كتاب الثريا

هل أنا فاشلٌ ؟

هل أنا فاشلٌ ؟

بقلم: إبراهيم المدهون

الفشلُ إحساسٌ داخليٌّ أكثرُ منه واقعيٌّ، ويؤدي للإحباطِ واليأسِ والتوقفِ عن العملِ؛ ما يورثُ التراجعَ والانكفاءَ، فحينما تثقُ بنفسِك وقدراتِك، وتحاربُ الإحباطَ داخلَها؛ فبالتأكيدِ تتجاوزُ الإخفاقَ، فالغرورُ بوابة الفشلِ الكبرى، وهنا الشعرةُ تقفُ بين ضفتينِ اثنتين، الأولى تحملُ الغرورَ والفشلَ، والثانية الثقةُ والنجاحُ مع انحناءةِ الامتلاءِ، فأكثرُ الفشلةِ يصيبُهم عقدةُ غرورٍ نفسيةٍ؛ يصعبُ التخلصُ منها، وينظرونَ للآخَرِ من زاويةٍ ضخَّمها الفراغُ… جميعُنا يمقتُ الفشلَ، ويخافُه ويتجنّبُه، فمِن أصعبِ ما يمكنُ مواجهتُه في الحياةِ؛ الشعورُ داخلياً بأنكَ فاشلٌ، ونحن كمجتمعٍ نعاني أزمةََ فهمٍ لمعنى النجاحِ والفشلِ، فكثيرٌ من الناسِ ينجحُ ويتميزُ، ولا يدري أنه نجحَ، ويُهيَّأُ له عكسُ ذلك، فيخطئ الخطأَ الأكبرَ بمقارنةِ نفسِه بالآخَرين، ويقيسُ نجاحَه بما حقّقه الآخَرُ، وليس بما كان يطمحُ له هو، وبما هو مؤهَلٌ لذلك، كما أنّ المجتمعَ يحصرُ النجاحَ والتميزَ في أنماطٍ محدّدةٍ، فيصبحُ ما عداها إخفاقٌ وفشلٌ، ولا يحاولُ أحدٌ منا الإنجازَ في دوائرَ أخرى، لم ترسمْها الثقافةُ السائدةُ، ولم ندركْ حتى اللحظةِ أنّ الفشلَ والنجاحَ أمرٌ نسبيٌّ؛ لا يمكنُ رؤيتُه من زاويةٍ واحدةٍ، ولا يقاسُ بمقياسٍ محدَّدٍ، فمن لا يمتلكُ المالَ الكثيرََ مثلاً؛ يظنُّ أنه فاشلٌ… في حين قد يحققُ نجاحاً مختلفاً لم يحقِّقهُ صاحبُ المالِ نفسُه، كمكانةٍ علميةٍ في أحدِ التخصصاتِ، أو تطويرِ موهبةٍ ما، فأضحت له علامةَ بروزٍ وتألُقٍ، فلاعبُ الكرةِ المميزُ ناجحٌ، والنجارُ المحترفُ، وعاملُ البناءِ المبدعِ ناجحٌ، فالنجاحُ أنواعٌ وأشكالٌ مختلفةٌ، واقتصارُه على شكلٍ ونوعٍ واحدٍ يضيّقُ واسعاً، ويحوّلُ المجتمعَ للجمودِ والتكرارِ السلبي، وهذا ما يجبُ الالتفاتُ إليه من قبلِ الأهالي، فالنجاحُ لا ينحصرُ بتحصيلِ الدرجاتِ العلميةِ في المدارسِ والجامعاتِ، والحصولِ على أعلى الدرجاتِ، فقد يُكتفى من ذلك بالحدِّ الأدنَى من التحصيلِ، وهنا يظهرُ حكمةَ الأبِ والأمِّ، ونجاحَهما في اكتشافِ تميُّزِ أبنائهم وميولِهم، ومن ثم تشجيعُهم على التفوقِ والابتكارِ فيما برعوا به ،لا فيما يتمناهُ الأهلُ لهم، فقد يكونُ تاجراً ناجحاً مع عجزِه عن إكمالِ تعليمِه، وقد تجدُ بين أبنائك ماهراً مميزاً بحِرفةٍ ما؛ ستجعلُه من السعداءِ بعد ذلك، في حين تُقرِّعُه وتلومُه لعدمِ تفوقِه في دروسِه المدرسيةِ، فتحمِّلُه ما لا طاقةَ له، وتعيقُ تميّزَه بما أُهِلَ له… فمن أبرزِ أسبابِ الإفشالِ؛ كثرةُ اللومِ والتقريعِ والعقابِ الجسدي؛ ما يورثُ الإحباطَ والألمَ، وفي المقابلِ عدمُ الاعترافِ بالإخفاقِ، وتحميلُ الفشلِ على الآخَرينَ والظروفِ؛ يؤدي للتراجعِ والسقوطِ في مربعِ الإخفاقِ، كما أنّ عدمَ تكرارِ التجربةِ، والاستسلامَ للحالةِ، وحصْرَها في إطارٍ محدّدٍ؛ هو من أكثرِ ما يورثُ الفشلَ وضياعَ النجاحِ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى