“القائمةُ الذهبيةُ” حالةٌ مفصليةٌ في تاريخِ المسجدِ الأقصى

إعداد- إسراء أبو زايدة
يستفتونكَ في نساءِ بيتِ المقدس! فالميدانُ يُفتيكم فيهن، هن أمهاتُ شبابِ القدس وأخواتُهم وبناتُهم، صنعنَ نصراً وعزّةً وكرامة، وسطّرنَ برباطِهنّ دروساً للعالمِ بأسرِه، وانتقلتْ بوصلةُ الرباطِ لديهنّ عند أبوابِه، “القائمة الذهبية”، هي اسمٌ لمجموعةٍ من النساء اعتادت على زيارةِ المسجدِ الأقصى المباركِ يومياً للصلاةِ فيه، وصدِّ كلِّ أذى قد يَلحقُ به من قطعانِ الصهاينةِ؛ ما دفعَ الأخيرَ إلى التحركِ سريعاً لمحاربتِهنّ، فسارَع للتربُّصِ بهنّ، وجمعَ أسماءَهن في قائمةٍ موَحدةٍ أطلقَ عليها مُصطلحَ “القائمة السوداء”، فصار يمنعهُنّ من دخولِ الأقصى من شهرِ أغسطس لعام (2015) حتى إشعارٍ آخَر.
وعلى إثرِ ذلك بدأتْ رحلةُ الرباطِ لدى نساءِ “القائمة الذهبية” من باب السلسلةِ، المَنفذِ الوحيدِ لخروجِ المستوطنين بعدَ الانتهاءِ من اقتحاماتِ المسجدِ الأقصى، هناك اتّخذتْ النسوةُ من أعتابِ البابِ ميداناً لهنّ، يهتِفنَ فيه باسمِ الأقصى في وجهِ مُقتحِميهِ، ويقارِعنَ الاحتلالَ وبارودَه بالحَنجرةِ والقرآنِ.
التصدّي للمحتلِّ :
في لقائنا مع “هنادي حلواني” وهي إحدى نساءُ القائمةِ الذهبية تقول لـ “الثريا” :” سلاحُنا الوحيدُ رباطةُ الجأش، فهو القوةُ الروحيةُ التي نستمدُّها من الله، ولا نمتلكُ العتادَ.. لأننا أصحابُ الحقِّ، وصاحبُ الحقِّ يَثبُتُ على حقِّه”.
وتضيف حلواني:” تعرّضتُ لأبشعِ وسائلِ الضربِ والتحقيقِ في أقبيةِ السجن، وللحرمانِ من خدماتِ التأمينِ الصحي لمدّةِ “سنة ونصف”، بالإضافةِ إلى الإبعادِ، كما تعرّضتْ عائلتي للضربِ والمَهانةِ.. وفتشوا بيتي مراراً و تكراراً في منتصفِ الليل وعاثوا فيه خراباً، ولكنْ منذُ بدايةِ الانتهاكاتِ بحقي وحقِّ عائلتي؛ لم أتراجعْ؛ بل زادني إصراراً على المضيِّ قدماً في طريقِ الحقِّ، وزادني إصراراً وقوةً على المواصلةِ لنصرةِ المَسرى”.
وتشيرُ المرابطةُ المقدسيةُ إلى أنّ دورَ “القائمة الذهبية” بات يتعاظمُ يوماً بعدَ يومٍ، وتصدِّيهِنَّ للمستوطنينَ الذين يقتحمونَ الأقصى؛ أضحى يؤرِّقُ الاحتلالَ، ويُنمِّي داخلَه شعوراً بالخطرِ إذا ما استمرَّ وجودُ نساءِ “القائمة السوداء” بنَظرِ المحتلِّ هناك.
على أعتابِ الأقصى :
“أم عبد الأجرب” إحدى النساءِ التي أُدرجَ اسمُها ضمنَ “القائمة الذهبية”، تأتي كلّ يومٍ إلى المسجدِ الأقصى المبارك؛ على أملِ أنْ يزيل الاحتلالُ اسمَها من قائمةِ الممنوعاتِ عن الأقصى، لكنها تؤكّدُ في الوقتِ نفسِه على أنها لن تتركَ حقَّها في الصلاةِ والرباطِ في المسجدِ الأقصى، وإنْ كان ذلك على أعتابِه.
وجودُ النساءِ في باب السلسلةِ لفتَ أنظارَ الرأيِّ العام المَحليّ والعالميّ، ودفعَه للالتفاتِ نحوَ قضيتِهنَّ، والسببِ الذي يقفُ وراءَ جلوسِهنّ هناك، وما زادَه قلقاً، هو تطويقُهنّ بطَوقٍ عسكريّ مزوَّدٍ بشتّى وسائلِ القمعِ والقوةِ، هذا ما بيّنتْه المرابطةُ “أم عبد” في حديثِها لـ “الثريا”.
وتُبيّنَ بأنّ دورَ نساءِ “القائمة الذهبية” في التصدي لاقتحاماتِ المستوطنينَ؛ رفعَ درجةَ التأهُبِ لدَى الصهاينةِ إلى الذروةِ؛ و جعلَه يلجأُ لقمعِهنّ بالقوةِ بشكلٍ مباغتٍ من بابِ السلسلةِ إلى بابِ المجلسِ، وهناك استكملَ قمعَهُنّ إلى بابِ حِطّة.
ضريبةُ الرباطِ :
فيما تقولُ “سميحة شاهين” إحدى نساءِ القائمةِ الذهبية: ” أَحضرُ يومياً مع عددٍ من النساءِ المُبعداتِ، إلى بابِ حِطّة، رغمَ المضايقاتِ الكثيرةِ التي نتعرضُ لها من قِبلِ الصهاينةِ وأذرُعِهم المختلفة”، مؤكّدةً على أنّ دورهنَّ في الدفاعِ عن المسجدِ الأقصى له ضريبةٌ باهظةٌ يجبُ دفعَها. وناشدتْ المرابطةُ “شاهين” العالمين العربيّ والإسلاميّ لمناصرةِ قضيتهِنّ، وقضيةِ المسجدِ الأقصى المباركِ.
وتُبيّنُ “شاهين” أنّ نساءَ”القائمة الذهبية” يقضينَ أوقاتَهنَّ في الرباطِ على أعتابِ الأقصى بالذِكر وتدارُسِ القرآنِ الكريمِ، وتعلّمِ السيرةِ النبوية؛ لكنّ ذلك لم يشفعْ لهنَّ أمامَ المحتلِّ؛ الذي ما فَتِئَ يلاحِقُهنّ ويعتدي عليهنّ، ويعتقلُ بعضَهنّ، في خطوةٍ تهدفُ إلى إقصائهنّ عن المسجدِ الأقصى، وثَنيِهِنَّ عن نصرتِه.
لم يكتفِ الصهاينةُ بمنع ” القائمة الذهبية” من دخولِ المسجدِ الأقصى؛ بل تطاولتْ قواتُ الاحتلالِ وفرضتْ قائمةَ ممنوعاتٍ على نساءِ “القائمة الذهبية” ومنها: ملاحقتُهنَّ حتى في بيوتِهنَّ وبينَ عوائلِهنّ، وفرضُ الحبسِ المنزلي، وحرمانُهنّ من الخدماتِ الصحيةِ، كذلك سَحْبُ جوازاتِ السفرِ الخاصةِ بهن، ومنعُهنّ من حضورِ المؤتمراتِ والوُرَشِ خارجَ البلدِ، إضافةً إلى صدورِ قراراتِ الإبعادِ بحقِّهنّ.
وفي لقائنا مع “هِبة سرحان” حارسةِ المسجدِ الأقصى؛ والممنوعةِ من دخولِه بأمرٍ تعسُّفيٍّ من الصهاينةِ تقول:” اعتقلتني قواتُ الاحتلالِ سبعَ مراتٍ، من بينِها اعتقالٌ كان في ساعاتِ الفجرِ، وسلّمتني قراراً بالإبعادِ عن المسجدِ الأقصى”، مؤكّدةً أنّ الاعتقالَ يهدفُ _بالدرجة الأولى_ إلى تفريغِ المسجدِ الأقصى من أهلِه وأصحابِه، وإتاحةِ المجالِ أمامَ اقتحاماتِ المستوطنينَ دونَ ردِّ فِعلٍ من أحدٍ.
قراراتُ الإبعادِ بحقِّ المقدسيينَ تزدادُ يوماً عن آخَرَ، وكان آخِرَها إبعادُ وفرضُ الحبسِ المنزلي بشكلٍ أوَليٍّ على المُرابِطةِ “سحر النتشة”، تَبِعَها قراراً فعلياً من محكمةِ الاحتلالِ بالسَّجنِ ثلاثةَ أشهر لها ؛ بسببِ منشوراتٍ تحريضيةٍ تنشرُها عبرَ الفيس بوك.
انتهاكٌ للحرياتِ :
وبدَورِه يوضّح ُالمحامي “خالد زبارقة” بأنّ الاحتلالَ أعدَّ قائمةً وأسماها “القائمة السوداء”؛ وسجّلَ فيها أسماءَ النساءِ اللواتي لهنَّ الدورُ المباركُ في عمارةِ المسجدِ الأقصى المباركِ، وتمَ توزيعُ هذه القائمةِ على عناصرِ الشرطةِ الإسرائيليةِ الموجودةِ على بواباتِ الأقصى الخارجيةِ؛ لمنعِ دخولِهنّ إلى المسجدِ الأقصى، وبشكلٍ تعسُّفيٍّ ودونَ أيِّ سنَدٍ قانونيّ.
ويعلقُ “زبارقة” على هذا القرارِ:” هذا المنعُ ينافي كلَّ بنودِ القانون؛ وينتهِكُ الحرياتِ، حريةَ الحركةِ والعبادةِ والدخولِ إلى الأماكنِ المقدسةِ، حتى أنه ينتهِكُ أُسُسَ القانونِ المحليةَ والدوليةَ”.
ويؤكدُ بأنّ صمودَ المرابطاتِ ما هو إلا تَحَدٍّ لمشروعٍ صهيونيٍّ كبيرٍ، لاسيّما وأنّ هذه القائمةَ باتت تشكّلُ حالةً مفصليةً في تاريخِ القدسِ، لا تَقِلُّ أهميةً عن الحالاتِ التي رافقتْ مقدِماتِ التحريرِ في التاريخِ المُشرّفِ.
والجديرُ بالذِكرِ، أنّ المحتلَّ شرعَ باستخدامِ القائمةِ الذهبيةِ بتاريخِ( 10/8/2015)، وأدرجَ فيها (20) اسماً لسيداتٍ مَقدسياتٍ، والعددُ ما زال في تزايُدٍ حتى وصلَ لـ (55) سيدةً؛ من ضِمنِهنَّ نساءُ الداخلِ الفلسطينيِّ، دونَ أيِّ مُسوِّغٍ قانونيّ.