كتاب الثريا

هل تُضرَبُ الزوجُ؟!

بقلم: محمد علي عوض- المحاضر بجامعة الأقصى بغزة

إنّ امرأً إذا عايش آخرَ بصداقة قويّة طالت عراها وبلغت سناها، يشفع له عنده ماضيه الجميلُ ولو كان مستحقًّا السيفَ مرّةً في نظره، وربما تارَكه بعد ذلك، فكيف يسِيغ الزوجُ أن يهيضَ أجنحة الرحمة والمودّة والالتحام النفسيّ وبثّ الأسرار ومعرفة المداخل والمخارج والصفات ظاهرِها وباطنِها مع زوجه بحيث صارا روحًا واحدةً تجاذبها جسدان، ويعتديَ على زوجِه بيدِه ولو بشيءٍ يقلّ أو يكثر، فاليد التي لا تضرب لا تترك آثارها على الجسد بل تحفر أخاديدها في القلب، متجاورةً مع كلمةٍ يقولها الزوجُ لزوجه من غضبٍ لا يلقي لها بالا تُدمّل روحَها وتصدّئُ صفاءها وتغبّش نعامةَ بالِها.

إنّ المرأةَ كيانٌ أرقُّ في تكوينه من الرجل الذي وظيفته إلى جانب حفظ كيانيّة أسرته، أن يشقى ويكدَّ ويتعبَ ويضربَ في مناكبِ الأرض ذلولِها ووعرِها من أجلِ أن يؤمّن حاضرَ أسرته ويحضِر لها المِيرةَ اليومية، وهو لذا محتاجٌ من زوجِه أن يكون كدُّها في منزلها ومع ولدِهما، وتعتني بنفسها كما هو يصنع كذلك، وهذا كله كفيل بأن يجعل النظرة هنا مختلفة عن أي إطار.

ونحن إذ نجالسه هذه المرة مجالسة تذكيرية، نخبره أن سلوك الطريق إلى ضرب المرأة ليس مطلوبًا بظاهريّته؛ فالدرجة الأولى كما هو معروف “فعظوهنّ” هكذا مرسلةً لتحتملَ جميعَ أنواع العظة والتفنّن في ألوانها و”تقديد” طرائقها، وتوجيهها مرة لسانًا وأخرى جوّالا أو رُسيْلةً مكتوبةً، أو باقة ورد تذكيريّة، أو هدية من أيام زمان تحمل في طياتها معنى الرغبة في العود إلى جماليّاتٍ ممكنة مع رغبة وإرادة سابقة، بل ويدخل في ذلك أن يعظَ الرجلُ امرأتَه بوعظِها له؛ بأن يسألَها إيجادَ حلٍّ مناسب يساعدان بعضهما على نشر أشرعته وسقاية “أزرعته” ليكوّنا جميعًا حبل اتصال مكين لا تُنقضُ عراه.

بل إنّ الآية الكريمة توعّر الطريق للوصول إلى “الضرب المحتمَل” بـ”واهجروهنّ في المضاجع”؛ إذ لم تكتفِ بالإرشاد إلى الهجر وسيلة “تأديبية” في الدرجة الثانية إذا لم تنفع الأولى، بل أكدت عقوبةً تبقي التواصلَ البصريَّ موجودًا، وتُورِقُ التفاعلَ والتواصلَ تحت سقف واحدٍ، لتقطعَ على الشيطانِ حبلَ إغوائه، ولتغريَ الزوجيْن أن يكسرا غرورَهما ويعاودا حياتَهما أينعَ ائتلاقًا، وأصحَّ استفادةً.

وكأنّ الآيةَ تريد إخبار الزوج من طرف لطيفٍ أنّ “الضربَ” الذي شرطُه أصلا عدم الشدّة والتكسير وإغلاق العينين، لا ينبغي أن يكون في تفكير الرجل، فضلا عن أنها تومئ له بضعفه في إصلاح ذات البيْن، حتى وإن بدت زوجُه متشاكسةً عنيدةً تكرّر الغلط؛ لأنه من واجبه كما يحضر الطعامَ أن يجتهد لنفسه في تغذية عقله وإمكاناته بالأفكار المتنوّعة التي تحلّ مشكلاته، وتفكّ مغلقات زوجه التي ينبغي أن يكون أدرى بمفاتيحها جميعِها، وأعجبُ كثيرًا عندما يوسّع الزوجُ دائرة استشاراته فيما ينبغي أن يكون حجْرًا عليه، فضلا عن أنه أسلم له في هذا أن يستشير مكتوبًا سابقًا، ومسموعًا وإرشادات منثورة ومشهورة على أن يأخذها مباشرةً إلا في حالات نادرة؛ لأن من شأن هذا أن يقوّيَه ويدعمَه نفسيًّا، المهم أن يبدأ متوكلا على الله متسلحًا بالإرادة، ولن يضيعَ الله أجرَ من أحسنَ عملا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى