمي ، في الوقتِ الذي مازلنا نحن المستورِدين المستهلكينَ في كلِّ المجالاتِ؛ رغمَ أننا نقطنُ في منطقةٍ جغرافيةٍ هي الأغنى في العالمِ، والأجودُ في الكثيرِ من الموادِ الخامِ اللازمةِ للصناعةِ ، وبذلك يجبُ أنْ نُقلعَ عن ربطِ الإسلامَ بما يجري لنا من أحداثٍ؛ لأنّ سُنةَ اللهِ في الكونِ( أمّا الزبَدُ فيذهبُ جُفاءً، وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيَمكثُ في الأرضِ).
وعلينا من الآن أنْ نقفَ وقفةً جادّةً، و نبدأَ في وضعِ أفكارٍ، وتفعيلِ خُططٍ واضحةٍ للنهوضِ بالنظامِ التعليمي ، بما يكفُلُ بناءَ الشخصيةِ المثقفةِ المبدِعةِ القادرةِ على العطاءِ ، وأنْ نقرأَ التجربةَ (التركيةَ والماليزيةَ والإندونيسيةَ) ، ونحذوَ حَذوهم في الوصولِ إلى مراكزِ القوةِ، ومراكزِ اتّخاذِ القرار .

أمّا من الزاويةِ الأخرى، فنحن لا نستطيعُ عرضَ قضايانا في الإعلامِ بشكلٍ منطقي؛ يتناسبُ وحجمَ قضايانا، وفي نفسِ الوقتِ ينالُ التعاطفَ الدولي المطلوبَ ، فكان الأَولى من عرضِ ما يَحدثُ من مذابحَ وحشيةٍ في “بورما” على أنه مذابحُ ضدَّ الإنسانيةِ؛ وليس على أنه خلافٌ عَقَديٌّ بينَ الأغلبيةِ والأقليةِ في “بورما” .

وفي الختامِ، إذا كان الإسلامُ فعلا مستهدَفاً ، فنحن أولُ من استهدفنا الإسلامَ؛ عندما أخذنا من الإسلامِ الشدّةَ، وتركنا الّلينَ ، وأخذنا المعاملةَ بالمِثلِ، وتركنا التسامحَ ، أخذنا انصُرْ أخاكَ ظالماً أو مظلوماً، وتركنا تمنعُه من ظُلمِه ، أخذنا الجهادَ ولم نأخذْ من الإعدادِ إلّا الإعدادَ العسكريَّ، وتركنا الثقافيَ والفكريَ الإعلاميَ ، أخذنا تناكحوا تكاثروا إني مُباهٍ بكمُ الأُممَ يومَ القيامةِ ، وتركنا كلَّ ما قالَه _صلى الله عليه وسلم_ في كيفيةِ التربيةِ السليمةِ العقليةِ والبَدنيةِ لأبنائنا؛ ليكونوا ممّن يُباهَى بهم يومَ القيامة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى