كتاب الثريا

العدالةُ الغائبةُ في هذا العالمِ

بقلم : نهال صلاح الجعيدي

لم أكتبْ منذُ زمنٍ طويلٍ، ولعلّ بدايةَ كتاباتي كانت مع ولادةِ صحيفةِ فلسطينَ؛ إلّا أنني بعدَ فترةٍ فقدتُ شهيّتي للكتابةِ؛ رغمَ الأفكارِ الكثيرةِ والمتلاحقةِ التي تُراوِدُني كلَّ يومٍ؛ إلّا أنّ هناك مجموعةً من المَشاهدِ التي نتعرضُ لها يومياً، أو نشاهدُها أو نسمعُها ، خلقتْ بداخلي سؤالاً كبيراً: لماذا يَحدثُ كلُّ ذلك ؟ وكيف السبيلُ إلى الخروجِ من هذا الواقعِ المؤلمِ المَقيتِ؟ لماذا تَحكُمُنا المصالحُ والأهواءُ؟ لماذا نبتعدُ عن العقلانيةِ في اتخاذِ القراراتِ ؟ لماذا نرضَى للظلمِ ونستكينُ له ؟ لماذا الباطلُ قويٌّ، والحقُّ ضعيفٌ ؟ لماذا نتذمّرُ من الظلمِ الذي يقعُ علينا، ونمارسُ الظلمَ على غيرِنا؟ لماذا أصبح الظلمُ واقعاً نعيشُه على جميعِ الأصعدةِ سواءً على الصعيدِ الدوليّ أو الوطنيّ، وفي كلِّ المجالاتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والفكريةِ و الأخلاقيةِ.. وفي كلِّ مكانٍ ؟

على الصعيدِ الدوليّ والسياسيّ ؛ في المشهدِ الأولِ تتدخلُ الجيوشُ العالميةُ لتخليصِ العراقِ من النظامِ الديكتاتوريّ؛ ممثَّلاً بالرئيسِ العراقي “صدام حسين” ، وتتِمُ محاكمتُه بواسطةِ الاحتلالِ وأذنابِه على ما يُسمَّى “مَجازِرَه” ضدَّ المدنيينَ العراقيينَ ؛ بينما في مشهدٍ مُناقضٍ تتدخلُ نفسُ هذه الجيوشِ لحمايةِ النظامِ الديكتاتوريّ السوريّ؛ ممثَّلاً بالرئيسِ “بشار الأسد”، ويتمُ إمدادُه بالسلاحِ الجويّ، والأسلحةِ المُحرّمةِ دولياً، والبراميلِ المتفجرةِ، ومساندتُه في مَحوِ وإزالةِ مدُنٍ سوريةٍ بشكلٍ كاملٍ عن الخريطةِ، غير آبِهينَ بالأطفالِ ولا بالمَدنيينَ السوريين .

وفي مشهدٍ مُوازٍ يرتكبُ الاحتلالُ الإسرائيليُّ المجازرَ البشعةَ ضدَّ الفلسطينيينَ؛ على مَرأى ومسمعٍ المجتمعِ الدوليّ، دونَ أيِّ حسيبٍ أو رقيبٍ ، أو حتى قرارٍ دوليٍّ لوقفِ الانتهاكاتِ الوحشيةِ ضدّ المدنيينَ ؛ بل ويَحرمونَ الضحيةَ من الدفاعِ عن نفسِها؛ من خلالِ وصفِ المقاومةِ الفلسطينيةِ بكلِّ أطيافِها “بالإرهاب”، وإدراجِ أسماءِ المقاومينَ على لائحةِ الإرهابِ الدوليّ، وتجفيفِ منابعِ المقاومةِ من خلالِ إطباقِ الحصارِ الظالمِ على غزةَ، وإعطاءِ الاحتلالِ الضوءَ الأخضرَ في الضفةِ المحتلةِ! ويحاولُ في كلِّ قراراتِه إسقاطَ حقِّ اللاجئينَ الفلسطينيينَ الذين هُجّروا من ديارِهم قسراً، بينما يقفُ المجتمعُ الدولي على أطلالِ ما يسمُّونه (الهولوكوست أو المحرقة اليهودية ) والتي لم يَثبُتْ حتى اللحظةِ مِصداقيةُ هذه الروايةِ الصهيونيةِ ، فيُدفعُ للكيانِ الصهيونيّ تعويضاتٍ هائلةً عمّا لحِقَ بهم ، ويزوِّدُهم بأعتَى أنواعِ الأسلحةِ أمامَ الفلسطينيينَ العُزّلِ، ويستخدمُ حقَّ الفيتو أمامَ أيِّ قرارٍ لصالحِ الفلسطينيين .

وفي مشهدٍ آخَرَ من المَشاهدِ الدوليةِ؛ ولكنها متعلقةٌ بالحرياتِ؛ نَجدُ المسلمينَ ملاحَقينَ في كلِّ مكانٍ ، ومتّهمينَ بالإرهابِ، وبظُهورِ مصطلحِ (الإسلاموفوبيا) الذي يحملُ حقداً وكراهيةً وخوفاً مَرضياً لكُلِّ ما هو إسلاميٌّ؛ سواءٌ شخصاً أو حزباً أو نظاماً، نجدُ المسلمينَ ملاحَقينَ مُهدَّدينَ في كلِّ المجتمعاتِ الغربيةِ؛ مَهما امتلكوا من انفتاحٍ نحوَ الآخَرِ، بينما الأجانبُ يتلقّونَ في بلادِ المسلمينَ كلَّ الاحترامِ والتقديرِ، ولو حدثَ وأُصيبَ أحدُهم بحادثٍ عرضيٍّ؛ تبدأُ الماكنةُ الإعلاميةُ الغربيةُ بِكَيلِ الاتهاماتِ للإسلامِ والمسلمينَ .

تَجِدُهم يرتدونَ ما يحلو لهم من الملابسِ؛ حسْبَ أفكارِهم وقناعاتِهم؛ أمّا نحن فنُصنَّفُ حسبَ لباسِنا ومعتقداتِنا! فإذا التزمنا الزيَّ الشرعيَّ؛ نُعِتْنا بالتشدُّدِ والإرهابِ! وأصبح غيرَ مُرحَّبٍ بنا في الأماكنِ العامةِ ، والأكثرُ من ذلك أنهم استطاعوا أنْ يوهِمونا بأنه يجبُ علينا مجاراتُهم في لباسِهم وقناعاتِهم؛ حتى لا نُحسبَ على أيِّ تيارٍ، ونستطيعَ أنْ نوصِلَ أفكارَنا ورسالتَنا بأنه من حقِّنا الحياةُ كباقي شعوبِ العالمِ، ونعبِّرُ عن حقِّنا في الحريةِ ومقاومةِ الاحتلالِ، وكأنهم يدفعوننا لممارسةِ التُقيَةِ الفكريةِ .

وبينما يُمارَسُ كلُّ هذا الظلمِ والإجحافِ بحقِّنا؛ لا نتوَرّعُ عن ممارستِه فيما بينَنا؛ فمازالت آثارُ اجتياحِ العراقِ للكويتِ ماثِلةً أمامَ أعيُنِنا… وهنا يجبُ علينا أنْ نتّفِقَ أننا ضدُّ الاجتياحِ العراقيّ للكويتِ؛ ولكني أُذكِّرُكم فقط بالموقفِ الدوليّ ضدّ العراقِ، وضربِ الحصارِ على العراقِ، حتى مُنِعَ حليبُ الأطفالِ عن العراقِ…

ولكنّ السؤالَ الذي يطرحُ نفسَه: لماذا رفضتْ الدولُ الغربيةُ اجتياحَ الكويتِ؛ بينما وافقتْ على عاصفةِ الحزمِ ضدَّ اليمنِ؟! ، ولماذا تُعطي الضوءَ الأخضرَ لحصارِ “قطر”؟! إنه اختلافُ المَصالحِ؛ وليس تطبيقَ العدالةِ ، فالعدالةُ غائبةٌ في هذا العالمِ .ولن نستطيعَ المُطالبةَ بالعدالةِ إلّا إذا بدأنا بأنفُسِنا.

وطبّقنا العدالةَ في تفاصيلِ حياتِنا البسيطةِ والدقيقةِ ، إذا مارسْنا العدلَ داخلَ بيوتِنا، ومؤسساتِنا، إذا أقَلْنا المسئولَ الفاسدَ؛ فلا نراهُ بعدَ فترةٍ في منصبٍ أرقَى وأعلَى! وإنما تمَّ تطبيقُ عقوبةٍ رادعةٍ لمَن بعدَه ، إذا مارسْنا حقَّنا في المُسائلةِ ضِمنَ نظامٍ متكاملٍ من المحاسبةِ والشفافيةِ ، إذا حرَصْنا على مُحاسبةِ الموظفِ المُتسيِّبِ، ومكافأةِ الموظفِ الأمينِ.

إذا أعطينا فُرَصاً عادلةً لجميعِ الخريجينَ لإثباتِ قدْراتِهم، وتمَّ توظيفُهم حسبَ هذه القدراتِ؛ وليس حسبَ الواسطةِ والمحسوبيةِ ودفعِ الرشاوَى، إذا وزعْنا ثرواتِنا حسبَ معاييرَ تَضمنُ لكُلِّ إنسانٍ الحقَّ في حياةٍ كريمةٍ ، إذا عاملتْ كلُّ فتاةٍ حماتَها كما تتمنّى من زوجةِ أخيها معاملةَ أُمِّها ، وأحبّتْ كلُّ حماةٍ لزوجةِ ابنِها حياةً سعيدةً هانئةً كالتي تُحبُّها لابنتِها ، إذا علَّمنا أطفالَنا أنّ الدِّينَ المعاملةُ ، وأنّ لا نَصمتَ على ظُلمٍ مَهما كلَّفنا من ثمنٍ ، وأنَّ الحقَّ أبلَجُ ، والظلمَ لَجْلَجُ ، وأنّ قِيَمَ العدالةِ والمساواةِ سوف تَصِلُ بنا إلى حياةٍ عزيزةٍ ، وإلى طريقِ العِزّةِ والكرامةِ ، والنصرِ، ويكونُ المسلمُ العربيُّ مُهابَ الجانبِ؛ حينها فقط نستطيعُ أنْ نقفَ في وجهِ أعتَى القُوَى العالميةِ؛ ونقولُ لن نرضَى أنْ نُعامَلَ كدرجةٍ أخيرةٍ في هذا العالمِ ، لن نعامَلَ بمِكيالَينِ بعدَ اليومِ .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى