غرفةُ نومِ طفلِك .. بين أجواءِ الدراسةِ والَّلعبِ

يولَدُ صغيراً ضعيفاً؛ يحتاجُ لِيَدٍ حنونةٍ ترعاهُ، وتجعلُ منه شاباً يافعاً؛ يمتلكُ عقلاً سليماً مُبدعاً، وشخصيةً قوية وخلاّقةً ومتّزِنة، لهذا فعلى الأبَوينِ أنْ يوجِدا جوّاً مناسباً لأطفالهم مع حلولِ عامهم الثالث، جوّاً يدفعُهم للإبداعِ والابتكار، ومكاناً يحاكي جسدَهم الصغيرَ المتلهِفَ على اللعبِ والقفزِ، ويُشبِعُ احتياجاتهِم الغريزيةَ؛ كالمغامرةِ وحُبِّ اكتشافِ الأشياءِ مِن حولِهم، فالأطفالُ في هذا العمرِ تبدأ رغبتُهم في الاستقلالِ عمّن حولَهم، ويلجأون للجلوسِ وحدَهم بعيداً عن الكبارِ؛ ليلعبوا بألعابِهم التي يحبونها، ويثرثِرونَ مع أنفسِهم، ليُخرِجوا ما بداخلهم من قصصٍ تعرّفوا عليها خلالَ يومِهم، أو خيالاتٍ تدورُ في عقولهم الصغيرةِ، إثرَ حدَثٍ أو صورةٍ مرّتْ عليهم.
تُبحِرُ “السعادة” في هذا العالمِ الطفولي الممتعِ؛ لتكتشفَ الأُسسَ والمعاييرَ التصميميةَ لغُرفِ نومِ الأطفالِ، ومدى تأثيرِها على شخصياتِهم وإبداعِهم.
في لقاء مع الدكتورة مَي الفرا (متخصصةِ الأطفالِ في مستشفى الهلال)ترى أنّ مع بلوغِ الطفلِ عامَه الثالثَ، ووصولِه إلى المرحلةِ التي يدخُلُ فيها إلى العالمِ التحضيري قبل المدرسةِ، يكونُ قد أصبح متمتِعاً بكاملِ الاستقلاليةِ في اللعبِ، وتتحوّل” الغرفة” إلى زاويةٍ خاصةٍ به للّهوِ والتسليةِ بعيداً عن الباقين.
لذلك من المُهم أنْ تكونَ غرفة الطفلِ فراغاً واسعاً؛ يُطلِقُ فيه العِنانَ لمخيّلتِه في اللعبِ؛ لأنّ هذا يساعدُ على تنمية قدراتِه الفكريةِ، ويجعلُه أكثرَ استقلاليةَ، وأكثرَ انفتاحاً من حيثُ الأفكارِ والقدْرات.
غرفةٌ آمِنةٌ ونظيفةٌ:
وثمةَ اعتباراتٍ تصميميةٍ لا يجبُ إغفالُها ؛عند تجهيزِ غرفِ الأطفالِ، حيثُ تشرحُ المهندسة “داليا أبو كميل” تعملُ في مجال التصميم الداخلي قائلة: “أهمُّ الأمورِ التي يجبُ توفيرُها في الغرفةِ؛ هو عاملُ الأمانِ، فلا يجوزُ إضافةُ أيِّ قطعةِ أثاثٍ- مَهما كانت مُهمة_ إذا كانت ذاتَ أطرافٍ حادةٍ، وحوافٍّ قاسيةٍ أو مصنوعةٍ من موادٍ غيرِ آمِنةٍ؛ كالزجاجِ والحديدِ والأحجارِ، لأنّ الأطفالَ لا يمكنُ منعُهم من القفزِ والركضِ واللعبِ، الذي يمكِنُ أنْ يعرّضَهم للوقوعِ والإصابةِ من هذه الحوافِّ والموادِ”.
وعن متطلباتِ الصحةِ والأمان في هذا النوعِ من الغرفِ؛ توضّحُ د. الفرا قائلة: ” من الضروري تأمينُ المحيطِ الصحي للطفلِ في غرفتِه؛ لتجنُّبِ كلِّ الأمراضِ التي يمكنُ أنْ يلتقطَها بسبب الغبارِ والجراثيمِ،التي تسبّبُ له الحساسيةَ أو ضيقَ التنفس، كما يجبُ أنْ تكونَ كلُّ محتوياتِ الغرفةِ: من سجادٍ وستائرَ وأثاثٍ وألعابٍ، وحتى الأغراضِ الخاصةِ بتزيينِ الغرفةِ، كلّها يجبُ أنْ تكونَ سهلةَ التنظيفِ من جهةٍ، ومصنوعةً من موادٍ وأشكالٍ آمنةٍ على الأطفالِ من جهةٍ أخرى، ومن الضروري الاهتمامُ بوضعِ مفاتيحِ ومآخذِ الكهرباءِ في مكانٍ مرتفعٍ وآمِنٍ، وأنْ تكونَ النوافذُ والأبوابُ مزوّدةً بأنظمةِ أمانٍ: كحديدِ الأمانِ والأقفالِ والمفاتيحِ خصوصاً في الشققِ المرتفعة”.
منبعُ الأفكارِ:
وعلى الأهل اعتبارُ أنّ هذه الغرفةَ هي بيتٌ صغيرٌ للطفل، وليست فقط غرفةً للنومِ، فتؤكدُ المهندسة عبير صبيح ( مهندسةٌ معمارية عاملةٌ في مجال تصميمِ غرفِ الأطفال) على ضرورةِ توفير مجموعةٍ من المساحاتِ والزوايا للأنشطةِ المختلفة التي يقومُ بها الطفلُ؛ كتوفيرِ مساحةٍ للدراسةِ مجهّزةٍ بطاولةٍ وكرسي مريحَين، وزاويةٍ للوحِ الرسمِ؛ ليُخرجَ الطفلُ كلَّ ما بأعماقِه عن طريقِ الخربشة، ومساحةٍ للنومِ في سريرٍ صحي ومريحٍ ونظيف، والمساحةُ الأكثرُ أهميةً؛ هي مساحة اللعبِ التي يجبُ أنْ تكونَ واسعة ونظيفةً؛ لتناسبَ الألعابَ المختلفة من مكعباتٍ وألعابٍ وسياراتٍ وعرائسَ، أو اللعبِ الجسماني للطفلِ؛ من قفزٍ وركضٍ وشقلبةٍ، ويمكنُ في هذه الحالةِ وضعُ غطاءٍ من الإسفنجِ أو المطاطِ؛ لحمايتِهم في حالِ وقوعِهم على الأرض.
وعن مساحةِ اللعب هذه تتحدث م. “أبو كميل” بأنّ المساحةَ الأهمَّ بالنسبةِ للأطفالِ، فهي أهمُّ من سريرِ النومِ بالنسبة لهم، ويمكنُ تحديدُ مساحةِ اللعبِ؛ بسجادةٍ كبيرةٍ ملوّنةٍ، أو عدةِ قِطعٍ صغيرةٍ من السجاد، ويضافُ لهذا الفراغِ وساداتٌ كبيرةٌ ملونةٌ بألوانٍ متعددةٍ؛ للجلوسِ والتمدُّد ِعليها أثناء اللعبِ والغناءِ وسردِ القصص، كما يمكنُ وضعُ طاولةٍ ومجموعةٍ من الكراسي الصغيرةِ القابلةِ للطيِّ؛ ليجلسَ عليها الأطفالُ للرسمِ واللعبِ بالصلصالِ، أو عملِ بعضِ الأشغالِ اليدوية.
وتؤكد د.” الفرّا” بأنّ هذا التنوعَ بالنشاطاتِ في المكان نفسِه؛ يُخرجُ الطفلَ من دائرةِ الروتين اليومي؛ من نومٍ وأكلٍ ودراسةٍ، ويحرّكُ ذهنَه ،ويزيدُ من قدراتهِ العقليةِ، فكلُّ لعبةٍ يلعبُها تتكونُ مقابلَها مجموعة كبيرةٌ من الأفكارِ والخيالاتِ والتجاربِ والمغامراتِ الجديدة، ويتخذُ حيالَها مجموعةً من ردودِ الأفعالِ الإراديةِ، وغيرِ الإراديةِ، وكلُّها تعملُ على نموِّ الطفلِ عقلياً، كما أنّ كِبرَ مساحةِ فراغ ِاللعبِ مُهمٌّ، خصوصاً في الشققِ السكنيةِ المغلقةِ، فهذا يزيدُ من النشاطِ العضليّ للطفلِ أثناءَ القفزِ والركضِ والتشقلُبِ، فعادةً ما يكونُ الطفلُ محروماً من هذا النشاطِ الجسماني المُهمِّ في نموِّه وتكوينِ عضلاتهِ في المستقبل.
ركنٌ خاصٌّ للدراسة:
أمّا عن زاوية الدراسةِ؛ تشرحُ م. أبو كميل قائلة: ” من الشروطِ الأساسية في تصميمِ غرفةِ الطفلِ ؛تخصيصُ مكانٍ للدراسةِ لتوفيرِ جوٍّ من التركيزِ والجديةِ أثناءَ المذاكرةِ، حيث يشعرُ الطفلُ _في هذا المكانِ تحديداً_ بالراحةِ النفسيةِ خلال وقتِ دراستِه، ومن البديهي وضعُ مكتبٍ خاص للدراسة،بحيث لا يضطرُّ إلى استخدامِ أماكنَ غيرِ مُعدّةٍ لهذه الغايةِ؛ كالسريرِ أو طاولةِ المطبخِ أو غيرِهما، كما أنّ كلَّ طفلٍ بحاجةٍ إلى مكتبٍ خاص به ملائمٍ للدراسةِ؛ ما يجعلُه أكثرَ استعداداً وحماسة لذلك، وهو بذلك يحفظُ أغراضَه؛ من كتبٍ ودفاترَ في نفسِ المكتبِ، وتبقى جميعُ الأغراضِ الخاصةِ بالدراسةِ في هذا الركنِ، فتحميها من الضياع ِأو التلَف، ومن الجميلِ وضعُ لوحٍ تعليميّ بجوارِ المكتبِ؛ بهدفِ استخدامِ التنويعِ في الوسائلِ التعليمةِ؛ لإيصالِ المعلومةِ بطريقةٍ ممتعةٍ وسلسة.”
وتنبِّهُ د. “الفرا” وبشدّة على عدم وضعِ تلفاز في غرفةِ نوم الطفلِ، فالتلفاز يعَدُّ من الأخطاءِ الشائعةِ والفادحةِ؛ لأنه سيُلهيهِ عن دراستهِ، ويقللُ من تحصيلهِ العلمي، كما أنّ مقدارَ الإشعاعِ الخارجِ من جهاز التلفاز؛ يؤَثرُ على إنتاجيةِ الطفلِ بشكلٍ سلبيّ، ويخفضُ من معدّلِ نشاطهِ العام، ويؤَثرُ على بصرِه وتركيزِه، هذا عدا ما يعرِضُه التلفازُ من مَشاهدَ غيرِ محبّبةٍ أو عنيفةٍ تؤَثرُ على سلوكياتِ الأطفالِ، فالتلفازُ لا يوضعُ إلا في غرفةِ المعيشةِ؛ ليشاهدَه الطفلُ بوجودِ رقابةٍ وتوجيهٍ من الأهل، ويمكنُ استبدالُ هذه الصورِ المتحركةِ للتلفاز في غرفِ الأطفالِ، ببعضِ الصورِ واللوحاتِ الحائطيةِ لحيواناتٍ أو فراشاتٍ أو زهورٍ ملوّنةٍ، تضفي شيئاً من الحيويةِ، وتُثري خيالَ الأطفال.
وتؤكد م. “صبيح” على عدمِ إغفالِ الإضاءة؛ خصوصاً في ركنِ الدراسةِ، ومن المُهم أنْ تكونَ الإضاءةُ قويةً ومناسِبةً للقراءةِ والكتابة، هذا بالإضافةِ إلى إضاءةِ ركنِ اللعبِ، والتي يجبُ أنْ تكونَ كافية؛ خصوصاً إذا كانت النشاطاتُ في هذا الركنِ؛ تتنوعُ ما بين اللعبِ بالصلصالِ والأشغالِ اليدويةِ، فهذا النوعُ من الأنشطةِ يحتاجُ لإضاءةٍ قويةٍ وكافية، ولوقتِ النومِ لا بدّ من توفيرِ ضوءٍ خافتٍ؛ يهيئُ الطفلَ للدخولِ في مرحلةِ الاسترخاءِ والنوم، وبقاءُ هذا الضوءِ بعد استغراقِ الطفلِ في النومِ شيءٌ مُهم ؛حتى لا يصطدمَ الطفلُ بما حولَه؛ إذا استيقظَ في منتصفِ الليلِ للذهابِ للحمّامِ، أو لشربِ قليلٍ من الماء، كما أنّ هذه الإضاءة َالخافتة تُشعِرُه بالطمأنينةِ؛ بدَلاً من العتمةِ الحالكةِ المخيفة.
عالمُ الألوانِ:
يُعَدُّ تحفيزُ الأطفالِ على الإبداعِ، وتنشيطُ عقلهِم الصغيرِ للتخيلِ والابتكارِ، بوضعِهم في بيئةٍ مشجِّعةٍ على ذلك، ومن الطبيعي أنْ تكونَ هذه البيئةُ هي غرفةُ نومهِ؛ التي يقضي فيها جُلَّ وقتِه، وعن هذه النقطةِ تتحدثُ م. أبو كميل قائلة: “من الجيّدِ أنْ يتمَّ توفيرُ متطلباتِ الطفلِ؛ بديكوراتٍ خلاّقةٍ ومتجدّدةٍ؛ كأنْ تكونَ علاّقةُ الملابسِ على شكلِ قلمٍ كبيرٍ، أو شجرةٍ تجريديةٍ، وأنْ تُرتّبَ الكتبُ على رفوفٍ ملوّنةٍ، وذاتِ أشكالٍ جميلةٍ، كما يمكنُ توفيرُ صناديقَ متعددةِ الأحجامِ والألوانِ؛ لوضعِ الألعابِ فيها، والألوانُ هي أكثرُ الأشياءِ التي يحبُّها الأطفالُ، وتلفتُ انتباهَهم، وتحفزُّهم على الابتكارِ واكتشافِ المزيدِ ممّا حولَهم من خبايا وأسرارٍ لا يعرفونها، ولكنْ في الوقتِ نفسهِ يجبُ تجنّبُ الازدحامِ في الألوان، وتجنُّب كثرةِ النقوشِ والزركشةِ؛ خصوصاً في المساحاتِ الكبيرةِ؛ كالجدرانِ والستائرِ وقِطعِ السجادِ الكبيرة، وأنْ يتمَّ تعويضُ ذلك من خلال الصناديقِ الملوّنةِ وأغطيةِ الأَسِرةِ، كما يمكنُ إضافةُ بعضِ الصورِ الحائطيةِ في مواضعَ متباعدةٍ على جدارٍ أو اثنينِ من الغرفةِ، مع المحافظةِ على لون الجدارِ الأبيضِ ؛كخلفيةٍ مريحةٍ لتجمعَ كمَّ الألوانِ الهائلَ الموجودَ في الغرفةِ، والمتكوّن – بدونِ سابقِ تخطيطٍ – من الألعابِ الملوّنةِ أصلاً، والموجودةِ بالتأكيدِ بكثرةٍ في غرفةِ طفلك.”
خزانةُ الملابسِ:
وتُعدُّ ملابسُ الأطفالِ من الأشياءِ التي يمكنُ أنْ تقلِبَ الغرفة رأساً على عقِب؛ لمجردِ أنْ يبدّلَ الأطفالُ ملابسَهم مرّةً أو مرتين يومياً، فمن المُهم توفيرُ خزانةِ ملابسَ كبيرةٍ؛ تحتوي على أرفُفٍ مرتفعةٍ؛ لا يمكنُ للطفلِ أنْ يصلَها، لتضعَ فيها الأمُّ كلَّ ما لا ترغبُ أنْ يصِلَ إليه طفلُها، وأرفُف أخرى في متناولِ يدِ طفلِها؛ تضعُ فيها أغراضَه اليوميةَ؛ مِثلَ ملابسِ المدرسةِ، وملابسِ النومِ؛ ليتعودَ الطفلُ الاعتمادَ على نفسِه، ومن الجميلِ أنْ تكونَ هذه الخزانةُ المغلقةُ مبهِجةً وملوّنة ًبألوانٍ باردةٍ، أو ذاتَ ألوانٍ محايدة ٍ؛عليها بعضُ الفراشاتِ أو الزهورِ الملوّنة، كي لا تكونَ كتلةً جامدةً وصامتةً، وتحتلَّ مساحةً كبيرةً دونَ أدنَى تزيِّين.
فمن المُهم الاهتمامُ بهذه الفئةِ الحسّاسةِ والمُهمةِ، وتخصيصُ أكبرِ غرفةٍ في المنزلِ لهم ولمتطلباتِهم الكثيرةِ، فهم بحاجةٍ للَّعبِ والقفزِ وبناءِ عضلاتِهم وعقولِهم، وتغذيةِ أدمغتِهم بالأفكارِ؛ ليبتكِروا ويُبدِعوا ويتفوّقوا في دراستِهم،و يصبحوا رجالَ المستقبلِ، ليبنوا أوطانَهم بشخصياتِهم المتَّزِنةِ المُبدِعةِ الخلاّقةِ.