تصويرُ “المايكرو” توثيقٌ لجمالِ المخلوقات وفن يصور عظمة الخالق.

أعدته: نور صافي
التفكُّرُ في مخلوقاتِ اللهِ _سبحانه وتعالى_ عبادةٌ عظيمةٌ، والاقترابُ من هذه العبادةِ أصبحَ موهبةً عندَ البعضِ، وقد اتَّخذوها مصدراً لِجَلْبِ الرزقِ؛ فكان المصوِّرُ الفوتوغرافيّ “عبد الرحمن حمّاد” أحدَ الشبابِ الواعدِ الذي أبدعَ في استخدامِ الفنِّ لتصويرِ عظمةِ الخالقِ، وهو أولُ مصوِّرِ “مايكرو” في قطاعِ غزةَ؛ لَقَبٌّ استَحقَّه بجدارةٍ حيثُ كان له السبقُ في هذا النوعِ من التصويرِ الذي ميَّزَه عن أقرانِه المصوِّرينَ .
من هو “عبد الرحمن”؟
“عبد الرحمن نافذ حمّاد” أبلُغُ من العمرِ (20) عاماً، وأدرسُ العلومَ الشرعيةَ في كُليّةِ أصولِ الدِّينِ في الجامعةِ الإسلاميةِ، احترفتُ التصويرَ منذُ أربعةِ أعوامٍ في مجالِ تصويرِ “الميكرو”، و أسعَى لأنْ أكونَ ذا بصمةٍ في عالمِ التصويرِ، و ليس مُجرَدَ رقمٍ يُضافُ إلى قائمةِ الأرقامِ.
التصويرُ ودراسةُ العلومِ الشرعيةِ , كيف جمعتَ بين شتيتَينِ؟!
درستُ العلومَ الشرعيةَ إرضاءً لوالدي، بينما كان التصويرُ هوايتي منذُ الصغرِ، كان يَلفِتُ نظري المَشاهدُ التي أمرُّ بها ذهابا وإياباً، والتقطتُ الكثيرَ منها عبرَ كاميرا الجوالِ؛ التي لم تُساعِدْني في بدايةِ مشوارِ التصويرِ، ولكنْ حقّقتْ جُزءاً من موهبتي. أردتُ أنْ أوَثِّقَ جمالَ المَشاهدِ التي أراها بالصورةِ .
كيف بدأتَ مشوارَك في التصويرِ؟
كانت البدايةُ تيَمُناً بأخي “ساجد حمّاد” _أعادَه اللهُ سالماً_ الذي كان يمتلكُ مكتباً إعلامياً؛ وتمَّ قصْفُه من قِبلِ الاحتلالِ الصهيونيّ في إحدى الحروبِ التي شنَّها الاحتلالُ على قطاعِ غزةَ، فاتّجهتُ إلى التصويرِ الذي أردتُ أنْ أتميّزَ في نوعٍ مختلفٍ فيه؛ لأنني لم أرغبْ أنْ أكونَ كما الباقينَ، أحببْتُ التميُّزَ في تصويرِ “المايكرو”، واهتمامي بالتفاصيلِ الدقيقةِ والصغيرةِ زادَ من شغفي وتوجُّهي نحوَ هذا النوعِ من التصويرِ .
على ماذا ترتكزُ في تصويرِ “المايكرو” بشكلٍ خاصٍّ ؟
في البدايةِ كانت الوِجهةُ لكُلِّ ما هو صغيرٌ؛ ثُم بعدَ ذلك اتّجهتُ للكائناتِ الحيّةِ الصغيرةِ للغايةِ، والحشراتِ الصغيرةِ جداً، وبما أنّ تصويرَ “المايكرو” واسعٌ جداً؛ فقد اخترتُ الحشراتِ؛ ثُم أضفتُ إلى جانبِها تصويرَ العيونِ من قُربٍ.
لماذا اخترتَ الحشراتِ؟
بدايةً، الحشراتُ صغيرةٌ و دقيقةٌ جداً، لِنَقُلْ أنها هدفٌ صالحٌ يتوافقُ مع تصويرِ “الميكرو”، بالإضافةِ إلى أنّ دِقَّتَها و صِغَرَ حَجمِها يجعلُ الناسَ لا تَلتفتُ إليها و لتفاصيلِها، أردتُ أنْ أوَثّقَ جمالَ المخلوقاتِ الصغيرةِ عبرَ عدستي؛ بعيداً عن الشعورِ بالخوفِ و الرهبةِ من الحشراتِ، وأردتُ تصويرَ الجانبِ الإبداعيِّ والجماليِّ في خَلْقِها.
ما الحشراتُ التي قُمتَ بتصويرِها ؟
صورتُ “البُرص”، “العنكبوتَ القافذَ الأبيضَ”، “السمكَ”، “الدبابيرَ”، “الخنافسَ”، “اليعاسيبَ”، “أسدَ النملِ”، “ذبابةَ الأزهارِ الجميلةِ”، “النملَ الطائرَ”، “خُنفساءَ وحيدِ القرن”، “فرسَ النبي”، “الذبابَ”، “حفّارَ ساقِ النخلِ”، “النحلَ الأسودَ النادر”، “الباعوضَ”، “النملَ”، “النحلَ”، “أبو مقَص”، الجرادَ ، الحلزونَ.
كيف تحصلُ على الحشرةِ المستهدَفةِ للتصويرِ ؟
أرتكِزُ بشكلٍ أساسٍ على الحديقةِ الصغيرةِ المجاوِرةِ للبيتِ، وبعدَ الحصولِ على هذه الحشراتِ؛ أقومِ بتنظيفِها بأدواتٍ قد جمَعتُها من البيتِ؛ لصعوبةِ الحصولِ على أدواتٍ بسببِ الحصارِ على القطاعِ منذُ زمنٍ بعيدٍ، وبعدَ ذلك أقومُ بتخديرِها أو تجميدِها حسبَ حجمِ الحشرةِ التي تمَّ اصطيادُها، وأقومُ بتصويرِها في “الاستديو” الخاصِّ بي، الذي قمتُ بإنشائهِ بأدواتٍ بسيطةٍ لعدمِ تَمكُّني من جلْبِ المُعدّاتِ من الخارجِ كما وضحتُ قبلَ قليلٍ.
صعوباتٌ تواجِهُ “عبد الرحمن” في تصويرِ المايكرو ؟
في البدايةِ، عدَمُ المَقدرةِ على الخروجِ للمشاركةِ في مسابقاتٍ دوليةٍ وعالميةٍ؛ لإبرازِ الموهبةِ في أكبرِ قَدْرٍ مُمكِنٍ،
ومروراً بصعوبةِ إدخالِ المُعدّاتِ الخاصةِ لتصويرِ “المايكرو” والعدساتِ المناسبةِ التي لو تمَّ الحصولُ عليها؛ لكانت الصورةُ بشكلٍ أقوى وأجملَ.. ورغمَ ذلك لم أستسلِمْ للحصارِ والواقعِ المريرِ، وأتغلَّبُ على هذه الصعوباتِ رغمَ قِلّةِ الإمكاناتِ .
هل عملتَ في مجالِ دراستِك أَم في مجالِ موهبتِك؟
لم أعملْ في مجالِ دراستي، فأعدادُ الخرّيجينَ بازديادٍ، و ليس من السهلِ الحصولُ على وظيفةٍ في مجالِ دراستي؛ لذلك جعلتُ من موهبِتي فرصةً للعملِ، وقّررتُ أنْ لا أكونَ عالةً على أحدٍ، وعن طريقِ اهتمامي بموهبتي وتنميتِها حصَلتُ على فرصةِ عملٍ مع الجهاتِ المختصةِ بتصويرِ بعضِ الألبسةِ والأطعمةِ بأجرٍ مدفوعٍ.
ما النصيحةُ التي تُقدِّمُها لأقرانِك الموهوبينَ؟
لن تَجِدَ من يصنعُ لكَ النجاحَ، لذلك فاصنعْهُ بنفسِك لنفسِك، ولا تنتظرْ شيئاً من أحدٍ لتُصبحَ الأفضلَ، اصنَعْ لنفسِك الفُرَصَ، وافتحْ أشرِعةَ النجاحِ لعَقلِك و مهاراتِك، لن يأتيكَ النجاحُ على طبقٍ من ذهبٍ، ستَجدُ أمامَك ألفَ حَجرٍ تَتعثّرُ به، فاجمَعهُم واجعلْهم سُلّماً لكَ؛ تَصعدُ به إلى عالمِ الإبداعِ..
لا تَجعلْ من الحصارِ وقلّةِ الإمكاناتِ حاجزاً بينَك وبينَ طموحِك، واصنَعْ من العدِم شيئاً تَرتكزُ عليه، ستُفتَحُ لك الآفاقُ و الكثيرُ من الأفكارِ، و توَكّلْ و لا تتواكلْ؛ ستَجِدْ رعايةَ “الرحمنِ” تُعبِّدَ لكَ الطريقَ، و سيَفتحُ اللهُ لك أبواباً لم تَتخيّلْ أنْ تُفتحَ لك.