الدين والحياة

الإخلاصُ في العملِ سبيلٌ للتغييرِ

إعداد: محمد هنية

الإخلاصُ كلمةٌ شاملةٌ وجامعةٌ لتحقيقِ الأهدافِ وصُنعِ التغييرِ الإيجابيّ في كافةِ المجالاتِ، فالإخلاصُ لا يقتصِرُ على جانبٍ دونَ آخَرَ، بل مطلوبٌ في شتّى مناحي حياةِ  الإنسان، والإخلاصُ في العملِ مَرضاةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ثُم إنه يحقِّقُ نهضةَ المجتمعِ ورُقيَّه، “الثريا” تستضيفُ أ. “وجدي أبو سلامة” للحديثِ عن الإخلاصِ في العملِ، وتأثيرِه على التغييرِ.

يبيِّنُ أ. “أبو سلامة” إمكانيةَ تحقيقِ الإخلاصِ في العملِ لَدى الموظّفِ؛ إذا كان لَديه شعورٌ دائمٌ بمراقبةِ اللهِ عزَّ وجلَّ له وتعظيمِ شأنِه، حيثُ يقول:” إذا استشعرَ الموظفُ أنه مسئولٌ عن كلِّ دقيقةٍ من الدقائقِ التي اتّفقَ عليها في عقدِ العملِ، فإنه يحقِّقُ الإخلاصَ في العمل، لأنّ وقتَ العملِ مسئولٌ عنه أمامَ اللهِ عزَّ و جلَّ، وهو أمانةٌ في عنُقهِ في الوقتِ والأداءِ، وإذا قصَّرَ فيها؛ يأتي يومَ القيامةِ يحملُ تقصيرَه ، كلٌّ حسَبَ التقصيرِ الذي ارتكبَه، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).الأنفال (آية 27).

ويضيفُ المُحاضرُ أبو سلامة :” من قصَّرَ في الحضورِ وأداءِ العملِ؛ يُعَدّ خائناً للأمانةِ التي كلَّفَه بها اللهُ عزَّ وجلَّ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (سورة النساء : الآية 58)، فالعملُ أمانةٌ، وعلى الموظَّفِ تأديةُ هذه الأمانةِ كما العقدِ الموقَّعِ بين الموظفِ وربِّ العملِ، طالَما لا تخالِفُ أوامرَ اللهِ عزَّ وجلَّ ورسولِه،و يتحقَّقُ الإخلاصُ في العملِ؛ إذا راقبَ المؤمنُ ربَّه عزَّ وجلَّ، وعلِمَ أنه سيسألُه عن كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.

ويقولُ أ. “أبو سلامة” موضِّحاً تأثيرَ الإخلاصِ في العملِ :” إنّ وجودَ هذه الصفةِ في أيِّ ميدانٍ سبَبٌ للتقدُّمِ والنجاحِ، وعكسُه يكونُ الفشلُ حتمياً، فهو ضدُّ الفسادِ والتسيّبِ والتساهلِ والتكاسلِ والتراخي، ولعلَّ فقدانَ هذا الشعورِ في عملِ الإنسانِ؛ جعلَ دولاً كثيرةً تعاني من أنواعٍ متعددةٍ من الفشلِ “سياسيّ واقتصاديّ وخدميّ وإداريّ وتعليميّ”.

ويستدركُ أ. أبو سلامة:” لو أمعَنّا النظرَ لِما تعيشُه الدولُ الناجحةُ في مستوياتٍ عِدّة، وخصوصاً المتطورةَ منها، نجدُ أنّ أسبابَ تقدُّمِها لم تنتُجْ من مراقبةِ لجانٍ برلمانيةٍ أو جهاتٍ حكومية، ولا لجهاتِ نزاهةٍ ورقابةٍ ماليةٍ فحسْب، رُغم أهميتِها وشدّتِها، بل إنّ السببَ الأولَ في نجاحِهم ناتجٌ من التركيبةِ الاجتماعيةِ والنفسيةِ لذاتِ شعوبِها، ضِمنَ شبكةِ رقابةٍ ذاتيةٍ مرتكِزةٍ على مبدأ (الإخلاص) في جميعِ الميادينِ، بحيثُ أصبحتْ تلك السِّمَةُ لدَيهِم بمرتبةِ القوانينِ الأساسيةِ، والقواعدِ الأخلاقيةِ التي لا يمكنُ تجاوزُها.

ويتابعُ أبو سلامة:” فيما فقدَتْ الكثيرُ من الدولِ ذلك على مستوىً واسعٍ، بل أصبح من النادرِ جداً التفكيرُ بالمصلحةِ العامةِ، وترْكُ المصلحةِ الخاصة، و مقابل ذلك أصبح العملُ الروتينيُّ التقليديّ الاستهلاكيّ بالطرُقِ المتعارَفِ عليها منتشراً بشكلٍ عام.

ويؤصِّلُ “أبو سلامة” إلى أنّ قيامَ الموظفِ_ سواءٌ كان في جهةٍ حكوميةٍ أو في مؤسسةٍ أهليةٍ_ بأداءِ مهامِّ وظيفتِه بالدقةِ والأمانةِ والنزاهةِ والإخلاصِ والانضباطِ، يعدُّ أمراً واجباً عليه، خدمةً لوطنِه ومواطنيهِ وللاقتصادِ الوطني، إضافةً إلى أنّ ذلك مقابلَ استفادتِه من مزايا الوظيفةِ؛ كالراتبِ والبدلاتِ والتعويضاتِ والمكافآتِ والانتداباتِ والتدريبِ والابتعاثِ ونحوِ ذلك.وأنظِمةُ الخدمةِ المدنيةِ، ونظامُ العملِ أبرزَ أهميةَ هذا الواجب؛ لأنه يُعَدُّ الهدفَ الأولَ والأخيرَ من إيجادِ الوظيفةِ، وشَغلِها بأحدِ المواطنين.

ويفصِّلُ “أبو سلامة” بالقول:” وما يصرَفُ للموظفِ من راتبٍ وبدلاتٍ ونحوِها إنما هو من أجلِ الوظيفةِ في الأساسِ، وليس من أجلِ الموظفِ؛ لأنّ هذه المزايا الماديةَ مرتبطةٌ بوجودِ الوظيفةِ، وقد حُدِّدتْ لها بعدَ إيجادِها سواءٌ أشُغِلتْ أو لم تُشغلْ، وهو أمرٌ يتماشى مع المبدأ الإداريّ المعروفِ (إنّ الرواتبَ والبدلاتِ للأعمالِ وليستْ للأشخاص).. وصورةُ الأداءِ المطلوبةُ من الموظفِ للقيامِ بعملِه؛ تتمثلُ في جوانبَ عِدّة منها:-
1-الانضباطُ في وقتِ الدوامِ بالحضورِ والانصرافِ في الوقتِ المحدَّدِ، ولا يخرجُ خلالَ وقتِ الدوامِ؛ إلا في حالاتِ الضرورة، وأنْ يتِمَّ الخروجُ لمُدةٍ معقولةٍ، وبعدَ الحصولِ على موافقةِ جهةِ عملِه؛ وذلك لأنّ وقتَ الدوامِ ليس مُلكاً للموظفِ، مهما كانت درجتُه، بل هو مُلكٌ لجهةِ العملِ؛ سواءٌ كانت جهةً حكوميةً أو مؤسسةً خاصةً، فعدمُ انضباطِ الموظفِ في وقتِ الدوامِ؛ سوف يؤثِّرُ حتماً على مستوى أداءِ العملِ، وسيؤدِّي إلى تعطيلِ أو تأخيرِ مصالحِ أصحابِ المعاملاتِ الموجودةِ لدَيه، وسوف يؤثِّرُ على سُمعةِ الجهةِ التي يعملُ فيها..
2-تأديةُ الموظفِ لعملِه بالدِّقةِ والأمانةِ والنزاهةِ والإخلاصِ والعدالةِ والمساواة، وأنْ يُنجِزَ أعمالَه في الوقتِ المحدَّدِ، وألاّ يؤخِّرَها بقَصدٍ.
3-أنْ يستقبلَ المراجعينَ، أو من يتعاملُ معهم  بوجهٍ طَلقٍ، وبأسلوبٍ جيّدٍ،  وإذا كان يتعاملُ مع الجمهورِ؛ فعليهِ العدلُ بينهم، وتطبيقُ المساواةِ على مُراجعيهِم، وتحلِّيهِ بالأخلاقِ الفاضلةِ عند التعاملِ معهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى