غير مصنف

أفلامُ الكرتونِ تمييعٌ لأخلاقِ الأطفالِ وتحريضٌ على مجتمعِهم

السعادة : خاص

أصواتُ الصراخ والضجيجِ لأطفالها؛ لم يعدْ يحتملُ! فهي تريدُ أنْ تنجزَ أعمالها المنزليةَ قبل مجيء زوجِها، و تدريسَ أبنائها والعنايةَ بطفلها الصغيرِ.. فهي تعدُّ عقاربَ الساعة لعودةِ الكهرباء؛ كي تخمدَ هذه الضجةَ، وبصوتٍ عالٍ من أطفالها؛ أعلنوا وقت هدوئهم بضغطةِ زرٍ على رموت التلفزيون لقناة أحدِهم المفضلة، التي تعرضُ أفلاماً كرتونية على مدار الساعةِ، لتلقطَ أخته جوالَ والدتها؛ لتشاهدَ أفلامها الكرتونية المفضلة، فيما لا تتزحزحُ الطفلةُ ابنةُ الأربعِ سنواتٍ عن جهاز اللاب توب؛ لمشاهدةِ “توم وجيري” حيثُ يقضونَ ساعاتٍ طويلةً دونَ أنْ يُسمعَ لهم صوتٌ ! ليدخلَ كلٌّ منهم عالمَه الخيالي . هذا حالُ كثيرٍ من الأمهاتِ،اللواتي يساهمنَ في ترسيخِ العزلةِ الاجتماعيةِ لأطفالهنّ، وفصلِهم عن عالمِهم الحقيقِ من خلالِ الأفلامِ الكرتونية التي يقضونَ معظمَ أوقاتهم عليها ؟

“السعادة” دارتْ في فلكِ هذا العالمِ؛ للتعرفِ على مخاطرِه القاتلةِ لشخصيةِ الطفلِ، وطمسِ مواهبه وثقافتِه وفطرتِه النقيةِ عبرَ التحقيقِ التالي :

“السعادة” أجرتْ لقاءاتٍ عشوائيةً مع أطفال مدمنونَ لمشاهدةِ الأفلامِ الكرتونية بمختلفِ أنواعها، فيقول :” الطفل على عبد الله ابنُ سبعة أعوام يقول :”أحبُ مشاهدةَ الرسومِ المتحركة الخاصةِ بالقتالِ والأكشن والخيالِ الواسعِ؛ تشدُّني الأحداثُ والمغامراتُ فيها، فأصبحتُ أتوقعُ ما سيحدثُ بعد ذلك، وأحياناً أطبقها مع أصدقائي.
ويقضي معظمَ وقته على مشاهدتِها، وتنزيلِ كلِّ الحلقاتِ كاملةً على جاز والدِه؛ دونَ أنْ يشعرَ بأيِّ ملَلٍ! .

فيما تحرصُ “ريما عبود” -عشرُ سنواتٍ- على إنهاء واجباتِها اليوميةِ؛ حتى تسمحَ لها والدتُها بالجلوسِ على الرسومِ المتحركةِ وقتَ ما تريدُ، فتقول:”أعشقُ مشاهدةَ القصصِ الكرتونية، وخاصةً الإنسانيةَ، والتي تهتمُ بقصص البناتِ وطريقةِ لبسِهم وأحاديثِهم، وهذا يُغنيني عن التعرفِ على الآخَرينَ، أو حتى اللعب .

فيما تفضّلُ “منى الحايك” 35 عاما؛ مشاهدةَ أبنائها الأفلامَ الكرتونيةَ، عوضاً عن اللعبِ بالشارع، وهي ترى أنّ الأفلامَ الكرتونية -مَهما كانت- فهي تنمّي خيالَ الطفلِ، وتعطيهِ المعرفةَ والفهمَ لِما يدورُ حوله من أحداثٍ، وكيفيةَ التعاملِ مع الآخرينَ، كما أنها تساهمُ في إتقانِهم اللغةَ العربية .

باختيار الأم

أمّا “داليا تحسين” 39 عاماً، أمٌّ لخمسةٍ من الأطفالِ؛ ترى أنّ متابعةَ أطفالها للأفلامِ الكرتونية، لا يتمُ إلا باختيارِها، وتحديدِ وقتٍ مناسب لهم، فلا تتركُ لهم المجالَ مفتوحاً، فتقول :”للأسفِ هذه الأفلامُ تبثُّ سمومَها بطرقٍ غيرِ مباشرةِ للأطفالِ، وتغرسُ قيماً تنافي عاداتِنا وتقاليدَنا، بالإضافةِ إلى أنها تتناولُ أفكاراً لا تتناسبُ مع أعمارهم، لهذا وجدتُ أنّ الحلَ الأمثلَ هو مساهمتي في اختيارِ تلك البرامجِ، التي تتحدثُ عن قصصٍ إنسانيةٍ تتعلقُ بالقيمِ والمبادئِ الإنسانية .

تتحدثُ الأخصائية النفسيةُ “عروب الجملة” عن الواقعِ المتاح حالياً: من وجودِ قنواتٍ فضائية، وتوفُرِ الانترنت على الأجهزة الخلوية فتحَ البابَ أمام أطفالنا لتوفيرِ ما يرغبون ويحتاجون من تلك المسلسلاتِ على مدار الساعةِ، وفي ظِل عدمِ وجودِ رقيبٍ من الأهلِ؛ يجعلُهم تربةً خصبةً لِما تبثُّه القنواتُ من أفلامٍ كرتونية.

وفي نفس السياقِ تبيّنُ الحملةُ أنّ الخطورةَ ليست مقتصرةً على ما تبثُه تلك الأفلامُ الكرتونية؛ بل تشتملُ الوسيلةَ المستخدمةَ، حيثُ يتمُ تعريبُ بعض تلك الأفلامِ؛ فتؤثّرُ بشكلٍ كبير جداً على لغةِ الطفل، ويبدو واضحاً أنّ تعريبَها ركيكٌ جداً وضعيفٌ، ومحشوٌّ بالعديدِ من الألفاظِ العامية، ما يجعلُ المرءَ يتيقنُ تماماً أنّ هنالك محاربةً حقيقةً للغة العربيةِ الفصحى، وبشكلٍ واضحٍ وصريحٍ .

وتقول:”مما لا شكَّ فيه، أنّ للشخصياتِ الكرتونيةِ والرسومِ المتحركةِ تأثيراً قوياً في سلوك الطفلِ اليومي، ويبدأ التغييرُ في كلام الطفلِ من خلال استخداماتِه للألفاظِ والأساليبِ التي يسمعُها. كما أنّ الطفلَ حين يتعلقُ ببطلٍ مُعيّن؛ فإنه يرغبُ في أنْ تكونَ جميعُ مقتنياته وأدواتِه مرسوماً عليها شخصيتَه المحبّبة، وهكذا نلاحظُ أنه بدلاً من أنْ نعلّمَ الطفلَ الانضباطَ في سلوكِه؛ نراهُ يتوجهُ للمدرسةِ وهو محاطٌ بالشخصيةِ التي تعلّق بها.

وتوضّحُ الأخصائيةُ النفسية: كما أنّ معاملاتِ الطفلِ اليوميةَ قد تميلُ إلى العنف، ويظهرُ ذلك في تصرفاتِه مع أقربِ المقرّبينَ إليه في البيت، وبالإضافةِ لذلك فإننا نلاحظُ جيداً أنّ الشخصياتِ الكرتونيةَ تُظهِرُ الذكاءَ على أنه الخبثُ، والطيبةَ على أنها السذاجةُ وقلةُ الحيلةِ، ما ينعكسُ بصورةٍ أو بأخرى في عقليةِ الطفلِ، وتجعلُه يستخدمُ ذكاءه في أمورٍ ضارةٍ به وبمَن حولَه.

شركات غربية

في حين يقولُ الأخصائي النفسي خالد موسى: “إذا ما كان المسلسلُ ذا مضمونٍ اجتماعيّ ودينيّ ونفسيّ جيدٍ؛ فإنّ التأثيرَ لابد وأنْ يكونَ بالإيجاب، شريطةَ جلوسِ الأهلِ مع الطفلِ؛ لإفهامه الناحيةََ الإيجابيةَ والدروسَ المستفادة.

ويضيف: ” نلاحظُ أنه بدلاً من تعليم الطفلِ الانضباطَ في سلوكه؛ نراه يتوجّهُ للمدرسةِ؛ وهو محاطٌ بالشخصيةِ التي تعلّق بها، كما أنّ كثرةَ جلوسِ الطفلِ أمام شاشةِ التلفاز؛ يخلقُ منه شخصاً غيرَ مبالٍ، وكسولاً حتى عن تأدية ِالصلاةِ، وتتسمُ شخصيتُه بالبلادةِ والخمول، علاوةً على ما نلاحظُه عليهم من السمنةِ؛ نتيجةَ تناولِ الأطعمةِ أثناء مشاهدتِها، وقلةِ الحركة، و”من خلال ملاحظةٍ بسيطةٍ؛ نلاحظُ أنّ أغلبَ ما يُعرضُ على الأطفالِ هي مسلسلاتٌ تعتمدُ على الخيالِ البحت، مِثلما نلاحظُ في برنامجِ «عالم الديجيتال» وهكذا يعيشُ الطفلُ وسطَ صراعٍ بين الواقعِ والخيال، بل وينمو بداخلِه الخيالُ المريضُ؛ نظراً لِما يراه أمام عينيهِ من حروبٍ وقتل”.

وينوّه إلى نقطةٍ مهمةٍ؛ وهي ضرورةُ الانتباهِ إلى أسماءِ الشركاتِ المنتِجةِ لتلك الأفلامِ؛ فهي تضعُ أمامنا حقيقةً مُهمةً؛ وهي أنها شركاتٌ غربيةٌ.. وحتى لو تمتْ ترجمةُ تلكَ الأفلامِ إلى العربيةِ؛ فإنّ تغييرَ اللغةِ للعربيةِ لن يغيّرَ شيئاً من المضمونِ، وهنا لا نستغربُ عنادَ وتمرُدَ الأطفالِ في تعاملاتِهم وتصرفاتِهم، والتي تشرّبوها من مُشاهدتِهم غيرِ المراقَبةِ لتلكَ الأفلامِ.

ويجيبُ دكتور خالد “السعادة” عن سؤالِ: ما السبيلُ للحدِّ من تأثيرِ الشخصياتِ الكرتونيةِ في سلوكِ الأطفال؟
قائلاً:”إنّ مهمةَ تجنيبِ الطفلِ التأثيراتِ السلبيةَ للشخصياتِ الكرتونيةِ مسؤوليةٌ يتحمّلُها الأهلُ.. فإنّ جهدَهم المتعلقَ بالتنشئةِ الاجتماعيةِ الأولى؛ يجبُ أنْ يُفعّلَ بشكلٍ مُعمّقٍ؛ وذلك بإكسابِ الطفلِ الأسسَ التربويةَ الملائمةَ، والأحاسيسَ الوجدانيةَ اللازمةَ، خصوصاً في السنواتِ الأولى؛ حتى يشعرَ الطفلُ بالدفءِ والحضورِ العائلي، والعملِ على مراقبتِه أو مرافقتِه عندَ مشاهدتِه التلفازَ، من خلالِ اختيارِ البرامجِ الدينيةِ و التعليميةِ والتثقيفيةِ، وعدمِ إبقائه وقتاً طويلاً أمامَ شاشةِ التلفازِ.

ويضيف:”من التأثيراتِ السلبيةِ لأفلامِ الكرتونِ على الأطفالِ؛ انحرافُ فكرِهم وسلوكِهم، وتأثيرُ ذلك على مستوى ذكائهم، وتسارُعِ نموِّهم الفكري، وتمييعُ أخلاقهم، وصرفُهم عن عاداتِ مجتمعاتهم وتقاليدِهم الاجتماعية، واكتسابُهم لبعض الصفاتِ السيئةِ، مِثلَ القوةِ والجرأة، واستخدامِ العنفِ في كلّ التصرفاتِ، وتقليدِ الشخصياتِ الكرتونية غيرِ الحقيقية، وترديدِهم العباراتِ التي يسمعونها، إضافةً إلى تقليدِهم حركاتٍ وأصواتٍ لشخصياتٍ خياليةٍ أو حيوانية.

ويرجعُ ذلك كلُّه إلى أنّ هذه الأفلامَ قد صُنِعتْ لغيرِ بلادنا، وفي غير بيئتِنا، ولثقافةٍ غيرِ ثقافتنا، وفي مجتمعاتٍ تختلفُ عن مجتمعاتنا، وأكثرُ الأفلامِ تُصنعُ في أمريكا واليابان، وهي تُحاكي ثقافةَ أصحابها، فهي لحاجاتِ الطفلِ الغربيّ، ولحاجاتِ البيئةِ الغربيةِ.. لذلك علينا أنْ نكونَ حذِرينَ في مشاهدةِ أطفالِنا لها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى