جميعُنا يُصلِّي في مِحرابِ المَظاهرِ!

بقلم: أنوار عبد الكريم هنية
أشكالٌ متعددةٌ، و ألوانٌ مختلفةٌ من الفلّينِ؛ تَجِدُها في الأفراحِ والمناسباتِ الدينيةِ و المناسباتِ الحياتيةِ، بعضُها على هيئةِ مُجسَّماتٍ تَشكّلتْ ما بينَ عريسٍ أو عروسٍ أو شاربٍ أو شفاهٍ ، تتعلقُ بعيدانٍ خشبيةٍ طويلةٍ، ومغلّفاتٍ للحلوَى التي تُقدَّمُ في الأفراحِ، تنوّعتْ في تفاصيلِها حسبَ أذواقِ العامةِ.
وللمناسباتِ الدينيةِ نصيبُ الأسدِ، “رمضان” وما يرافِقُه من استعداداتٍ على قدَمٍ و ساقٍ؛ تجلّتْ جميعُها في الزينةِ و الأضواءِ وأشكالِ الهلالِ المختلفةِ في الأحجامِ و الاستخدامِ، حيثُ باتَ الاهتمامُ بالتفاصيلِ أكثرَ من الاهتمامِ بمضمونِ العبادةِ.
ولعيدِ الفطرِ زينةٌ مختلفةٌ، وحكايةٌ مختلفةٌ، عيدٌ وملابسُ وحلوَى.. هذا ما اعتدْناهُ، لكنّ الزينةَ على اختلافِها؛ كان لها حكايةٌ أخرى من الأشكالِ المتعدّدةِ التي لا حصْرَ لها، والتي تتنوعُ بتنوّعِ الأذواقِ و المَقدرةِ الشرائيةِ، و التي تسعَى النساءُ للتميُّزِ من خلالِها، ونفقاتٍ أخرى تُضافُ للقائمةِ، والتي لم يكنْ لها وجودٌ في حياتِنا سابقاً، في ظِلِّ أنصافِ الرواتبِ التي بالكادِ تكفي لمتطلباتِ الحياةِ الأساسيةِ.
وفي وقتٍ يتزامنُ مع بدايةِ العامِ الدراسيِّ؛ وما يترتبُ عليه من التزاماتٍ ومصروفاتٍ وملابسَ وقرطاسيةٍ، ومع ما يَلحقُه من رسومِ تسجيلٍ، جميعِها تحتاجُ لقائمةٍ ماليةٍ طويلةٍ، والعائلةُ المحظوظةُ والمدبِّرةُ هي تلك التي استعدّتْ لبدايةِ العامِ؛ بحيثُ تقتطعُ جزءاً يسيراً من الراتبِ خلالَ العامِ؛ لتَجمعَه لبدايةِ العامِ الدراسيّ، وهناك من التحقَ بجمعيةٍ، أو لجأَ إلى الَّدينِ؛ و قِسطِ التزامِ الدَّين لعدّةِ أشهرٍ.
وهناكَ من النساءِ من حاولتْ تدبيرَ نفسِها بغسلِ ملابسِ العامِ السابقِ، وكذلكَ بعضِ المستلزماتِ وترتيبِها لإعادةِ استخدامِها للعام الحالي، هذا واقعٌ نعيشُه، ونرى تفاصيلَه في حياتِنا؛ لأننا جزءٌ من هذا المجتمعِ الذي فُرِضَ عليه الحصارُ منذُ أحدَ عشرَ عاماً؛ فانعكسَ على الحياةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، وليست السياسيةَ فحَسْب؛ بل طالتْ آثارُه الطفلَ الرضيعَ.
ومع تلكَ الأعباءِ الكبيرةِ، والالتزاماتِ الطويلةِ؛ تَظهرُ على السطحِ الوسائلُ التعليميةُ المشكّلةُ والمزخرفةُ والملونةُ، ويسعَى كلُّ طفلٍ أنْ يكونَ له بصمةٌ خاصةٌ به؛ تسعَى والدتُه لتحقيقِها لابنِها: مِثلَ صناعةِ ساعةِ الحائطِ، و شجرةِ العائلةِ، وشجرةِ الأعدادِ، و شجرةِ الجمعِ والطرحِ، بالإضافةِ إلى دائرةِ الفصولِ الأربعةِ؛ والتي تعدّتْ من مُجردِ الصورةِ إلى تكوينِ مجسّماتٍ ديناميكيةٍ؛ تتطلبُ الكثيرَ من الوقتِ والتكلفةِ والجهدِ؛ عِلماً بأنّ هذه الوسائلَ التعليميةَ هي مسئوليةُ المَدْرسةِ والمُدرِّسةِ؛ وليست الطلبةَ أو ذويهم.
لكنّ بعضَ الأمهاتِ من ميسوري الحالِ؛ والتي لدَيها المقدرةُ الشرائيةُ والمهارةُ؛ تَتفنّنُ وتُبدِعُ في هذه الوسائلِ، وهذه ليست مُعضلةً بحدِّ ذاتِها، لكنها تَجُرُّ الأمهاتِ إلى ذاتِ المربعِ ، والمدرساتُ يساعِدْنَ في ذلك؛ حيثُ تَفرضُ المُدرّساتُ جزءاً من الدرجاتِ على مِثلِ هذه المشارَكاتِ، فتُصبحُ رغبةُ الطالبِ أكبرَ بالمشارِكةِ.. مِثلَ رفقائِه، ودرجةُ التنافسِ أعلَى، ولا يَهمُّ كيف هي حالُ الأُسرِ وأوضاعُهم المعيشيةُ!، و مجموعاتُ (الواتس اب) للأمهاتِ (المجموعاتُ التي تَجمعُ أولياءَ أمورِ الطلبةِ لكُلِّ عامٍ دراسيٍّ)؛ تشكّلُ عبئاً في هذا الموضوعِ؛ حيثُ تستعرضُ الأمهاتُ أعمالَهنَّ الإبداعيةَ لأبنائهِنَّ عبرَ المجموعةِ؛ فتكونُ الوسائلُ التعليميةُ المزخرفةُ مطلباً عامّاً.
وكأنه إقرارٌ ضِمنيٌّ بأنه على جميعِ الأمهاتِ أنْ تحذوَ حذوَ الأمِّ التي صنعتْ المجسّماتِ لطفلِها، فتَخجلُ كثيرٌ من الأمهاتِ من نفسِها؛ إذا لم تستطعْ توفيرَه لأبنائها؛ رغمَ أنّ الطفلَ ذاتَه لم يستفدْ شيئاً!، فالأمُّ هي من قامت بصناعتِه، وليس الطفلُ؛ و بالتالي هو لم يتميّزْ بشيءٍ!، ولم يُعمِل فِكرَه بل الأمُّ، فما الفائدةُ المرجوّةُ منه؟! بعضُ الأمهاتِ تتجاهلُ الأمرَ كُليّاً، وبعضُهنَّ يلجأنَ إلى أشخاصٍ تخصَّصوا في إعدادِ تلكَ المُجسّماتِ؛ ممن اتخذوا منها مِهنةً، ونشروا أعمالَهم عبرَ صفحاتِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ؛ والهدفُ الأساسُ أضحى هو المحاكاةَ و التقليدَ و المجاراةَ، و إرضاءً للأبناءِ الذين لا يَعنيهم كثيراً الظروفُ الماديةُ بقَدْرِ ما يَعنيهم (صديقي صنعَ ساعةً؛ وأريدُ أنْ أصنعَ شيئاً آخَرَ مختلفاً؛ لا يوازيهِ بل يفوقُه قدْرةً وتميُّزاً) !.
وهذا غيضٌ من فيضٍ في ظِلِّ أوضاعٍ اقتصاديةٍ سيئةٍ؛ بالكادِ تسدُّ رمقَ مَن يعيشونَ في قطاعِ غزةَ المُحاصَرِ، أو لِنَكُنْ أكثرَ دِقّةً.. يُمكِنُ أنْ يكونَ الحصارُ قد طالَهم، ومدَّ يدَه إلى أعناقِهم، وليس ممن يسمعونَ عنه سمعاً، خصوصاً من يدفعُ إيجارَ البيتِ، أو ملتزمٌ بسدادِ مرابحةٍ تقتطعُ جزءاً من الراتبِ المُجَزَّأِ أساساً.
وللحديثِ بقيةٌ مع مناسباتِ التخرّجِ، والتي لها نصيبٌ في قبّعاتِ التخرُّجِ صغيرةِ الحجمِ، والتي تتزيّنُ في عيدانٍ رفيعةٍ، بالإضافةِ إلى العديدِ من الأشكالِ المتعلقةِ بها، مروراً بأعيادِ الميلادِ، واستقبالِ المولودِ الجديدِ، وليس انتهاءً بمناسبةِ استقبالِ الحُجّاجِ، ولكُلِّ مناسبةٍ حكايتُها مع المتغيّراتِ الجديدةِ التي أضحتْ أولويةً لكثيرٍ من النساءِ اللاتي استبْدلْنَ أولوياتِهِنَّ الحقيقةَ بالمظاهرِ المُستجَدّةِ؛ التي لا تُغني ولا تُسمِنُ؛ بل تُضافُ تكلفتُها إلى قائمةِ المصروفاتِ التي أرهقتْ الكثيرينَ فقط بغَرضِ التميُّزِ بشيءٍ مختلفٍ؛ يُمكِنُها استبدالُه بأمورٍ أقلَّ تكلفةً وأقلَّ مباهاةً، والاهتمامُ بمضمونِ الحدَثِ أو المناسبةِ، وحُسنُ التدبيرِ لها على قدْرِ الإمكاناتِ المُتاحةِ، والرضا والقناعةُ بالموجودِ، فلا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلا وُسْعَها، والحقيقةُ التي لا يُمكِنُ إنكارُها؛ أنّ الاهتمامَ بالمظاهرِ في كثيرٍ من تفاصيلِ حياتِنا أضحَى على حسابِ حياتِنا ذاتِها…! .
والمرأةُ العاقلةُ هي التي ترتّبُ أولوياتِها في الحياةِ، وكذا المصروفاتِ المرافقةَ لهذه الحياةِ، فاختلاطُ الأولوياتِ يعني تدميراً للواردِ هو(الراتب)؛ الذي هو أقلُّ بكثيرٍ من الاحتياجاتِ والضروراتِ، ويحتاجُ الغزيّونَ إلى مهارةٍ عاليةٍ لِلقدْرةِ على التكيّفِ مع الأزماتِ وواقعِ أنصافِ الرواتبِ، وتأخيرِها، فلَسنا بحاجةٍ إلى كمالياتٍ تُضافُ إلى قائمةِ المصروفاتِ؛ فقط من أجلِ التميُّزِ المُصطَنَع.