على عتباتِ عامٍ دراسيٍّ جديد

بقلم: أ. محمد شفيق السرحي معلم فلسطيني
عامٌ دراسيٌّ جديدٌ؛ تُفتحُ فيه نوافذُ للأملِ من جديدٍ، ويعاودُ استمراريةَ البناءِ لأجيالٍ تتشوّفُ لِغَدٍ مشرقٍ، وإنجازاتٍ للمستقبلِ، على طريقِ بناءِ الوطنِ، والمشاركةِ الفاعلةِ في مسيرةِ وركبِ الحضارةِ البشريةِ، وبمقابلِ الآمالِ المشرقةِ؛ التي يرسمُها ويَنشدُها القائمونَ على مسيرةِ النهوضِ بالعمليةِ التعليميةِ والتربويةِ في بلادِنا، وأولياءُ الأمورِ، وكلُّ المهتمينَ؛ فإنّ الآلامَ تزدادُ حِدّتُها وتأثيرُها خاصةً على مشارفِ هذا العامِ الدراسيِّ على وجهِ الخصوصِ.
لا يَخفى على أحدٍ من المختصينَ بالعمليةِ التربويةِ ؛ أنها عمليةٌ كاملةٌ متكاملةُ الجوانبِ , تؤثّرُ وتتأثرُ بكافةِ العواملِ البيئيةِ والمجتمعيةِ المحيطةِ , سواءً إيجاباً أو سلباً , سياسياً , اقتصادياً , اجتماعياً , أمنياً… وهكذا , وما أجملَ الثمارَ حينما تُقطفُ في بيئةٍ آمِنةٍ مطمئنةٍ , ومجتمعٍ مُستقِرٍّ سياسياً واقتصادياً وأمنياً , والحصولِ على نتائجَ قويةٍ على الصعيدِ التربويّ والتعليميّ , عِلماً بأنَّ بلادَنا “فلسطين” تحتلُّ المراكزَ الأولى في ” الطلبِ الاجتماعيّ العالي على التعليمِ ” والإقبالِ المتزايدِ عليه في ظِلِّ حالةٍ فريدةٍ من نوعِها على مستوى العالمِ , والتفوقِ الملحوظِ في النتائجِ العلميةِ , حتى على صعيدِ غزةَ المحاصَرةِ ما يقاربُ العشرَ سنواتٍ وأكثرَ .
أَذكرُ أنني لَمّا حصلتُ على أولى الدوراتِ في ” التخطيطِ الاستراتيجي ” , وفي آخِرِ محاضرةٍ منها ؛ أخبرَنا السيدُ المدربُ المحاضرُ فيها ؛ أنَ ” كلَّ ما ذكرْناهُ وتعلّمناهُ خلالَ ساعاتِ الدورةِ التدريبيةِ من أساسياتِ ومرتكزاتٍ ؛ خاصةً أنّ التخطيطَ الاستراتيجيَّ يستغرقُ على الأقلِّ (5) سنواتٍ في مستوياتِه المختلفةِ عِلمياً؛ لا ينطبقُ على واقعِ الحالِ في محافظاتِ غزةَ , لخصوصيةِ الحالةِ التي تعيشُها , سياسياً واقتصادياً واجتماعياً , وأننا حينما نتحدثُ عن التخطيطِ الاستراتيجيّ ؛ فإنّ له مقوماتٍ لنجاحِه؛ وعلى رأسِها الاستقرارُ في البيئاتِ المختلفةِ , وكلُّه قابلٌ للتغيُّرِ والتغييرِ وِفقاً للبيئةِ الماديةِ المُرادِ تطبيقَ الخُططِ الإستراتيجيةِ فيها .
عامٌ دراسيٌّ جديدٌ تَستقبلُه غزةُ , في ظِلِّ أزماتٍ متتاليةٍ ومتتابعةٍ , وخاصةً اقتصادياً ومالياً، , وقراراتٍ مُجحِفةٍ بحقِّها , وعقوباتٍ باطلةٍ , بحقِّ موظفيها , وخاصةً ما يتعلقُ بتطبيقِ التسريحِ القَسريِّ للموظفينَ ” التقاعدِ الإجباريّ ” ؛ وهذا يُعَدُّ من أخطرِ القراراتِ التي لو نُفِّذتْ ستُصيبُ المنظومةَ التربويةَ والتعليميةَ , والصحيةَ كذلك , بمَقتلٍ كبيرٍ , فلَكَ أنْ تتخيلَ طالباً يجلسُ في غرفتِه الصفيّةِ , وقد فقدَ معلِّمَه , أو يرى أمامَه , مُعلماً قليلَ الخبرةِ التربويةِ والتعليميةِ , يحاولُ ويحاولُ ولكنْ دون جدوى , علما أنه قد درج عند التربويين أن المنظومة التربوية والتعليمية , رغمَ كثرةِ الابتكاراتِ والوسائلِ والأدواتِ في ميدانِ تكنولوجيا التعليمِ ؛ إلَّا أنّ عمادَها ورُكنَها الركينِ هو المعلمُ , زارعُ القيَمِ والمبادئِ , وناقلُ الميراثِ الدينيّ والفكريّ لطلابِه .
استعداداتُ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ , محمودةٌ لغايةِ اللحظةِ , و تحرّكاتُها على صعيدِ سدِّ الشواغرِ , والعملِ على ديمومةِ العطاءِ التربويّ تُشكَرُ عليها, لكنّ ما ينبغي الالتفاتُ إليه؛ أنه يجبُ مضاعفةُ الجهودِ أكثرَ , لتطويرِ معلِّمينا , وإنصافِهم وخصِّهم بامتيازاتٍ تقوِّي جانبَ عطائهم , ليس مادياً فحسْب ؛ وإنما بالتدريبِ المستمرِّ , ومنحِهم التطويرَ الذي يستحقونَ , في حالِ نُفِّذتْ قراراتُ التقاعدِ الإجباريّ القسْريّ , وفقدانِ أربابِ الخبرةِ من معلِمينا الأفاضلِ , ورفْدِ الميدانِ التربويّ , بالمميَّزينَ , ومواصلةِ صقلِ خبراتِهم , وتفعيلِ الابتعاثِ , أو جلبِ الخبراتِ من الخارجِ وتبادُلِها في حالِ توَفرتْ الإمكانات.
أمّا على صعيدِ الطلبةِ وأولياءِ الأمورِ , وفي ظِلِّ إقرارِ المناهجِ الدراسيةِ الجديدةِ , فكما أنّ المعلمَ تقعُ عليه مسؤوليتُه الكبيرةُ , وكذلك المَدرسةَ والطاقمَ الإشرافيَّ , فإنّ أولياءَ الأمورِ ينبغي عليهم مؤازرةُ المدرسةِ والمعلّمِ في العطاءِ , والمشاركةُ فيه , والمحاولةُ بألّا نُثقِلَ كاهلَ الطالبِ بالأعباءِ المُنفّرةِ _أحياناً_ من المدرسةِ والحجرةِ الصفيةِ , وألّا نُحمّلَه أعباءَ الأزمةِ الاقتصاديةِ والماليةِ , وأنْ تشتركَ الأطرافُ المَعنيةُ جميعاً بتوفيرِ الاحتياجاتِ التعليميةِ بالحدِّ المستطاعِ , وتنفيذِ شراكاتٍ مع الجمعياتِ والمؤسساتِ الخدميةِ؛ لإنجاحِ رسالةِ المدرسةِ والبيتِ والتعاونِ المشترَك .
• ولا شكَّ أنَّ للأُمِّ في البيتِ الدورَ الكبيرَ _خاصةً لطلابِ المرحلةِ الابتدائيةِ ” الدنيا “_في إنجاحِ المسيرةِ التربويةِ والتعليميةِ من حيثُ المتابعةِ والاهتمامِ , والعلاقةِ الوثيقةِ بالمدرسةِ والحجرةِ الصفيةِ التي يَدرسُ فيها الابنُ , فالأصلُ أنْ تُوفّرَ قدْرَ المستطاعِ لأبنائها احتياجاتِهم المدرسيةِ ؛ ابتداءً من التهيئةِ النفسيةِ والاجتماعيةِ للعودةِ إلى المدرسةِ , إلى وجبةِ الإفطارِ ” المُهمةِ جداً ” , إلى التحفيزِ المستمرِّ , والأخذِ بِيَدِهم للتغلّبِ على كلِّ الإشكالاتِ والمشاكلِ التي قد تواجِهُ الأبناءَ , وعلى الآباءِ أنْ يشاركوا الأمهاتِ والأبناءَ هذا العبءِ , وألّا نستهينَ بتاتاً بأيِّ كلمةٍ أو سلوكٍ تحفيزيٍّ ,يؤثِّرُ في نفوسِ الأبناءِ, ورفعِ قيمةِ النظرةِ إلى العلمِ والتعلّمِ, والتنويعِ في الوسائلِ والأدواتِ المطلوبةِ على هذا الصعيد .
عامٌ دراسيٌّ جديدٌ يَطرقُ الأبوابَ، ولا يزالُ الأملُ يَحدونا , ويَحدو جميعَ المخلصينَ ، بنجاحِه , وتميُّزِه ؛ رغمَ كلِّ العقباتِ التي تعتري بداياتِه , ولكنْ بالتوكّلِ على اللهِ تعالى , والأخذِ بالأسبابِ, والإرادةِ والعزيمةِ القويةِ؛ سيَتحقَّقُ مفهومُ : ” البداياتُ المُحرِقةُ طريقٌ للنهاياتِ المشرقة ” .