الباعةُ المتجولون ليسوا عاراً

الباعةُ المتجولون ليسوا عاراً
معالي رئيس بلدية غزة المحترم ، إنّ أصحاب “البسطة” أو تجارَ الرصيفِ، أو الباعةَ المتجولين كلُّها أوصافٌ تدلُ على نفسِ الأشخاص ، هم مجموعة من المواطنينَ الذين ضاقتْ بهم الدنيا، فلا عملَ ولا وظائفَ ولا أملَ، فأخذوا على عاتقِهم افتراشَ الأرصفةِ، والتجولَّ في الشوارعِ، أو التواجدَ الدائمَ فيها لبيعِ مقتنياتٍ عديدةٍ، بأسعارٍ زهيدةٍ في الغالبِ، محاولينَ بذلكَ توفيرَ أبسطِ سبُلِ العيشِ الكريمِ، بعيداً عن ظواهرِ التسولِ والاتجارِ بالمخدّراتِ، وامتهانِ مِهنٍ لا أخلاقيةً في مجتمعِنا الفلسطينيّ المحافظ.
رئيس البلدية المحترم، إنّ تاريخَ تجارةِ الرصيفِ ليستْ مستحدثةً، أو ظاهرةً جديدةً مشينةً ومسيئةً لغزةَ وأهلِها حتى نحاربَها، إنها ظاهرةٌ عالميةٌ، فلا تكادُ تزور أيَّ مدينةٍ حول العالمِ، إلاّ وتجد لها شارعاً مُعيناً، أو تواجداً ملحوظاً لهذه التجارةِ ولأصحابِها، ويختلفُ المؤرخونَ في بداية ظهورِ هذا النوعِ من التجارة ، فالعديدُ منهم يؤكدُ أنّ بدايتَهم في الولاياتِ المتحدةِ كانت مع قدومِ المهاجرينَ الأوائلِ من أوروبا، والشرقِ الأقصى، وأمريكا الجنوبيةِ إلى أمريكا، وتحديداً عندما كان هؤلاء الوافدونَ الجدُد يمارسونَ عملياتِ البيعِ في الشوارعِ، وأمامَ البيوتِ والمقاهي، وحتى المتاجرِ ، حتى أصبح من المألوفِ مشاهدةُ “تجار الأرصفة ” في شوارعِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية.
هذه الظاهرة وأهميتُها بالنسبةِ للطبقةِ المسحوقةِ في أمريكا؛ أجبرتها على التعاملِ مع هذا النوعِ الجديدِ من التجارةِ، فأصبحتْ عملياتُ البيعِ تدارُ تحت إشرافِ البلدياتِ، وغُرفِ المدنِ التجاريةِ، وتعدّى الأمرُ ذلك، حيث يُمنح تاجرُ الرصيفِ ترخيصاً يؤهِلُه لممارسةِ عمليةِ البيع، حتى أصبح الأمرُ ظاهرةً حضاريةً في أمريكا، وبات يشاهدُ هؤلاء الباعةُ في أكبرِ المدنِ “كنيويورك وواشنطن ونيوجرسي” بل وأمام أشهر المتاحفِ الشهيرة ، فمتحف “توسو” الشهير ومدخل “امباير ستنيت” ناطحةِ السحابِ العريقة، مقصدٌ دائمٌ لهؤلاء الباعة ، الغريبُ في الأمرِ أنّ أصحابَ المحالِ الكبرى لا يحقُ لهم الاعتراضُ، أو منعُ هؤلاء الباعةِ من التواجدِ أمام محلاتِهم؛ وفقاً لقوانينِ البلدياتِ، الذي حماهم ونظّمَ عملَهم .
معالي رئيس البلدية، المهندس “نزار حجازي”؛ لقد حطّمتْ بلدية غزة ” قسمُ المتابعةِ والتفتيش ” عددا قليلاً من بسطاتِ الشبابِ الغلابة، الذين يبيعون الذرة على “كورنيش” بحرِ غزة ، المملوكةِ لبعضِ أصحابِ البسطاتِ المسحوقينَ في شوارع غزة !! هل المطلوبُ سيدي أنْ لا يكونَ هناك حتى أمل لهؤلاء؟! هل المطلوبُ أنْ ندفعَ الناسَ دفعاً للإجرامِ والسرقاتِ، والاتجارِ بالمخدراتِ، والإدمانِ والانتحارِ والفجورِ والكفرِ بكلِّ ما هو فلسطيني، تحتَ بابِ الحفاظِ على المظهرِ الحضاري لغزة؟؟!! عليكَ أنْ تتأكدَ سيدي؛ أنّ ملايينَ السياحِ الأجانبِ المتوافدينَ على غزةَ، لا يزعجُهم هذا المشهدُ، ولا يمكنُ أنْ تعطي ظاهرةُ باعةِ “الكورنيش” او الشارع أيَّ ضجةٍ عالميةٍ ضدّ غزة وامتيازاتِها السياحية .
السؤالُ المُهم الذي لابد أنْ نبحثَ معاً عن إجابةٍ دقيقةٍ له، هل نسبةُ البطالةِ في غزة صفر ؟؟!! هل أنهتْ بلديةُ غزة خُطتَها الاستراتيجية للنهوضِ باقتصادِ المدينةِ، وتوفيرِ الأماكنِ والأسواقِ، وطورتْ المرافقَ بما لا يدعُ مجالاً لأحدٍ بأنْ يتجاوزَ هذه الأسسَ، والبنيةَ التحتيةَ المخصصةَ لهذا الغرض؟؟!! ما بالكم بعائلاتِ الذين صادرتم وحطمتم بسطاتِهم المتواضعة!! ، هل أرسلت البلدية وجبةَ غداءٍ أو كسَت أياً من أبنائهم؟ أو سدّدت رسومَ أبنائهم الجامعية؟ وهل ..؟ وهل..؟؟ م.نزار المحترم وبعدين .. هل سنبقى نكتبُ ونتحدثُ دونَ أنْ تلقيَ لمعاناةِ الناسِ بالاً ؟، هل هكذا تدارُ متطلباتُ المواطنين، والبسطاءِ من أبناء شعبِنا ، وفِّروا من جهدِكم شيئاً قليلاً، والتفِتوا لهؤلاء.. واعملوا بما يريحُ ضمائرَكم، ويجنّبكم غضبَ المظلومِ ودعواتِه ، فلا حاميَ لكم يومَ القيامة، فقد تُدخِلكم دمعةُ طفلٍ محرومٍ ناراً تلظّى.
أخيراً فليسمحْ لي أحدُ الأصدقاءِ عبر “الفيس بوك” أنْ اقتبسَ منه ما كتب :” يا أصحابَ البسطاتِ .. أيها المعذَّبون والمضطَّهدون … لا بابَ أمامَكم تقرعونه غيرَ بابِ ربِّكم، فادعوا اللهَ في جوفِ الليلِ على مَن آذاكم ، فربُّكم لا ينسى أطفالَكم ..”