“الصداقاتُ الإلكترونيةُ محفوفةٌ بمخاطرِ المجهولِ”

تحقيق _ أمل زياد عيد
“إضافةُ صديقٍ ، وقَبولُ الصداقةِ” من هاتينِ الخطوتينِ تبدأُ الحكايةُ ، فإنْ أرسلتَ، أو قبلتَ طلباً لشخصٍ تجهلُه، لا تعرفُ سِوى ما هو مُتاحٌ على صفحتِه الشخصيةِ ، ولكنْ ماذا بعدَ هذه الإضافةِ ، هل ستكونُ بدايةً لصداقةٍ حقيقةٍ، أَم لخُدعةٍ؟، الصداقةُ الالكترونيةُ بينَ نفسِ الجنسِ طريقٌ جديدٌ للتواصلِ والتعارفِ؛ يسلُكه البعضُ، ويرفضُه آخَرونَ، فهل أنتَ مع تكوينِ تلك الصداقاتِ؟ أَم ضدّها؟ ، وما مدَى ثِقتِك في هؤلاءِ الأشخاصِ؟.
استعرضتْ “السعادة” في تحقيقِها التالي نماذجَ لصداقةٍ بدأتْ في عالمٍ افتراضيّ، وانتقلتْ إلى عالمٍ واقعيّ ، وأخرى بدأتْ وانتهتْ بنفسِ العالمِ .
تعرّفَ الشابُّ عطية درويش “27 عاماً ” على أحدِ الطلابِ الفلسطينيينَ خارجَ القطاعِ عبرَ “الفيس بوك”، وكان حديثُهما بشكلٍ دائمٍ عبرَ “الانترنت” ، وعندما عاد إلى غزةَ؛ ذهبَ لزيارتِه، وتعرّفَ عليه بشكلٍ شخصي ، وتحوّلتْ صداقتُهما الالكترونيةُ إلى صداقةٍ حقيقةٍ واقعيةٍ، تبادَلا فيها الزياراتِ والاتصالاتِ .
“عطية” برغمِ تجربتِه؛ إلاّ أنه يرى أنّ الصداقةَ الإلكترونيةَ من الصعبِ أنْ تحلَّ محِلَّ الصداقةِ الواقعيةِ؛ لأنها صداقةٌ تشكّلتْ في عالمٍ افتراضيّ، تسهلُ فيه ممارسةُ الخداعِ، وإظهارُ عكسِ الحقيقةِ، ولهذا بالغالبِ تقتصرُ على المجاملةِ، ومقابلةِ المعاملةِ الحسنةِ بمِثلِها قائلاً :” من المُمكنِ أنْ تصِلَ لمراحلَ متطوّرةٍ، تَنسجُ خلالَها العلاقةُ خيوطَها بشكلٍ أقوى، لكنْ مَهما بلغتْ؛ يجبُ على العاقلِ أنْ يعطيها حقَّها دونَ تفريطٍ أو إفراطٍ ، وكذلك من الممكنِ أنْ تكونَ مدخلاً للصداقةِ الواقعيةِ، وهذا ما يجبُ فِعلُه من الطرَفانِ؛ في حالِ بلغتْ بينَهما مبلغاً ، حيثُ أنّ البُعدَ عن الواقعِ يسبّبُ مشاكلَ لا حصرَ لها “.
أمّا الشابُّ أحمد جمال “22 عاماً ” يؤيدُ الصداقةَ الإلكترونيةَ بين أشخاصٍ من نفسِ الجنسِ؛ مع ضوابطَ تتمثلُ في التأكُدِ من الشخصيةِ التي يصادقُها الشخصُ بالاسمِ، والتفاصيلِ، والصورةِ، والصوتِ، موضّحاً أنّ له الكثيرَ من الأصدقاءِ الإلكترونيينَ من مختلفِ الدولِ العربيةِ والأجنبيةِ.
ويقولُ : بدايةُ التعارفِ كانت معظمَها في الأحداثِ المُهمةِ؛ مِثلَ الثوراتِ والحروبِ وغيرِها، حيثُ انضممْتُ إلى مجموعاتٍ كُنا نناقشُ هذه القضايا والأحداثَ، وكُنا بين مُعارضٍ ومُتفِقٍ ، وكانت تتميزُ المناقشاتُ باحترامٍ، وتَقبُلِ آراءِ الآخَرين ، وهذا ما جعل علاقتي معهم تتطورُ، فكوّنتُ صداقاتٍ مع شبابٍ من مختلفِ المناطقِ “.
بفضلِ الصداقةِ الإلكترونيةِ؛ استطاعتْ إسلام بهار “26 عاما ” أنْ تحصلَ على حِفِنة من ترابٍ المسجدِ الأقصى، وورقةٍ من أوراقِ الزيتونِ المزروعةِ هناك، حيثُ لديها صديقاتٌ داخلَ القدسِ، تعرّفتْ عليهنّ الكترونياً، وكانت دائماً تعبّرُ لهنّ عن مدَى شوقِها لزيارةِ المسجدِ الأقصى، وتقبيلِ ترابِه… ولتخفيفِ هذه اللهفةِ؛ أرسلنَ لها هذه الهديةَ.
ومن ناحيتِه يرى الأخصائيّ النفسيّ الأستاذ “إسماعيل أبو ركاب” أنّ الصداقةَ في هذا المضمارِ؛ هي مَيلٌ نفسيٌّ وشعوريٌّ بالتقبُلِ بين شخصينِ تربطُهما توجُّهاتٌ وأفكارٌ ومصالحُ مشترَكةٌ، ويقصدُ بالمصالحِ هي الاحتواءُ والتقبُلُ، وأنْ يجدَ كلُّ طرَفٍ في الآخَرِ قدرتَه على المساعدةِ في حلِّ المشاكلِ، والأمورِ الشخصيةِ الطارئةِ في حياتِهما، ورُبما تتطورُ هذه العلاقةُ؛ لتصلَ إلي التواصلِ في الواقعِ، وفي غيرِ أوقاتِ العملِ أو الدراسةِ .
تجاوزتْ العالمَ الافتراضيّ:
ويبيّنُ أنّ الصداقاتِ لم تَعُدْ مقتصِرةً على أشخاصٍ نَعرفُهم معلومي الهُويةِ ، بل تجاوزتْ إلى عالمٍ افتراضيٍّ تقضي فيه ساعاتٍ عديدةً مع شخصياتٍ مجهولةٍ و مصطنَعةٍ أحيانا،ً ويوضّح أنّ الفرْقَ بين الصداقةِ الالكترونيةِ، والصداقةِ الحقيقةِ؛ يكونُ من خلال الهدفِ من التواصلِ، وهل هم من ضِمنِ أصدقاءِ الواقعِ الذين تربطُهم علاقاتُ عملٍ أو تعليمٍ أو هوايةٍ، وانتقلَ التواصلُ من الواقعِ إلى الالكترونيّ، فإنْ كان كذلك فالتواصلُ هو في سياقِه الطبيعيّ، أمّا إذا تكوّنتْ وتبلورتْ الصداقةُ من غيرِ معرفةٍ مُسبّقةٍ؛ فإنّ التماهي مع هؤلاءِ الأصدقاءِ يَحملُ الكثيرَ من المخاطرِ غيرِ المتوقَعةِ، وخصوصاً أنه من السهلِ جداً التنكُرَ فيها لحدودِ الثقافةِ والعاداتِ والقِيَمِ، ويكمُنُ الفرْقُ الجوهريّ بينهما؛ في أنّ الصداقةَ الحقيقةَ قائمةٌ على المكاشفةِ والمصداقيةِ، ولم تصِلْ هذه العلاقةُ إلى هذا الحدِّ إلاّ بعدَ جهدٍ كبيرٍ من بناءِ الثقةِ، والتواصلِ البنّاءِ… بِعكسِ الالكترونيةِ والتي من السهلِ إقامةُ صداقةٍ فيها بسرعةٍ… ومن السهلِ هدمُها بسرعةٍ؛ لأنها لم تقُمْ علي التقبُلِ الكاملِ والمصداقيةِ، ومعرفةِ صفاتِ وميزاتِ الآخَرِ .
ويرى أنه من الممكنِ أنْ تنشئَ أيُّ شخصيةٍ صداقاتٍ في عالمِها الافتراضيّ، ولكنْ بحدودِ مقدرةِ هذا الشخصِ على الاستفادةِ من خبراتٍ أو معلوماتٍ لدَى الشخصِ الآخَرِ، وأنْ يكونَ واعياً لأيِّ استغلالٍ فكريٍّ أو شخصيٍّ .
وحولَ أسبابِ نشوءِ هذه النوعيةِ من الصداقاتِ يقول:” رُبما بسببِ وجودِ تقارُبٍ في وِجهاتِ النظرِ والآراءِ والميولِ؛ ينشأُ تعارُفٌ بسيطٌ، ورُبما يتلاشى بعد فترةٍ، ورُبما يتطورُ هذا التعارفُ شيئاً فشيئاً؛ فيصبحُ مشروعَ صداقةٍ، ولكنّ المخاوفَ كثيرةٌ؛ لأنه من الصعبِ معرفةُ نوايا الطرَفِ الآخَرِ… فالحذرُ لا بدَّ منه، والمشاعرُ الحقيقةُ لا يمكنُ أنْ تُعرفَ إلاّ بالاتصالِ المباشرِ”.
لا للثقةِ المُطلَقةِ :
ومن حيثُ الثقةِ؛ يضيفُ أبو ركاب :” في هذا العالمِ الافتراضيّ يجدُ الإنسانُ مَن هو صالحٌ، ومَن هو سيئٌ… فالوثوقُ بأشخاصٍ لم يتعرّفْ عليهم بالواقعِ؛ يمكنُ أنْ يكونَ درباً من دروبِ الخيالِ، لذلك الوثوقُ المُطلَقُ لا يمكنُ أنْ يتِمَّ في هذا السياقِ، ولكنْ إذا تمّتْ هذا الصداقاتُ لظرفٍ من الظروفِ؛ فيمكنُ من خلالِ ردودِ الشخصِ في أكثرَ من موضوعٍ تتّضِحُ مبادؤهُ ومعتقداتُه بشكلٍ أكبرَ، فإنْ كانت تتناسبُ مع أفكارِك ومبادئكَ؛ فيُمكنُ التواصلُ بحذرٍ، وإنْ لم يكنْ ذلك… فالخروجُ من تلكَ الصداقةِ أولَى وأفضلُ “
ويؤكّدُ أنه من الخطأ البوحُ بالمعلوماتِ الشخصيةِ، وإرسالُ الصورِ، ومقابلةُ الطرَفِ الآخَرِ؛ لأنّ الثقةَ داخلَ هذه العلاقاتِ لا يمكنُ مَنحُها بشكلٍ عشوائيّ؛ لأنها تعتمدُ على طبيعةِ الشخصِ نفسِه، وطبيعةِ الشخصِ الآخَرِ، ونوعِ العلاقةِ القائمةِ بينهما، وهدفِها من هذا التواصلِ.
ولا يستبعدُ أنْ تَصِلَ هذه الصداقاتُ من وهميةٍ إلي صداقاتٍ حقيقةٍ، ولكنْ هناك الكثيرُ من المخاطرِ حتى تنضجَ، وتصلَ إلي التواصلِ المباشرِ ، منوّهاً إلى أنّ صداقةَ “الإنترنت” ليست كصداقةِ الواقعِ، فهي تحتاجُ إلى وسيلةِ تأكُدٍ مضمونةٍ ليستطيعَ الفردُ اكتسابَ الثقةِ فيمن يُصادقُه، ويُقصدُ هنا الصداقةُ بين اثنينِ من ذاتِ الجنسِ، وليست الصداقةَ السلبيةَ الناشئةَ بين فتاةٍ وشابٍّ أو العكسِ، ويعدُّها جميلةً من ناحيةِ اتساعِ دائرةِ التعارفِ، والانفتاحِ على ثقافاتٍ وعقلياتٍ مختلفةٍ ، إلاّ أنها يجبُ ألاّ تَخرجَ عن إطارِ التواصلِ الإيجابيّ، كجعلِها وسيلةً لتبادلِ مَقاطعَ مسيئةٍ، أو تعليمِ برامجَ ضارّةٍ للذاتِ والآخَرينّ، أمّا كونَها مُجردَ تعارُفٍ وتواصُلٍ وتبادلُ أمورٍ إيجابيةٍ؛ فلا بأسَ بها ، لافتاً إلى أنها لا يمكنُ أنْ تصلَ لرِفعةِ وقيمةِ الصداقةِ الواقعيةِ التي يُعدُّ التواصلُ المباشرُ فيها أهمَّ عاملٍ مُساهمٍ في تنشئتِها.
سلبياتٌ وإيجابياتٌ :
وتكمُنُ سلبياتُ هذا التواصلِ في ترويجِ الإشاعاتِ السيئةِ، واللجوءِ للكذبِ؛ لأنّ المُتحدِّثَ سيكونُ خلفَ الشاشةِ، والوقوعِ ضحيةَ شخصيةٍ متنكِّرةٍ بحسابٍ كاذبٍ، وهذه لها مخاطرُ غيرُ محمودةٍ ، أمّا إيجابياتُها فكثيرةٌ؛ مِثلَ الاستفادةِ من المعلوماتِ، ومعرفةِ العاداتِ والتقاليدِ؛ إذا كان الصديقُ من دولةٍ أُخرى ، وهي طريقةُ تَواصلٍ سهلةٌ وسريعةٌ للتفريغِ الانفعاليّ النفسيّ ، وتُعطي القدرةَ على تفريغِ المشاعرِ دونَ حواجزَ اجتماعيةٍ ، وخروجٌ عن المألوفِ في طرحِ المواضيعِ؛ لأنّ الإنسانَ يميلُ إلي زيادةٍ في التعبيرِ عمّا بداخلِه؛ إذا كان بعيداً عن المواجهةِ مع شخصٍ آخَرَ .
وينهي الأستاذ “إسماعيل أبو ركاب” حديثَه بِعدّةِ نصائحَ :” للشبابِ والفتياتِ الصغارِ والكبارِ؛ إنْ لم يكنْ هناك مُبرِّراً مُقنِعاً وخصوصاً للشخصِ نفسِه، أنْ يقومَ بالتواصلِ، وتكوينِ هذه الصداقاتِ؛ فننصحُ بالابتعادِ عنها؛ لأنّ ما بُنيَ في المجهولِ فمصيرُه مجهولٌ ، وأُحذّرُ هنا جميعَ الشبابِ والفتياتِ _من جميعِ الأعمارِ_ من التورُّطِ مع عدّةِ حساباتٍ لأشخاصٍ وهميّينَ، يقومونَ بإرسالِ طلباتِ صداقةٍ للغزّيينَ بالذاتِ؛ للعملِ على إسقاطِهم في وَحلِ العمالةِ، وسحْبِ أكبرِ قدْرٍ من المعلوماتِ، بحُجّةِ المساعدةِ والتضامنِ “.