كتاب الثريا

تَميَّزي.. فلا مَثيلَ لكِ!

تَميَّزي.. فلا مَثيلَ لكِ!

دعاء عمار

اتفقْنا في المرّةِ الماضيةِ أنكِ صاحبةُ دورٍ ورسالةٍ، مَهما كان موقعُكِ أو وظيفتُك، خارجَ المنزلِ أَم داخلَه، فكلُّها مَهامٌ رساليةٌ عليكِ القيامُ بها، طالما أحسنتِ الإعدادَ، وقمتِ بها على أكملِ وجهٍ، وِفقَ طاقاتِك وإمكاناتِك.

وأنتِ بذلك حقّقتِ جزءاً كبيراً من الرِّضا النفسيّ، والسعادةِ الداخليةِ التي تحلمُ بها أيُّ امرأةٍ في العالمِ، وهنا نطوفُ معاً في مجالٍ آخَرَ من السعادةِ، كلُّ امرأةٍ مِنا تبحثُ عنه، منذُ الصغرِ، فلا شكَّ أنكِ تُحبِّينَ التميُّزَ، والاختلافَ عن الآخَرينَ في مَظهرِك وتفاصيلِ ملامحِك، وثنايا عقلِك وما يَحويهِ من أفكارٍ وترانيمَ؛ تغدو وتروحُ في صباحِك ومسائكِ.

ولكنْ للأسفِ هناك من يحاولُ السيرَ بكِ على خَطَّينِ كالسكةِ الحديدِ، يرسمُ لكِ المسارَ دونَ توقُفٍ، لا لشيءٍ إلاّ لأنه يريدُ منكِ قالباً نمطياً لِما في تفكيرِه المريضِ، وخيالِه السقيمِ، ألَم تسمعي كثيراً صيحاتِ الموضةِ، ودعاوَى النسويةِ، ومُثيري الجلبةِ حولَ حقوقِك المهدورةِ، وقدراتِك الضائعةِ، ورغباتِك المكبوتةِ… وغيرِ ذلك ممّا يسمّونَه _زوراً_ “حقوق”، وهي نكباتٌ مؤجّلةٌ إنْ سعيتِ لها تحقّقتْ، وأضاعتْ حقَّكِ الأكيدَ الذي كفلَه الشرعُ لكِ في المعرفةِ والعلمِ والثقافةِ والحريةِ المسئولةِ، وتَبؤِ المراكزِ القياديةِ، وغيرِها مما تَحلمينَ به.

شاهدتُ مؤخّراً فيديو لبعضِ المنتقباتِ يدافعنَ عن حقِّهنَّ في النقابِ، هو حديثٌ موَجَّهٌ باللغةِ الانجليزيةِ المُتقَنةِ، ورغمَ أنهنَّ منتقباتٌ؛ لكنّهنَّ أظهرنَ لغةَ جسدٍ واضحةً، وصوتاً مقنِعاً، وقدرةً على مخاطبةِ الآخَرِ بطريقتِه، فقالتْ إحداهُنّ: إنْ زعمتَ أنّ النقابَ يمنعُ تَواصلي؛ فعليكَ أنْ تمنعَ وسائلَ الاتصالِ الحديثةِ “الهاتفَ النقالَ تحديداً” لأنه يعتمدُ نفسَ المبدأِ “أنْ تسمعَ دونَ أنْ ترَى”، وإنْ اعترضتَ على نقابي وإخفائي جسدي؛ فأقولُ “جسدي مُلكي” ولا يحِقُّ لأحدٍ رؤيتُه، والعبارةُ الأخيرةُ _تحديداً_ يروِّجُها  كثيراً دُعاةُ النسوية أو “الفيمينيزم” ولكنْ بطريقةٍ شيطانيةٍ مخالِفةٍ، فهم يدفعونَ المرأةَ إلى الاعتراضِ على إقامةِ علاقةٍ زوجيةٍ، وحقِّها في رفضِ طلبِ زوجِها؛ إلا إنْ أرادتْ ورغبتْ، والقدرةِ على رفعِ دعوَى اغتصابٍ عليه؛ إنْ جامعَها رغماً عنها، ومع أنّ للعلاقةِ الجنسيةِ في الإسلامِ ضوابطَ تجعلُها مختلفةً عمّا يفهمُها معظمُ الناسِ الآنَ، لكنْ رُبما أعودُ لها لاحقاً وليس الآنَ.

المُهمُّ أنّ تلك السيدةَ دافعتْ عن أحقيتِها بنقابِها؛ بنفسِ الطريقةِ التي يهاجمونَها بها، وبذكاءٍ مُلفِت، فليس الحريةُ أنْ تجريَ خلفَ صانعِ أزياءٍ؛ يحدِّدُ لها سنوياً ماذا تلبسُ، ولا صاحبِ ألوانٍ ينسّقُ لها ذوقَها، فلها كاملُ الحريةِ في اختيارِ ما يناسبُها، ويتوافقُ مع احتياجاتِها وطبيعةِ وضعِها الماديّ والاجتماعيّ والابتكاري إنْ شاءتْ.

وهذا ما يجبُ على كلٍّ مِنا أنْ تقومَ به، أنْ تَشعرَ بالاختلافِ في داخلِها، فلَستِ كأحدٍ من النساءِ، بل لكِ مميزاتُكِ الواضحةُ… ولكنّ عميقَ إيمانِك بذلكَ هو ما يَنقصُكِ، فهؤلاءِ النسوةُ رُبما لن تتعرّفي عليهِنَّ في الشارعِ؛ إنْ مرَرْتِ بإحداهُنّ ولكنْ بالتأكيدِ قدَّمنَ رسالةً عظيمةَ الأثرِ فيمَن حولَهُنّ، وحملنَ لواءَ الدفاعِ عن حريتِهنَّ، التي انتهكَها مَن زعمَ أنه يدافعُ عنهُنَّ بالدرجةِ الأُولى.

وهي وإنْ كانت تتوجّهُ للعالمِ الغربيّ؛ فإنّ في بعضِ فتياتِنا مَن تغرَبْنَ شعوراً وتصرُّفاً للأسفِ الشديدِ، وأنا هنا لستُ من راغبي التقوقُعِ أو الانكفاءِ على الذاتِ، ولكنْ من دُعاةِ التميُّزِ بما نحن أهلٌّ له، ألستِ أهلاً للعِفّةِ والفضيلةِ والحياءِ، دافِعي عن حقِّكِ ذلك!، ولا تنخلِعي منه! مع صيحاتِ الضيِّقِ والقصيرِ… وغيرِه من الحدودِ التي يرسمونَها لك، وإنْ شئتِها فمَعكِ مُتَّسَعٌ أمامَ المَحارمِ لفِعلِ ما تُحبِّين، ولكنْ كوني ذكيةً في اختيارِك، نقيةً في تصرُّفِك، وتذكَّري دوماً أنه ما فرضَ عليكِ شيئاً إلاّ لأنه يريدُكِ أنّ تتميّزي… مصداقاً لقولِه “ذلك أدْنَى أنْ يُعرَفْنَ فلا يؤذَينَ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى