طموحُ المرأةِ هل يَفتُرُ مع الزواجِ

تحقيق : ديانا المغربي
نلتقي خلالَ حياتِنا بفتياتٍ موهوباتٍ بقوةِ الآراءِ، وتَجدُّدِ الأفكارِ، يبشِّرْنَ بمستقبلٍ أفضلَ، وأخرياتٍ منَحهُنَّ الخالقُ مواهبَ متواضعةٍ تمكِّنُهُنَّ من أخذِ مكانتهِنَّ المطلوبةِ داخلَ المجتمعِ، لكنْ مع الوقتِ لا نسمعُ منهنَّ خبراً، ولا نرى لهنَّ أثراً… فنتساءلُ أين هنَّ? وماذا يفعلنَ?
أحياناً تجمعُكَ الصدفةُ للقاءِ إحداهنَّ؛ فتسألُها عن أخبارِها؛ فتجيبُكَ باختصارٍ، تزوجتُ ومعي كذا أطفالٍ، فتفتحُ فمَكَ لتسألَها عن طموحِها، فتُقاطِعُك: لقد تركتُ كلَّ شيءٍ بعدَ الزواجِ.
فهل المرأةُ غيرُ قادرةٍ على التوفيقِ بين بيتِها ومواصلةِ طموحها؟ أَم أنّ شرطَ الزواجِ؛ تَرْكُ الماضي، وعدمُ التفكيرِ بالمستقبل، لكنّ هناك نساءٌ استطعنَ مواصلةَ طريقهِنَّ بنجاحٍ بعدَ الزواجِ، وأخرياتٌ بعدَ الطلاقِ، وكثيراتٌ استسلمْنَ بِعُذرِ الزواجِ، والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه؛ ما الخلَلُ في الزواجِ؟ ألا يجدُرُ به أنْ يكونَ دافعاً للأمام؟، أهو تَسلُّطُ بعضِ الأزواجِ؟ أَم التزاماتُ المنزلِ؟ أَم أنّ الزواجَ عشُّ الاستقرارِ الذي لا نشاطَ بعدَه؟
شيماء “27 عاماً ” واحدةٌ من النساءِ اللواتي عِشنَ تجربةً حدَّتْ من طموحِها، ووضعتْها أمامَ مفترَقِ طرُقٍ صعبٍ، تَطلَّبَ منها الاختيارَ بين الاستمرارِ في تحقيقِ نجاحِها، أو الاستمرارِ في حياةٍ زوجيةٍ مستقرّةٍ لا تشوبُها شائبةٌ .
وتقولُ تخرَّجتُ من كليةِ التمريضِ بمُعدّلِ “ممتاز”، وعملتُ في أحدِ المستشفياتِ الحكوميةِ، واستطعتُ إثباتَ جدارتي بينَ زملائي وزميلاتي، فأُعطيتُ من قِبلِ المستشفى بعضَ الامتيازاتِ والواجباتِ التي تطلَّبتْ مِني الانهماكَ في العملِ بشكلٍ كبيرٍ، إضافةً إلى أنني كنتُ أربطُ مهنتي بإنسانيّتي، وهذا كان يتطلبُ منى متابعةَ الحالاتِ المَرضيةِ المسئولةِ عنها؛ حتى عند عودتي إلى المنزلِ .
وتضيفُ: في بدايةِ زواجي، كان زوجي يتقبّلُ الأمرَ، ويحُثُّني على الاستمرارِ في خدمةِ المرضَى، أو هكذا كنتُ أعتقدُ… وفي الحقيقةِ كان يكتمُ ضِيقَه، ولا يصرِّحُ لي به، وبدأتْ معاملتُه لي تتغيّرُ، وأخذَ يتصيّدُ أخطائي، ويتشاجرُ معي، ويتهِمُني بالإهمالِ، فهو يرى أنّ عملي هو الذي يؤثّرُ على اهتمامي بالمنزلِ، واهتمامي به، ووصلَ به الأمرُ إلى أنْ طلبَ مني الاستقالةَ قائلاً: ” المرّة لو وصلتِ المريخ، نهايتُها الطبيخ “، ولم يكنْ ذلك مفاجئاً لي؛ لأنني متأكّدةٌ من عدمِ وجودِ الرجلِ الذي يحبُّ لزوجتِه النجاحَ والتفوقَ.
موقفُ الزوجِ
في حين تقولُ رائدة سحويل “35 عاماً ” أنّ حياتَها الزوجيةَ كانت إحدى المحطاتِ المُهِمةِ لإكمالِ مسيرةِ طموحِها الطويلةِ، والتي بدأتْ قبلَ الزواجِ، حيثُ كانتْ تحلمُ بالحصولِ على “الدكتوراه” في تخصُّصِ التربيةِ، وتضيفُ: ساعَدني زوجي في الحصولِ على “الماجستير” بالسنواتِ الأولى لزواجي، وكان لي داعماً وسنداً ومساعداً في كلِّ تفاصيلِ الحياةِ اليوميةِ.
وتتابعُ : في سنواتٍ قليلةٍ استطعتُ الحصولَ على وظيفةٍ داخلَ إحدى الجامعاتِ، والعملَ في جامعةٍ أخرى بنظامِ الساعاتِ، وهذا كان يتطلّبُ منى قضاءَ وقتٍ كبيرٍ خارجَ المنزلِ، ولم أشعرْ منه للحظةٍ واحدةٍ بأيِّ تَذمُّرٍ أو ضيقٍ؛ بل _على العكسِ تماماً_ كان يدفعُني للاستمرارِ بكلِّ طاقتِه، ويُسخِّرُ لي جميعَ السبُلِ من أجلِ استمرارِ مَسيرتي.
وتؤكّدُ “رائدة” _التي تعملُ الآنَ على إنهاءِ رسالةِ “الدكتوراه” في التربيةِ_ أنّ الأهمَّ من موقفِ الزوجِ؛ هو ثِقتُها بنفسِها وطموحِها وإمكاناتِها في التوفيقِ بينَ عملِها ومنزلِها واهتماماتِها، والموازَنةِ بينَ حياتِها العمليةِ وحياتِها الاجتماعيةِ.
من جهتِها تقولُ الدكتورة رائدة أبو عبيد :” إنّ تحقيقَ طموحِ المرأةِ مرهونٌ في تجنُّبِ استعراضِها لتفوُّقِها، أو إشعارِ زوجِها بأنّ تفوُّقَها من تفوُّقِه، ونجاحَها لا ينقصُ من نجاحِه، ويكونُ لديها استعدادٌ لتقديمِ بعضِ التنازلاتِ؛ لتحافظَ على أسرتِها، وخاصةً إذا كان زوجُها لم يتشبَّعْ بعدُ بروحِ العصرِ؛ بأنّ المرأةَ تملكُ عقلاً وقدرةً على الإبداعِ والإنتاجِ .
ويضيفُ: طموحُ المرأةِ لا يؤثّرُ إلاّ على شخصيةِ الرجلِ الضعيفِ، فالرجلُ القويُ يَثِقُ في نفسِه، ويحترمُ المرأةَ، ويساعدُها على تحقيقِ طموحِها، ويعتبرُها سنَداً له؛ لأنها أكثرُ قدرةً على العطاءِ من غيرِها، أمّا من يريدُ الحدَّ من طموحِ المرأةِ؛ فهو يهدمُ بذلك رُكناً من أركانِ المجتمعِ، فزواجُ الرجلِ من امرأةٍ متفوّقةٍ، ونجاحُه معها ليس صعباً؛ ولكنه يتوقفُ على مهارةِ المرأةِ، وقدرتِها على إشعارِ زوجِها بأنها تحتاجُ إلى وقوفِه بجانبِها دائماً.
دفاعيةٌ لا شعورية
وتقولُ أبو عبيد :” أنا لا أتفِقُ إطلاقاً مع الاعتقادِ بأنّ طموحَ المرأةِ يقفُ عائقاً أمامَ إحساسِها بأنوثتِها وجمالِها؛ لأنّ الجمالَ الحقيقي ينبعُ من داخلِ المرأةِ،والعملَ يزيدُها إحساساً بذاتِها، وبالتالي يزيدُها ذلك أنوثةً وثِقةً.
ويتابعُ قائلاً: إنّ التكوينَ النفسيَ للرجلِ يدفعُه للإحساسِ بالراحةِ؛ عندما يعرفُ الناسُ أنّ منزلَ الزوجيةِ مفتوحٌ بإمكانياتِه وأموالِه هو فقط، وأنّ زوجتَه تستمدُّ كبرياءَها ووضعَها الاجتماعي من مكانتِه ووضعِه هو،وأيُّ صورةٍ خلافُ ذلك يرفضُها، لذلك يحاولُ بشكلٍ دائمٍ تعزيزَ كيانِه على حسابِها، ويسعى لاختيارِ شريكةِ حياتِه على أُسُسٍ تتفِقُ مع مكوّناتِه الشخصيةِ، وطبيعةِ تكوينِه النفسيّ.
ويواصلُ: يخشى بعضُ الرجالِ الارتباطَ بالمرأةِ الناجحةِ؛ لأنه يعتقدُ أنّ نجاحَها سيجعلُها دائماً في وضعِ مقارَنةٍ معه، ويعيشُ في قلقٍ دائمٍ؛ خشيةَ أنْ تتفوّقَ عليه.
لذلك يعملُ بميكانيكيةٍ دفاعيةٍ لا شعوريةٍ؛ تُخفي ضعفَه وقِلَّةَ حيلتِه أمامَ المرأةِ، بأنْ ينتهِزَ أقلَّ تقصيرٍ منها في منزلِها، أو أولادِها، ويفتعلُ المشاجَراتِ ليَتهِمَها بالإهمالِ، ويرجعُ ذلك إلى اهتمامِها الزائدِ بعملِها؛ لأنّ هناك اعتقاداً راسخاً في أذهانِ الكثيرِ من الرجالِ، بأنّ نجاحَ المرأةِ لابدَّ أنْ يكونَ على حسابِ حياتِها الخاصةِ، أو على حسابِ مشاعرِها وإحساسِها بأولادِها وبيتِها.
ويرى أنّ هذا فهمٌ خاطئٌ؛ لأنّ عملَ المرأةِ يجعلُها أكثرَ احتكاكاً، وأكثرَ تجربةً وخبرةً، و ينعكسُ على حياتِها الزوجيةِ، وتربيةِ أطفالِها؛ لأنها ستصبحُ أكثرَ فهماً وتقديراً لظروفِ عملِ زوجِها، وأكثرَ إحساساً باحتياجاتِه.
نظرةُ المجتمعِ
وفى حين يرى الأخصائي الاجتماعي محمود عبد العزيز منصور : أنّ نظرةَ المجتمعِ عاملٌ مؤثرٌ على طموحِ المرأةِ، فالثقافةُ المجتمعيةُ السائدةُ تَحصرُ نجاحَ النساءِ بالزواجِ و الإنجابِ ،و لا تُشجِّعُهنَّ في تحقيقِ طموحِهِنَّ، وجعلِ المرأةِ الطموحةِ دائمةَ الشعورِ بأنها مختلفةٌ عن باقي النساءِ، وأنها تمتلكُ علاقةَ الخروجِ من الأدوارِ التقليديةِ، مؤكِّداً أنّ قمْعَ طموحِ المرأةِ من قِبلِ المجتمعِ والعاداتِ والتقاليدِ والأعرافِ؛ أحدُ أهمِّ المعوّقاتِ التي تقفُ في مسيرةِ تحقيقِ أهدافِها، فالمرأةُ التي تحاولُ تحقيقَ طموحاتِها _بالعادة أكثر_ عرضةٌ للانتقادِ”.
أمّا على صعيدِ أنّ طموحَ المرأةِ يَفتُرُ مع الزواجِ، ويتلاشَى مع الإنجابِ؛ فهذه مُعضِلةٌ اجتماعيةٌ موجودةٌ ومرتبطةٌ بِغيرةِ الرجلِ من كفاءةِ المرأةِ، وهو نوعٌ من الغيرةِ اللاشعوريةِ العائدةِ لثقافةِ أنّ المرأةَ كائنٌ أقلُّ قِيمةً.
ويؤكّدُ “منصور” أنّ المرأةَ الناجحةَ في عملِها، ناجحةٌ أيضاً في بيتِها ، فنجاحُها يُشعِرُها بكيانِها، ويمنحُها الثقةَ بنفسِها، وينعكسُ ذلك بالضرورةِ على أطفالِها، و تغرسُ فيهم بذرةَ الثقةِ، فيشُبُّوا أكثرَ صلابةً، فمِن المعروفِ (أنّ فاقدَ الشيءِئ لا يُعطيهِ) فالزوجةُ التابعةُ لن تستطيعَ تعليمَ أولادِها الاستقلاليةَ والاعتمادَ على النفسِ.
يتابعُ قائلاً: إنّ الطموحَ حقٌّ مشروعٌ، وليس تمرُّداً كما يعتبرُه البعضُ؛ ممّن يتهِمونَ المرأةَ بمحاولةِ الخروجِ عن ثقافةِ المجتمعِ، فالمرأةُ والرجلُ يكمّلانِ بعضَهما البعضِ مع عدمِ تَناسيها أنّ دورَها كزوجةٍ هو رأسُ أولوياتِها، ثم يأتي بعدَ ذلك العملُ؛ لأنه مَهما تفوّقتْ المرأةُ، ومَهما استقلّتْ اقتصادياً؛ لن تتمكنَ من الاستغناءِ عن الأُسرةِ.
ويؤكـدُ أنّ عملَ المرأةِ لا يَقِلُّ أهميةً عن دَورِها كزوجةٍ، وأنّ أُسرتَها لها الحقُّ الأولُ في رعايتِها، وهذا لا يقلِّلُ من شأنِ المرأةِ إطلاقاً، بل يتيحُ لها الفرصةَ لإثباتِ كفاءتِها في ظِلِّ دَورِها كأُمٍّ وربّةِ أُسرةٍ، ودَورِها كعاملةٍ وموظَّفةٍ في المجتمعِ.
وهناك قاعدةٌ تقولُ: “أنّ الشيءَئ إذا زادَ عن حدِّه؛ انقلبَ إلى ضدِّه” خاصةً وأنّ هناك بعضُ السيداتِ تصِلُ طموحاتُهنَّ إلى درجةٍ تجعلُهنَّ يرفُضنَ الزواجَ؛ حرصاً على التفوقِ والتميّزِ، وبعضُهنَّ يعملنَ صباحاً ومساءً غيرَ آخِذاتٍ بعينِ الاعتبارِ القوانينَ الاجتماعيةَ التي تُوازنُ المجتمعَ، و توزيعَ الأدوارِ بينَ الرجلِ والمرأةِ.