صفقاتٌ مشبوهةٌ، وسرقاتٌ لنسخِ الملفاتِ الإلكترونيةِ في مركزِ المخطوطاتِ بالقدس المحتلة

الثُريا- إسراء أبو زايدة
وقفَ الاحتلالُ بأجهزتِه ومؤسساتِه وميزانياتِه وجهًا لوجهٍ ضدَّ المواطنِ المَقدسي؛ لتطبيقِ مخططاتِه، وضمانِ أغلبيةٍ يهوديةٍ في القدسِ، واستدامةِ حدودِ المدينةِ السياسيةِ المفروضةِ بحُكمِ الواقعِ؛ وبناءً على ذلكَ تطوّرتْ المواقفُ الإسرائيليةُ تُجاهَ السيطرةِ على الأقصى على مدارِ الـ(50) عامًا منذُ احتلالِ القدسِ؛ من خلالِ سياسةِ فرضِ تقسيمِه والسيطرةِ عليه، وتثبيتِ حقِّ اليهودِ بالصلاةِ في المعبدِ المزعومِ؛ لضربِ هُويةِ الوجودِ المَقدسي، وربطِ المقدسيينَ بشكلٍ كاملٍ بمنظومتِه الاقتصاديةِ والمعيشيةِ والحياتيةِ المختلفة.
وعلى إثرِ ذلك يستخدمُ الاحتلالُ سياساتِه المختلفةَ للاستفرادِ بالمقدسات؛ يستهدفُ من خلالِها الوصولَ إلى قراراتِ الحظرِ والإغلاقِ، ومنها: تحجيمُ دورِ فلسطينيِّي الأراضي المحتلةِ عامَ (1948)، ومنعُ تواصُلِهم الوطنيّ والنضاليّ والجغرافيّ مع القدسِ والمناطقِ الفلسطينيةِ المختلفةِ، وتقييدُ جهودِ الدفاعِ عن القدسِ والأقصى، كذلك محاولةُ إجهاضِ انتفاضةِ القدسِ من خلالِ توجيهِ ضربةٍ لحاضنتِها الفلسطينيةِ، إضافةً إلى منعِ الوجودِ الفلسطينيّ المؤسساتيّ في القدسِ، وإبقاءِ الاحتلالِ مرجعيةً وحيدةً للمَقدسيينَ لإخضاعِهم لسيادتِه وسياساته.
الخبيرُ والباحثُ في تاريخِ القدسِ د. “ناجح بكيرات”؛ أكّدَ على ضرورةِ الوقوفِ أمامَ الاحتلالِ الذي يواصلُ مُخططاتِه في سلبِ الهويةِ الفلسطينيةِ وتزويرِها، مؤكّداً أنّ الاحتلالَ الصهيوني سخَّر( 15) مليونَ دولارٍ للحملةِ الموسومةِ (تصحيحُ الروايةِ التوراتيةِ) لدَى العالمِ، ويسعى لنشرِ هذه الروايةِ من خلالِ سُفرائه.
وتساءلَ د. بكيرات : “أين روايتُنا الإسلاميةُ الحقيقة؟، وأين سفراؤنا الفلسطينيونَ والعربُ والمسلمونَ إزاء ذلك؟ أليس للأقصى سفيرٌ؟”، مُطالباً بضرورةِ وضعِ خُطةٍ فلسطينيةٍ وعربيةٍ وإسلاميةٍ لمواجهةِ مؤامراتِ الاحتلالِ.
ويدعو “بكيرات” إلى الالتفاتِ لمدينةِ القدسِ في ظِلِّ المؤامراتِ الصهيونيةِ التي تُحاكُ ضدّها، مشيراً إلى أنّ الاحتلالَ يمارسُ نوعًا من التمويهِ والثعلبةِ.
ويؤكّدُ الباحثُ في تاريخِ القدس د. “بكيرات” أنّ الاحتلالَ لم يُعجِبْه الوجودُ الفلسطينيُّ المكثّفُ في البلدةِ القديمةِ، لاسيّما في ظِلِّ التزاحمِ الذي
أعطى رؤيةً جديدةً بأنّ القدسَ ستبقَى عاصمةً للفلسطينيينَ، وأنّ الأقصى يجمعُ هذا الوجود.
ويقولُ د. بكيرات : ” بدأ يتّضِحُ الوعيُ بشكلٍ جيدٍ لدَى الشعوبِ العربيةِ؛ بأنّ الأقصى أسيرٌ، ولابدّ من نصرتِه، لكنه ليس بالمستوى المطلوبِ”، مشيراً إلى أنّ الاحتلالَ رفعَ من وتيرةِ برنامجِه التهويديّ؛ لإدراكِه بأنّ جميعَ الخطواتِ التي اتّخذَها ضدَّ المقدسيينَ والمسجدِ الأقصى لم تُشبِع شهواته.
ويبيّنُ د. “بكيرات” أنّ الاحتلالَ زادَ من اختراقِه ووجودِه في محيطِ الأقصى؛ حيثُ عقدَ جلسةً لـ(حكومتِه)، وأقام مهرجانًا تهويديًّا على جدرانِ الأقصى، لافتاً إلى أنّ الاحتلالَ ما يزالُ يُغلقُ ( 80 )حمّامًا في بابِ الغوانمة، ولا يَسمحُ للفلسطينيينَ ببناءِ وحدةٍ خدماتيةٍ في ظِلّ قدومِ( 200) ألفِ مُصَلٍّ للأقصى.
ويرى الباحثُ المَقدسيّ بأنّ الواقعَ الصهيونيّ لا يعتمدُ فقط على تضليلِ العالمِ؛ وإنما يعملُ للوصولِ إلى سُبلِ الدعمِ، داعيًا إلى العملِ على تصحيحِ الروايةِ، ودحضِ كلِّ ما يقومُ به الاحتلالُ من تزييفٍ للتاريخِ والواقع.
تطهيرٌ عِرقيٌّ :
ومن جانبِه، يحذّرُ الأمينُ العام للهيئةِ الإسلاميةِ المسيحيةِ لنصرةِ القدسِ والمقدساتِ، الدكتور “حنا عيسى”، من التصريحاتِ “الإسرائيلية” الأخيرةِ حولَ نيّةِ سحبِ الهويةِ “الإسرائيلية” “الزرقاء” من السكانِ الفلسطينيينَ في مدينةِ القدسِ المحتلةِ، أو إبعادِهم إلى الضفةِ الغربيةِ كنوعٍ من العقابِ؛ وذلك على من يَثبُتَ عليه التحريضُ أو المشاركةُ بمواجهاتِ الأحداثِ الأخيرةِ في مدينةِ القدس.
ويَعُدُّ “عيسى”_ في بيانٍ له_ أنّ هذه السياسةَ هي تطهيرٌ عِرقيٌّ ضِمنَ مخططاتِ الاحتلالِ التهويديةِ للمدينةِ المقدسةِ، الهادفةِ لتقليصِ الوجودِ العربيّ الفلسطينيّ فيها إلى أقلِّ نسبةٍ ممكِنةٍ، مشيراً إلى أنه في السنواتِ الأخيرةِ فقَدَ ما يقاربُ (20 )ألفَ مَقدسيٍّ حقَّ الإقامةِ في المدينةِ؛ بسببِ اشتراطِ حكومةِ الاحتلالِ إقامتَهم داخلَ الحدودِ المصطنَعةِ لها، إضافةً إلى إلغاءِ حقِّ الإقامةِ لأكثرَ من (4577) مَقدسياً، خلالَ عام (2012).
ويقولُ عيسى:” إنّ سياسةَ التطهيرِ العرقيِّ التي تَتبِعُها “إسرائيل” في المدينةِ المقدسةِ، تتطلبُ من الدولِ العربيةِ لَعِبَ دورٍ بارزٍ عبرَ المنظماتِ الدوليةِ لوقفِ المخططاتِ التهويدية، وتصفيةِ الحقوقِ الفلسطينيةِ في المدينةِ المقدسة”، مؤكّداً أنّ الوضعَ الراهنَ في القدسِ يتطلّبُ موقفاً حازماً لوقفِ إجراءاتِ الاحتلالِ التهويديةِ ضدّ المقدسيين.
صفقاتٌ مشبوهةٌ :
ومن جهتِه، يوجِّهُ المُطرانُ المقدسيُّ “عطا الله حنا” نداءً إلى أبناءِ الرعيّةِ الأرثدوكسيةِ في القدسِ وفلسطينَ حولَ صفقةِ بابِ الخليلِ في القدسِ القديمةِ، مؤكّداً أنّ الذين يستهدفونَ الأوقافَ والمقدساتِ الإسلاميةَ هم ذاتُهم الذين يستهدفونَ الأوقافَ المسيحية.
ويقولُ: “هناك استهدافٌ غيرُ مسبوقٍ لأوقافِنا الأرثوذكسيةِ، وصفقاتٌ مشبوهةٌ؛ آخِرُها صفقةُ بابِ الخليلِ التي تُعَدُّ من أخطرِ وأسوأِ هذه الصفقاتِ؛ التي تندرجُ في إطارِ سياسةِ ابتلاعِ القدسِ وطمْسِ معالمِها، وتشويهِ صورتِها، وتزويرِ تاريخِها”.
ويضيفُ: “عندما كُنا في باحاتِ الأقصى؛ إلى جانبِ إخوتِنا المسلمينَ؛ قُلنا هناك بأنه “لا يحُكُّ جلدَك إلا ظفرُك”، ونُكرّرُ هذا القولَ اليومَ بخصوصِ ما تتعرضُ له أوقافُنا من عملياتِ سلبٍ ونهبٍ وسرقةٍ؛ تتِمُ بطريقةٍ ممنهجةٍ ومدروسةٍ دونَ أيِّ وازعٍ إنسانيّ أو أخلاقيّ أو روحي”.
ويدعو المطرانُ” حنا” المؤسساتِ الأرثوذكسيةَ في الأراضي المقدسةِ إلى توحيدِ جهودِها؛ بأخذِ أبناءِ الرعيةِ زمامَ المبادرةِ، مشدِّداً بالقولِ: “لا يجوزُ أنْ تمُرَّ صفقةُ بابِ الخليلِ مرورَ الكرامِ؛ كما غيرِها من الصفقاتِ”، مُعتبِراً أنّ صفقةَ بابِ الخليلِ هي الأخطرُ؛ لأنّ تداعياتِها ستكونُ كارثيةً على أبناءِ الكنيسةِ، وعلى الحضورِ المسيحيّ في هذه المدينةِ المقدسةِ، وعلى مدينةِ القدسِ بشكلٍ عام.
انتهاكٌ قانونيٌّ :
وأبدتْ دائرةُ الأوقافِ الإسلاميةِ العامةِ في مدينةِ القدسِ استنكارَها لِما تعرّضَ له المسجدُ الأقصى المباركُ من اقتحامٍ وإغلاقٍ وحملاتِ تفريغٍ وتفتيشٍ، وعبَثٍ بممتلكاتِ المسجدِ الأقصى، وتُدينُ إقدامَ قواتِ الاحتلالِ على إتلافِ موادٍ كيميائيةٍ؛ كانت تُستخدمُ لتنظيفِ وترميمِ الوثائقِ القديمةِ في قِسمِ المخطوطاتِ، إضافةً إلى تكسيرِ عشراتِ أقفالِ الغُرفِ والخزائنِ المغلقةِ، وبعثرةِ محتوياتِها، واصفةً إياهُ انتهاكاً قانونياً صارخاً، واعتداءً غيرَ مبرَّرٍ ضدّ حرمةِ وقداسةِ مرافقِ المسجدِ الأقصى المبارك.
وبيّنتْ الأوقافُ خلالَ بيانٍ صحفيٍّ صدرَ عنها، إثرَ الاقتحاماتِ الأخيرةِ للمسجدِ الأقصى، بأنّ أجهزةَ سلطاتِ الاحتلالِ أقدمتْ على اقتحامِ وفتحِ أجهزةِ الحاسوبِ في مركزِ المخطوطاتِ، مع احتماليةِ سرقةِ نُسَخٍ من الملفاتِ الإلكترونية ِالموجودةِ على الأجهزةِ، والعبثِ بها.
وتشيرُ دائرةُ الأوقافِ إلى تَعرُّضِ إحدى المكاتبِ لِخَلعِ عددٍ من أقفالِها والجواريرِ والخزائنِ الخاصة ِبها، إضافةً إلى سرقةِ جهازِ تصويرِ الكاميراتِ( DVR).
هذا ولا تزالُ مديريةُ مشروعاتِ إعمارِ المسجدِ الأقصى المباركِ مستمرةً على قدَمٍ وساقٍ في عملِها؛ ولم تنتهِ حتى اللحظةِ من إحصاءِ حجمِ الدمارِ الذي لحقَ بالمسجدِ الأقصى ومحتوياتِه ؛ نظراً لصعوبةِ تشخيصِ الأضرارِ الناتجةِ عن تصرُّفِ اقتحامِ شرطةِ الاحتلالِ برفقةِ سلاحِ الهندسةِ التابعِ لجيشِ الاحتلال .