غير مصنف

أئمةٌ صغارٌ يَصدحونَ بأصواتِهم على منابرِ الكبارِ.

أعدته : نور صافي

صدَحَ صوتُه الرنّانُ بآياتٍ قرآنيةٍ يرتّلُها بصوتِه النَّدِيِّ , طفلٌ لا يتجاوزُ الثامنةَ من عُمرِه , اعتلَى المنبرَ وأمَّ المُصلينَ لصلاةِ التراويحِ في رمضانَ , وآخَرُ كان خطيبَ المُصلّينَ في صلاةِ الجمعةِ.  مَشهدٌ يستحقُّ الوقوفَ عليه , وتربيةٌ تستحقُّ الغِبطةَ , فأيُّ فرحةٍ تلكَ التي تَعتريكَ وأنتَ ترى أطفالَ فلسطينَ (أئمةَ مساجدَ) منذُ نعومةِ أظافرِهم , يَعودونُ بنا إلى زمنٍ قرأْنا عنه في السيرةِ النبويةِ الشريفةِ؛ حيثُ أمَّرَ الرسولُ _صلى الله عليه وسلم_ أسامةَ ابنَ زيدٍ على الجيشِ وهو في عُمر التاسعة عشرَ , لعلّها مَشاهدُ عزّةٍ للإسلامِ؛  نقفُ عليها عبرَ موقعِ “الثريا” ونتحدثُ مع الأئمةِ الصغارِ بأعمارِهم، والكبارِ بأخلاقِهم ومكانتِهم …

وقد أثارتْ إمامةُ الأطفالِ القاصرينَ للمُصلّينَ في صلاةِ التراويحِ بمدينةِ غزةَ جدَلاً واختلافاً فقهياً؛ حيثُ رأى بعضُهم أنه لا تَجوزُ الصلاة خلفَ طفلٍ صغيرٍ؛ لأنّ البلوغَ أحدُ الشروطِ الرئيسةِ للصلاةِ؛ بينما أبدَى آخَرونَ الدفاعَ عن الصلاةِ وراءَ الإمامِ الصغيرِ .

“يعقوب مطر ” طفلٌ لم يتجاوزْ الثالثة عشرَ من عُمرِه؛ مُتحدِّثٌ لَبقٌ يُعبّرُ بكلماتٍ وازنةٍ:” من الجميلِ أنْ يتربّى النشءُ الجديدُ على ما ترَبَّى عليه أسلافُنا، فلَسنا أقلَّ فَهماً أو إدراكاً ووعيّاً، وإسلامُنا العظيمُ يحتاجُ لجيلٍ يَنصرُه و ينتصرُ له؛  لا أنْ نكونَ مُجردَ أرقامٍ تُضافُ إلى أعدادِ المسلمين”.

أتمَّ “يعقوب” حِفظَ القرآنِ الكريمِ كاملاً من خلالِ المخيّماتِ القرآنيةِ، ومتابعةِ حلقاتِ التحفيظِ في المسجدِ، واجتازَ الدورةَ العليا بامتيازٍ، وساعدَه ذلك في التَمكُّنِ من ترتيلِ القرآنِ الكريمِ،  بصوتِه الندي ساعدَه على تحقيقِ حُلمِه في الإمامةِ، وشجَّعَه المحيطونَ حوله لِيَؤمَّ المصلّينَ في صلاةِ التراويحِ في مساجدَ عِدّة، ولاقَى قَبولاً وتشجيعاً من المصلّينَ الذين ساندوهُ وأحَبّوا صوتَه وقراءتَه، بل وبحثَ الكثيرُ منهم على تسجيلاتِه للاستماعِ له فيما بَعدُ.

لاقيت تشجيعا

وفي لقائنا مع الإمامِ ” وليد عابدين ” ذي( 16) عاماً، يقولُ للثريا:” بدأتُ حياتي مبكراً مع القرآنِ الكريمِ؛ حيثُ شرَعتُ في حفظِ كلامِ اللهِ منذُ كنتُ في السادسةِ من عمري، وانتهيتُ من إتقانِه كاملاً بقواعدِه وضوابطِه العلميةِ في مدّةٍ وجيزةٍ؛ على أيدي أمهرِ الحُفّاظِ والشيوخِ في دارِ الأوقافِ الشرعية”.

ويتابعُ عابدين :” لم أشعرْ يوماً أنّ حفظي للقرآنِ الكريمِ، و انشغالي الدائمَ بتَثبيتِه، والحرصَ على إتمامِ دوراتِ الأحكامِ؛  يتعارضُ مع حياتي اليوميةِ والدراسيةِ؛  بل على العكسِ تماماً ؛ فقد ساعدَني في اللغةِ العربيةِ والتربيةِ الإسلاميةِ، أجدْتُ التعبيرَ والارتجالَ في الخطابةِ، وقوِيَتْ لُغتي العربيةُ بشكلٍ ملحوظٍ “.

تَعدُدُّ المهامِّ جعلَ لحياةِ “عابدين” شكلاً مختلفاً؛ فقد نظَّمَ وقتَه ما بينَ الدراسةِ و التحفيظِ و تَعلُّمِ العلومِ القرآنيةِ و فنِّ الخطابةِ، ودوراتِ الصوتِ و الإلقاءِ التي خصَّتْهم بها وزارةُ الأوقافِ لرعايتِهم والارتقاءِ بهم.”

و يضيف عابدين:”إمامةُ مئاتِ المصلّينَ في مساجدَ عِدّة  شعورٌ لا يوصَفُ؛ فيكونُ من المصلّينَ صغارٌ و شبابٌ و شيوخٌ.. و الكثيرُ منهم يحملُ درجاتٍ علميةً مختلفةً، وكنتُ أخجلُ في البدايةِ كيف أكونُ إماماً على الكبارِ!  و خشيتُ في البدايةِ هل سيَتقبّلُ المصلّونَ ذلك ، لكنني رأيتُ منهم تشجيعاً واستحساناً.. فتلاشَى الخوفُ مع مرورِ الأيامِ).

ويتمنّى “عابدين” المشارَكةَ في مسابقاتٍ عربيةٍ  وعالميةٍ للإمامةِ؛ حيثُ يشاركُ سنوياً أربعةٌ من الأئمةِ؛ لكنّ إغلاقَ المعابرِ يقفُ عائقاً أمامَ طموحِه الذي يحاولُ أنْ يَبنيه في بلدِه فلسطينَ.

احتواء رغم الاختلاف

التقتْ “الثريا” الشيخ أحمد شراب “رئيسَ ديوانِ القُراءِ المُبدعين”، الذي يرَى أنّ الاهتمامَ بالأئمةِ الصغارِ من الأولوياتِ التي تَضعُها وزارةُ الأوقافِ على عاتقِها؛ حيثُ تُنظِّمُ العديدَ من الدوراتِ في مجالِ (الخطابةِ والصوتِ والإلقاءِ) كذلك دوراتِ الأحكامِ المُبتدِئةِ والعليا؛ لمساعدتِهم والرُّقيِّ بهم وتطويرِ أدائهم ومهاراتِهم.

وتضعُ الوزارةُ الأئمةَ الصغارَ ضِمنَ جدولِ الإمامةِ في الوزارةِ في شهرِ رمضانَ المباركِ؛ ينتهي باحتفالٍ تُقيمُه الوزارةُ نهايةَ شهرِ رمضانَ ، كما تنظِّمُ الوزارةً جلسةً إيمانيةً أسبوعيةً  تقامُ في مساجدَ مختلفةٍ في جميعِ أنحاءِ القطاعِ، تَحتضنُ الأئمةَ الصغارَ.

ونوّهَ الشيخُ “شُراب” إلى اختلافِ البعضِ حولَ إمامةِ الصغيرِ؛ فكانت ما بينَ مؤيِّدٍ يُجيزُ إمامةَ الطفلِ للمصلّينَ، و يرى أنه لا إشكالَ في ذلكَ ما دامتْ صلاةُ التراويحِ من النوافلِ وليستْ من الفرائضِ، وهو رأيٌّ يَجِدُ سندَه في صحيحِ “البخاري” الذي جاء فيه أنّ عمرو بن سلَمة صلَّى بقومِه وعمرُه لا يتجاوُز (ستاً أو سبعاً) ؛ لأنه كان أكثرَهم قرآناً .

ومُعارضٍ لإمامةِ الطفلِ للمصلّينَ؛ والذي استندَ على أنّ البلوغَ شرطٌ أساسٌ للإمامةِ، وبدونِه لا تجوزُ إطلاقاً “مِثلَها مِثلَ العقلِ” ويستدِلّونَ على ذلك بكونِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “الإمامُ ضامنٌ، والمؤذِّن مؤتَمَنٌ” وهم يرَونَ في الصبيِّ عدمَ القدرةِ على الضمانِ.

وعلى الرغمِ من وجودِ مؤيِّدٍ ومُعارضٍ؛ إلّا أنّ وزارةَ الأوقافِ تشجِّعُ وتحفزُّ هذه البراعمَ الصغيرةَ التي تحفظُ القرآنَ، وترتِّلُه بأصواتٍ جميلةٍ، وفي كثيرٍ من الأحيانِ تقومُ بإقامةِ حفلاتٍ تكريميةٍ لرَفعِ هِمَمِ الأئمةِ الصغارِ وتعزيزِهم؛ حتى يَصِلِوا إلى القمّةِ فيما بعدُ.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى