مشاكلُ الوَسواسِ الزوجيةُ

مشاكلُ الوَسواسِ الزوجيةُ
بقلم : أ.د. فتحية صبحي اللولو
يعيشُ بعضُ الناس مع إحساسٍ دائم وزائدٍ غيرِ منطقيّ بمسئوليتِهم عن الأخطارِ التي من الممكنِ أنْ تصيبَ النفسَ والأحبابَ والأولادَ؛ بسببِ أعمالِهم غيرِ الدقيقةِ، والإهمالِ المزعومِ، فهُم مجبورونَ على المراجعةِ والتدقيقِ المتكررِ، لإغلاقِ الأبوابِ والنوافذِ والأقفالِ والحنفياتِ؛ لمَنعِ أيِّ رشْحٍ وتنقيطٍ، ومفاتيحِ الأجهزةِ المنزليةِ والكهربائيةِ، وتَكرارِ العودةِ للمنزلِ للتأكُدِ من هذه الأشياءِ، ويشتكي كثيرٌ من الأزواجِ والزوجاتِ من هذه الوساوسِ والأفكارِ الدخيلةِ والمتطفلةِ، التي تتطوّرُ مع مرورِ الأيامِ، وتشتدُّ حِدّتُها؛ ما يتسبّبُ في زيادةِ الخلافِ، الذي يؤثّرُ على الحياةِ الزوجيةِ، ويسبّبُ المعاناةَ والضيقَ والقلقَ .
فمثلا يشتكي أحدُ الأزواجِ من أنّ زوجتَه لديها خوفٌ كبيرٌ ومُبالَغٌ فيه؛ من تعرُّضِه أو تعرُّضِ الأولادِ للمرضِ؛ بسببِ الجراثيمِ أو الكيماوياتِ والأشياءِ الغريبةِ.. فهي لديها دوماً رغبةٌ شديدةٌ بالترتيبِ والتنظيمِ والتنظيفِ والدِّقةِ في وضْعِ الأشياءِ، وعدمِ تحريكِها من أماكنِها، وهي دائماً تشُكُّ في صحةِ ونظافةِ الطعامِ وسلامتِه، ومعرفةِ مكوناتِه وتأثيرِها على الجسمِ، ومراجعةِ الطبيبِ عندَ أيِّ شكٍّ.. وتهتمُ اهتماماً شديداً بمَظهرِها ومظهرِ أولادِها وهندامِهم، وعملِ التحاليلِ.. بحيثُ لا تَغفرُ أيَّ مخالفةٍ مَهما كانت بسيطةً .
وتشتكي زوجةٌ أخرى من أنّ زوجَها يحبُّ التخزينَ والاحتفاظَ بالأشياءِ القديمةِ، وعدمَ التخلصِ منها؛ بحُجةِ الحاجةِ لها، مِثلَ اللمباتِ التالفةِ، والزجاجاتِ الفارغةِ، والأكياسِ المستعمَلةِ، وعُلبِ الكرتونِ، والجرائدِ القديمةِ، والأجهزةِ القديمةِ، وقِطعِ المواسيرِ والخشبِ، ويجمعُ الفواتيرَ ويفحصُها، ويكرّرُ فحصَها وتسجيلَها، ويعيدُ الحديثَ مراتٍ ومراتٍ مع الآخَرينَ، ويلقي الأسئلةَ مراراً وتكراراً حولَ موضوعٍ معيّنٍ، ليس للرغبةِ في الاستيعابِ، ولكنْ للجدلِ، ويخافُ جداً من إنجازِ أيِّ مُهمةٍ روتينيةٍ؛ خوفاً من الفشلِ، أو التوقيعِ على شيكٍ أو ورقةٍ رسميةٍ.. يخافُ كثيراً من الفشلِ لدرجةِ أنه لا يَدخلُ اختباراتٍ بسيطةً، يمكنُ أنْ تساعدَ في ترقيتِه، أو تغييرِ نمطِ حياتِه .
المشكلةُ الحقيقةُ أنّ مَن يقومُ بهذه الأعمالِ، يعتقدُ أنّ تصرفاتِه صحيحةٌ، وتزدادُ المشكلةُ حِدّةً حينما يواجَهُ الزوجُ أو الزوجةُ بهذه التصرفاتِ، وأنها وساوسُ غيرُ ملائمةٍ، وأنها تستدعي مواجهةَ النفسِ، وتعديلَ السلوكِ، ما يثيرُ الجدالَ والحوارَ.. وهنا المُجادَلةُ لا تجدي.. فليس هناك مجادلاً قدْرَ ما هو موجودٌ في عقلِه أو عقلِها، حيثُ يظهرُ لكَ مجادلاً صعباً، وكلما زِدتَ في جدالِه.. زادَ في عنادِه ووساوسِه .
لذلك يجبُ التّفهُمُ للطريقةِ الصحيحةِ للتعاملِ مع هذه الحالةِ؛ حتى لا ينتهي المطافُ للطلاقِ أو الهَجرِ أو الخلافِ، ورُبما فقدُ مصدرِ الرزقِ والعملِ، وفقدُ الأصدقاءِ، وانقطاعُ الحياةِ الاجتماعيةِ، حيثُ يحاولُ كلُّ مَن حولَه أو حولَها تفادي الحديثِ معه، أو مناقشتِه، أو حتى عدمِ رؤيتِه.
فالتغييرُ في نمطِ الحياةِ، وطريقةِ الطعامِ واللبسِ والهندامِ، وتوجيهِ الانتباهِ لأشياءٍ أخرى تساعدُ على عدمِ الانشغالِ والتركيزِ بهذه الوساوسِ، ومحاولةِ إيجادِ بدائلَ، ولعلَّ البحثَ عن هوايةٍ أو مهارةٍ يتقِنُها الشخصُ لتفريغِ كافةِ اهتماماتِه، يساهمُ في تغييرِ سلوكِه، وملءِ فراغِ النفسِ، ومساعدتِه على التخلصِ من كلِّ تلكَ الاضطراباتِ، وعدمِ الاستسلامِ لها ,ومن المُهم عدمُ الدخولِ معه في جدالٍ، لإقناعِه بتغييرِ فكرِه، مع الثناءِ عليه في بعضِ التصرفاتِ التي يقومُ بها، لتعزيزِ ثقتِه بنفسِه.
ولابدَّ من المواجهةِ الحقيقةِ مع الذاتِ، ومعرفةِ أنّ هذه الأشياءَ لا يمكنُ الهروبُ منها مع الزمنِ؛ لأنها يمكنُ أنْ تزدادَ حِدّتُها، لذلك ممارسةُ التغيّرِ والتركيزِ عليه أمرٍ مُهمٍّ، وإذا استعصى الأمرُ على ذلك؛ يمكنُ اللجوءُ للاستشارةِ النفسيةِ؛ لمعرفةِ طرُقِ تخطّي المشكلةِ؛ حتى ننعمَ بحياةٍ أكثرَ هدوءاً واستقراراً .