الحروفُ لا تَكذِبُ

بقلم: أنوار هنية
الحروفُ لا تكذبُ؛ لكنَّ الألسُنَ والعقولَ هي مَن تكذبُ؛ إذا قرّرتْ ذلك، فالشخصيةُ بانفعالاتِها واندفاعاتِها هي مَن تَكذبُ، هي من تُبدِّلُ المواقفَ و تديرُها و تحيكُها، الحروفُ جميلةٌ وبهيةٌ إذا ما تمّتْ صياغتُها في كلماتِ الفرحِ.
الحروفُ تَشُدُّ من عَضُدِكَ إذا ما تلقّتْها أُذنُكَ في لحظةِ الشدّةِ؛ تواسي، تؤازرُ، الحروفُ تبُثُّ لك السعادةَ، وتنعشُ قلبَكَ حينما تغذّيهِ بكلماتٍ بسيطةٍ تَحمِلُ لك الحبَّ والطمأنينةَ.
الحروفُ تُغيِّرُ شخصيتَك، وتعطيكَ الدافعيةَ نحوَ الأفضلِ؛ حينما تَخرجُ من فاهِ حكيمٍ رجلٍ أو امرأةٍ كانت، فتعطيكَ خلاصةَ تجربتِه في الحياةِ، وتعلّمُكَ ما لم تُعلِّمكَ إياهُ أُمَّاتُ الكتبِ، فتكونُ نِعمَ المُساند لك، تصوِّبُ بوصلتَكَ للتصرّفِ بواقعيةٍ وبصيرةٍ.
الحروفُ تُمِدُّكَ بالطاقةِ والإيجابيةِ؛ ترسلُ معها ألفَ رسالةِ أملٍ؛ حينما تُرَصُّ بأناملِ كاتبٍ سرَدَ سيرةَ رسولِنا الكريمِ، ولخّصَ تفاصيلَ حياتِه؛ ما بينَ اليُتمِ والقهرِ، و الخوفِ، و النبوةِ و الاصطفاءِ، و الهجرةِ و الطردِ و التعذيبِ، و النعتِ بالسحرِ والجنونِ، و هجْوِّهِ “بالأبترِ”؛ مروراً بانتصاراتِ “بدرٍ” ودروسِ أُحد، وحكمةِ “خيبر”، وفقدِ الأبِ و الأمِّ و العمِ و الجدِ، والزوجةِ، و فقدِ الأبناءِ، ثُم النصرِ المستحَقِّ له من اللهِ، وكراماتِ اللهِ له في كلِّ مفصلٍ، حيثُ لا يتّسعُ الحديثُ للتفصيلِ هنا.
جميعُها حروفُ عِزّة، حروفُ تَجارِبِ حياةٍ تمدّكَ قوةً، وتعطيكَ الصبرَ، و تقولُ لك ماذا حدثَ معكَ أنت من هذا؟ و بعدَ كلُّ ذلك كيف صمدتَ؟ لم تختفِ ابتسامتُه أمامَ كلِّ ذلك، و لم يَفُتُّ من عَضُدِه شيءٌ؛ بل صنعتْ منه مُعلّماً للبشريةِ جمعاءَ؛ يستقي من علمِه المؤمنُ والكافرُ..
الحروفُ تشكّلُ حياتَنا وذواتِنا حينما نَنْتقيها بعنايةٍ، تشكّلُ شخصيتَنا أمامَ الآخَرينَ، وتعبّرُ عنا بلا زيفٍ، فتُخرِجُ أفكارَنا للعلنِ، وتُجسِّدُ حياتَنا…
وهنئياً لمن انتقى حروفَه بعنايةٍ، و كان سردُها من عتيدٍ ورقيبٍ بلا أخطاءٍ، وبلا ذنوبٍ، فتُدوَّنُ في صحفٍ نتلقفُها في يمينِنا بلا حسابٍ ولا سابقةِ عذابٍ، وصدقَ اللهُ الذي يقولُ في مُحكَمِ كتابِه :”مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (قّ:18)، أي ما يتكلّمُ من كلامٍ فيلفظه ويرميه من فيهِ إلا لديه رقيبٌ؛ أي ملَكٌ يرقبُ قولَه ويكتبُه، والرقيبُ الحافظُ المُتتَبِعُ لأمورِ الإنسانِ الذي يكتبُ ما يقولُه من خيرٍ وشرٍ، فكاتبُ الخيرِ هو مَلَكُ اليمينِ، وكاتبُ الشرِّ مَلَكُ الشمالِ..
هنيئاً لمَن كانت حروفُه باستغفارٍ يَتبَعُ أخطاءً لا تنفكُّ عن صفةِ البشريةِ غيرِ المؤلهةِ، وغيرِ المعصومةِ التي تخطئُ وتصيبُ.
للحروفِ حكايةٌ لا نهايةَ لها؛ حينما تغرسُ فينا العلمَ و الثقافةَ التي نستقيها من علماءٍ و مثقّفينَ خطُّوا ما تعلَّموهُ في حروفٍ أنارتْ طريقَ العلمِ و المعرفةِ، ولخّصتْ لنا احتياجَنا من المعرفةِ المتنوعةِ.
الحروفُ لا تكذبُ، لا تجرحُ، لا تخدعُ، لا تؤذي، لا تخونُ…الحروفُ جميلةٌ بجمالِ استخدامِها، رائعةٌ بروعةِ مُتقنِها متحدِّثِها أو كاتبِها، فلنُحسِنْ كتابةَ حروفِنا في شتّى تفاصيلِ حياتِنا الخاصةِ و العامةِ، العلميةِ والعمليةِ، مع العوامِ و مع الخاصِّ، في حياتِنا الدنيا و في أفعالِنا لآخِرتِنا، في محبّتِنا للآخَرينَ وصِدقِ مشاعرِنا، في اهتماماتِنا، في فكرِنا في حزنِنا في شجونِنا في فرحِنا في ترَحِنا ..في شتّى تفاصيلِنا الظاهرةِ و الباطنةِ..