ثقافة وفن

التداوي بالأعشابِ تجارةُ وهْمٍ لا سبيلَ لوقفِها إلاّ بوَعيِّ المواطنِ

ما إنْ تدخل سوقَ الزاويةِ بغزةَ؛ حتى تطالعَ عيناكَ مئاتِ الإعلاناتِ على واجهاتِ المحلاتِ، وفوقَ البضائعِ، وصفاتٍ لتخسيسِ الوزنِ، وصفاتٍ لإنباتِ الشعرِ ، و أخرى لعلاجِ الأمراضِ المزمنةِ و المستعصيةِ؛ التي استعصى الطبُّ عن حلِّها ، هي السِّمةُ الدارجةُ في أسواقِ العطارةِ الفلسطينيةِ، وبينَ بيوتِ المُعالِجينَ بالأعشابِ؛ الذين يذيعُ صيتُهم يوماً بعدَ يومٍ ، بل أصبحوا يتفنَّنونَ بخلطاتٍ لا حصرَ لها، ولا رادعَ غيرَ وعيِّ المواطنِ.

تحقيق : منى عبد الهادي

أميمة صالح ” 33 عاماً ” تقولُ لـ ” السعادة ” : عانيتُ لفترةٍ طويلةٍ من زيادةِ الوزنِ، وكنتُ بحاجةٍ لخسارةِ عشرِ كيلو جراماتٍ ، لكنني لم أبذلْ في خسارتِها أيَّ جهدٍ مذكورٍ، وكنتُ أبحثُ دوماً عن طرُقٍ سهلةٍ للتخسيسِ، سواءٌ عبرَ العقاقيرِ الطبيةِ، أو بعضِ الأعشابِ، وخلالَ بحثي ع الانترنت؛ قرأتُ عن عشبةِ (السنمكّي) وقررتُ تجرِبتَها .

وتضيفُ: ذهبتُ إلى العطّارِ، و طلبتُ منه العشبةَ، و سألتُه عنها؛ فأخبرَني أنها مفيدةٌ في حالاتِ تخسيسِ الوزنِ، وأنّ عليها إقبالاً شديداً، ونصحَني أيضاً بتناولِ الخلِّ بمقدارِ فنجانٍ صغيرٍ يومياً ، وبالفعلِ بدأتُ بشُربِ فنجانِ خلٍّ بعدَ الغداءِ يومياً، أمّا السنمكّي فشربتُها بواقعِ ثلاثِ مراتٍ يومياً .
وتتابعُ: بعدَ شهرينِ عانيتُ من وجعٍ لا يُحتملُ… وتمَّ نقلي من قِبلِ زوجي إلى المستشفى؛ فتبيَّنَ أنني أعاني من مشاكلَ صعبةٍ في المَعدةِ والأمعاءِ، وتحيَّرَ الأطباءُ ممّا وصلتْ إليهِ حالتي!! ، لكنهم سرعانَ ما استوعبوا الموضوعَ؛ بعدَ معرفتِهم بمُداوَمتي على تعاطي هذه العشبةِ، بالإضافةِ للخلِّ ، ومنذُ تلكَ اللحظةِ؛ قطعتُ علاقتي بالأعشابِ بشكلٍ كاملٍ، فقد كادت تُودِي بحياتي.

معلوماتٌ مغلوطةٌ

في هذا السياقِ، يقولُ الدكتور “مصطفى حبيب” استشاريّ أمراضِ الباطنةِ والقلبِ : كثيرةٌ هذه الأعشابُ التي تملأُ الأرفُفَ، وتملأُ محلاتِ العطارةِ، أو التي يروَّجُ لها عن طريقِ القنواتِ الفضائيةِ، أو المجلاتِ والصحفِ الدعائيةِ، البعضُ منها جيدٌ، والكثيرُ منها ضارٌّ؛ لاحتوائها على مكوّناتٍ ضارةٍ، مِثلَ البكتيريا، أو المعادنِ السامّةِ، أو المُركّباتِ الصيدلانيةِ المحظورةِ.

ويضيفُ :” هذه الأعشابُ تُغلّفُ في عبواتٍ جذابةٍ، ويُلحقُ بها نشراتٌ دعائيةٌ، كلُّها مغلوطةٌ، وليس فيها أساسٌ علميٌّ صحيحٌ، وهذا يظهرُ جلياً عندَ القيامِ بتحليلِ مكوّناتِ هذه الأعشابِ بالأجهزةِ الحديثةِ، وهذه الحقائقُ العلميةُ تغيبُ عن مستخدِمي هذه الأعشابِ الطبيةِ، وكذلك الوزاراتِ والهيئاتِ المَعنيةِ، أو المحلاتِ التي تروّجُ لهذه الأعشابِ، والسببُ غيابُ عنصرٍ مُهمٍّ؛ هو معرفةُ محتوياتِ هذه الأعشابِ، ودراستُها ومعرفةُ مكوّناتِها، قبلَ السماحِ لهذه الخلطاتِ بتداولِها، والذين دفعوا مبالغَ طائلةً وخياليةً للحصولِ على هذه المنتَجاتِ، والخلطاتِ العشبيةِ، الذين يظنونَ أنها أعشابٌ طبيةٌ شافيةٌ، وأنهم بمُجردِ حصولِهم عليها واستعمالِها؛ سيأتي الفرجُ، وسيحصلُ ما عجزَ عنه الأطباءُ والمستشفياتُ المتخصصةُ في علاجِ الحالاتِ المَرضيّةِ المزمنةِ والحادةِ.

ويتابعُ: للأسفِ هناك انتشارٌ كبيرٌ للخلطاتِ العشبيةِ، سواءٌ المغلّفةُ أو المحضّرةُ على شكلِ شرابٍ، أو عصائرَ، أو على شكلِ كبسولاتٍ، أعتُنيَ بإعدادِها شكلياً؛ ما جعلَ الكثيرَ يظنونَ أنها معتمدةٌ عالمياً، وأنها حضّرتْ بالطرقِ والمواصفاتِ العالميةِ، والقياساتِ الدوليةِ، وعند استعمالِ هذه الوصفاتِ العشبيةِ؛ تظهرُ صحةُ وحقائقُ هذه الأعشابِ من تأثيراتِها الجانبيةِ الضارةِ على الكبدِ، والكُلى، والجهازِ الدموي، أو الجهازِ القلبيّ، والأوعية والدموية.

ويواصلُ: إنّ هذه الخلطاتِ العشبيةَ مصدرٌ خطِرٌ، وضررٌ على المستخدِمينَ، حيث يظهرُ خطرُها على أعضاءِ الجسمِ المختلفةِ بعدَ فترةٍ؛ عندما تستخدمُ بكمياتٍ عاليةٍ، أو عندَ استخدامِها لفتراتٍ طويلةٍ، يظنُّ من يستخدمُها أنّ نتائجَها النافعةَ قد قرُبتْ! كمَن يظنُّ أنه سيصلُ إلى الماءِ؛ عندما يرى السرابَ من بُعدٍ! هناك الكثيرُ من المرضى يلجأونَ للتداوي بالأعشابِ؛ عندما يصابونَ بالأمراضِ المستعصيةِ والخطيرةِ؛ التي ما يزالُ الطبُّ عاجزاً عن علاجِها .

الاستعمالُ الصحيحُ

يجبُ أنْ ندركَ بأنه ليس كلُّ ما هو متوارَثٌ من العلومِ الطبيةِ، أو ما يسمّى بالطبِ الشعبيّ؛ هو خطأٌ، وليس كلُّ ما وردَ فيه صحيحاً، فالأعشابُ الطبيةُ هي خطيرةٌ جداً؛ في حالِ استُعملتْ بطريقةٍ غيرِ صحيحة، على سبيلِ المثالِ، تتمُ معالجةُ مرضَى السكرِ في الطبِّ الشعبيِّ بأربعينَ نوعاً من النباتاتِ ذاتِ الطعمِ المُرِّ؛ لاعتقادِهم بأنّ الطعمَ المرَّ يمكنُ أنْ يشفيَ من مرضِ السكرِ!.

وهنالك بعضُ الأعشابِ الطبيةِ التي تضرُّ بالصحةِ في حالِ اللجوءِ إليها، مِثل السنميكّى” التي تؤخذُ للتخلصِ من السمنةِ، وهي تحتوي على موادٍ تسبّبُ الإسهالَ، ولا يستفادُ منها إطلاقاً، بل على العكسِ؛ تسبّبُ عندَ الاستعمالِ المستمرِّ لهذه الأنواعِ من الأعشابِ الطبيةِ خللاً في شواردِ الجسمِ، نتيجةَ فقدانِ السوائلِ بالاستخدامِ المستمرِّ لهذه المُسهِلاتِ!، والأفضلُ الإرشادُ من قِبلِ الطبيبِ المختصِّ، سواءٌ كان الدواءُ من الأعشابِ الطبيةِ أَم الكيميائيةِ، الابتعادُ عن التناولِ الذاتيّ.

منوّهاً أنّ الأمورَ المُهمةَ أيضاً في استعمالِ الأعشابِ الطبيةِ؛ ألاّ يتجاوزَ المريضُ في استعمالاتِ المقاديرِ المسموحِ بها، أو المطلوبةِ للتداوي، إذْ أنّ كثيراً ما ينتجُ عن هذا التجاوزِ أضرارٌ بالغةٌ، لا في استعمالِ الأعشابِ والنباتاتِ السامةِ فحسب، بل أيضاً في الأعشابِ البسيطةِ غيرِ السامّةِ، وتعاطي الأعشابِ الطبيةِ لا يجوزُ أنْ يكونَ مصحوباً بفوضَى علاجيةٍ، دونَ استشاراتٍ طبيةٍ، فهناك الكثيرُ من المشعوّذينَ الذين يدّعونَ المعرفةَ، بما يسمّى بالطبِّ البديلِ، أو الطبِّ المساعدِ، فهُم يمتهنونَ هذه المِهنةَ، و كلُّ مؤهلاتِهم هي بعضُ الخبراتِ التي تَوارثوها عن الآباءِ، و يطبقونها دونَ الأخذِ في الاعتبارِ أنّ الأمراضَ تتطورُ مع تطوّرِ الزمنِ .

ويبقى أنْ نقولَ : إنّ الله -سبحانه وتعالى- سخّرَ العِلمَ لراحةِ الإنسانِ، والاعتمادُ عليه ينجي الإنسانَ من مآزقَ كثيرةٍ، ولا بدّ أنْ يتعاملَ المريضُ معه وِفقَ أُسسٍ علميةٍ، دونَ الاستكانةِ إلى وصفاتِ أشخاصٍ غيرِ مؤهّلينَ علمياً، بُغيةَ الوصولِ إلى الشفاءِ، فالمداواةُ العشوائيةُ سواءٌ بالأعشابِ الطبيةِ، أَم بالموادِ الكيميائيةِ؛ أمرٌ خطيرٌ جداً، ويؤثّرُ سلباً على الإنسانِ، وقد يضيّعُ فرصةَ المعالجةِ الصحيحةِ.

الخبرةُ والاختصاصُ

من جانبهِ يقولُ الدكتور “جهاد بخيت العسقلاني” الذي بدأ دراسةَ طبِّ الأعشابِ من عام “1988” و يمتلكُ محلاتٍ واسعةً لبيعِ العطارةِ في سوقِ “الشيخ رضوان” :” إنّ هناك إقبالٌ واسعٌ على الأعشابِ الطبيةِ والعطارةِ؛ بسببِ زيادةِ الوعيِ لدى المجتمعِ الفلسطينيّ حولَ أهميةِ التداوي بالأعشابِ؛ كونَها أكثرَ أمناً على جسمِ الإنسانِ من الموادِ الكيماويةِ، والآثارِ الجانبيةِ الخطيرةِ التي تُسبّبها أصنافُ الأدويةِ.

ويضيفُ: إنّ التداوي بالأعشابِ أمرٌ مريحٌ للعامةِ، و يأخذُ وصفتَه العلاجيةَ بشكلٍ مطبّقٍ علمياً وعملياً، لافتاً إلى ضرورةِ أنْ يحصلَ العاملون في مجالِ التداوي بالأعشابِ على الخبرةِ والشهاداتِ المختصةِ بهذا الجانبِ؛ لأنّ التعاطي مع الأعشابِ ليس أمراً سهلاً! فلِكُلِّ عشبةٍ الكثيرُ من الاستخداماتِ، وهناك أعشابٌ خطرةٌ قد تؤدّي إلى التسمُّمِ في حالِ التشخيصِ الخاطئ.

ويتابعُ: المجتمعُ أصبح واعياً ومدرِكاً لأهميةِ التداوي بالأعشابِ؛ بعدَ تطرُّقِ وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ إلى فوائدِه، وقلّةِ مخاطرِه، والناس بدأتْ تلمسُ بشكلٍ ملحوظٍ المردودَ السلبيَّ من العلاجِ الكيميائيّ على صحتِهم، فلا يوجدُ علاجٌ كيميائيٌّ بدونِ سلبياتٍ، ما جعلَ الناسَ تتجِهُ إلى الأعشابِ .
وشدّدَ على اعتقادِ الكثيرِ من أفرادِ المجتمعِ؛ بعدمِ قدرةِ الأعشابِ على علاجِ الأمراضِ الخطيرةِ والمزمنةِ، ولكنه أظهرَ وجودَ كبسولاتٍ مصنّعةٍ من أعشابٍ طبيعيةٍ تصلُ إلى ما يزيدُ عن “150” كبسولةً؛ تعالجُ مختلفَ الأمراضِ بالعشبِ الطبيعيّ، وذكرَ بعضَ الحالاتِ المَرضيةِ التي يئسَ الأطباءُ من علاجِها عن طريقِ الأدويةِ؛ ونجحَ طبُّ الأعشابِ البديلُ في علاجِها وإنهاءِ معاناتِها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى