الكفيفُ “عبد العزيز” درستُ صحافة، وتحدّيتُ إعاقتي

إعداد: ابتسام مهدي
لم تقِفْ إعاقةُ البصرِ حجَرَ عَثرةٍ في طريق الشاب “عبد العزيز كريم” 23 عاماً ,ليتحدّى إعاقتَه، ويُصِرَّ على أنْ يلتحقَ بقسم الصحافة والأعلام في الجامعة الإسلامية ,و على الرغم من صعوبات العملِ الإعلامي ، فإنّ الشابَّ الكفيفَ استطاع أنْ يشُقَّ طريقه؛ ليصبح إعلامياً متألّقاً ، ومذيعاً يُعِدُّ ويقدِّم البرامج في عددٍ من الإذاعات المحلية .
وقد أحبَّ “عبد العزيز” مهنة الإعلام، واختار العمل في مجال الإعلام، رغم الصعوباتِ التي يواجهُها الصُّحفيون المبصِرون في قطاع غزة.
ويقول “عبد العزيز” لمجلة السعادة “إنّ كل الناس بمن فيهم أهله؛ استغربوا اختياري للعمل في مجال الإعلام، فبعضُهم عدَّها مغامرةً! لكنني كنتُ واثقاً من نفسي؛ لأكونَ إعلامياً، وساعدتني عدةُ محطات في مواصلةِ عملي كمذيعٍ ومُعِدِّ برامج أيضا”.
بدايةُ المشوار:
وكان “عبد العزيز” فقدَ بصرَه؛ نتيجةَ تعرُّضه لخطأ طبيٍّ، أثناء إجراء عدّة عملياتٍ له في عينيهِ، لعلاج ضعف بصره ، لكنّ والدته تقولُ: إنه رفضَ _منذ فقدانِه بصرَه وهو في سنِّ الثامنةَ عشرَ ، الاستسلامَ للإعاقةِ البصرية، وكان يقومُ بأعمال متعددة، إلى أنْ اختارَ
وعن دراسته التي تأخّرت بعد زياراتٍ لعددٍ من مستشفياتِ فلسطين والعالم العربي، يقولُ عبد العزيز” بعد أنْ أنهيتُ مرحلة الإعدادي والثانوي؛ التحقتُ في مجال الصحافةِ؛ لحُبي لهذا التخصص من الصغرِ، نظراً للدور الكبيرِ الذي تلعبُه وسائلُ الإعلامِ في نشرِ ظُلمِ الاحتلالِ الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، وما خلّفَه من شهداءَ وجرحى طوالَ السنواتِ الماضية ، ورغبتي في النهوضِ والتعريفِ بالأشخاصِ ذوِي الإعاقةِ في قطاعِ غزة، وكذلك نشرِ إبداعاتِهم وتحدِّيهِم على الساحة الفلسطينية ، وإيصالِ رسالتنا للمجتمعِ الداخلي والخارجي، الذي أصبحنا مُغيَّبينَ عنه “.
معيقاتٌ في الدراسة:
ويروي “عبد العزيز” تعرُّضَه لعدةِ صعوباتٍ واجهتْه؛ حين التحقَ بتخصصِ الصحافة ، والتي كان أبرزُها رفْضَ الجامعةِ لالتحاقهِ بهذا التخصصِ، نظراً لأنه الأولُ الذي يعاني من إعاقةِ فقدانِ البصرِ، الذي يلتحقُ بقسمِ الصحافة, وأولُ تجرِبةٍ لطالبٍ كفيفٍ في هذا القسم ,وكذلك عدمُ توفُّرِ الكتبِ بطريقةِ “برايل” الخاصة بالمكفوفين .
ورغم رفضِ العديد من الأساتذةِ في الجامعة التحاقَه ، وبعد اجتماعٍ طويلٍ بينه وبين إدارة الجامعة؛ وافقتْ الجامعة على التحاقهِ في التخصص لمدّةِ شهرٍ؛ ليُثبتَ جدارتَه ، وفى حال فشلِه؛ ستُجبِرُه الجامعةُ على تحويل تخصُّصهِ لتخصُّصٍ آخَرَ متاحٍ للمكفوفين ، وقد أثبتَ جدارته خلالَ الأربعِ سنوات .
وأضاف “عبد العزيز” عن المعوِّقاتِ التي واجهتْه في دراسته ” أيُّ طالبٍ _حتى لو كان كفيفاً_ يمكِنُه الدراسة مع باقي الطلبةِ بشكلٍ عاديّ جداً ، ولكنّ وضعي كان مختلفاً جدّاً؛ لأني أولُ طالبٍ يدخل قسمَ الصحافة ، وكنتُ في بعض الأوقاتِ انتظرُ طباعة الكتبِ على ملفِ “وورد” ومن ثَمّ طباعته على طريقةِ “برايل” في الجامعة ، وكان يستغرقُ مِنّي وقتاً طويلاً، ويؤثّر على دراستي ، كما كنتُ أتسلّم كتبي قبلَ موعد الامتحانِ النهائي بأسبوع ، ما يسبِّبُ لي ضغطاً في تراكُمِ الموادِ ودراستها ، كما كلّفتني كثيراً طباعةُ الكتبِ على حسابي “.
ويختلفُ باقي الطلبة المكفوفين في نفس الجامعةِ عن “عبد العزيز” نظراً لالتحاق عدّة طلابٍ في تخصّصاتٍ مختلفةٍ على مدار السنواتِ الماضيةِ في الجامعة ، وتتوفّرُ الكتبُ منذ عدة سنواتٍ، بطريقةِ “برايل”
ويعيش “عبد العزيز” مع عائلته، فهو بِكرُها، ويذهب كل صباحٍ إلى أماكنِ عملِه الإعلاميةِ، التي يعمل بها، ليبدأَ عمله اليومي حسَبَ كلِّ مكان، متحدِّياً الإعاقةَ البصرية.
ولم يتوانَ يوماً في حضورِ بعض المؤتمراتِ الصُحفية، ويتصلُ بمَصادرِ الأخبارِ أو التقاريرِ أو برامجِه عبر الهاتف، ويُجري المقابلاتِ الإذاعيةَ بنفسِه، ثُم يعودُ إلى مقرِّ عملِه دونَ مساعدةٍ من أحد.
ويوضّح “عبد العزيز” أنّ عزيمتَه وإصرارَه ؛كانت خلفَ نجاحِه ومثابرتِه وتحدّيه على المواصلةِ في هذا الطريق، موضّحاً أنَّ إعاقةَ الشخصِ منذُ الصغرِ؛ قد تكونُ أَهوَنَ من الإعاقةِ في الكِبر، لأنّ الإنسانَ يتأقلمُ من الصغرِ على وضعِه وإعاقتِه بمُساعدِة أهلِه.
ويعملُ “عبد العزيز” مُحرِّرَ ومُعِّدَ برامجَ إذاعيةٍ في إذاعةِ القدسِ التعليميةِ، وإذاعةِ فرسانِ الإرادةِ ،وصوتِ الوطنِ، وصوتِ البراقِ، وإذاعةِ الإيمان.
بداياتُ العمل:
ويتحدثُ عن بداياتِ اختياره للعملِ الإعلامي قائلاً ” صحيحٌ أنّ العملَ في الإعلام؛ هو أصعبُ عملٍ في فلسطين، رغم العددِ الكبير الذي يعملُ بهذا المجالِ في الوقتِ الحالي، حتى بالنسبةِ إلى الصُّحفيين المُبصِرين، ولكنني أستمتعُ بممارستِه، كما أنه العملُ الوحيدُ الذي أُحسِنُه، ولا أعُدُّ فقدانَ البصرِ عائقاً كبيراً في عملي”.
وفي داخلِ الأستوديو؛ لا يختلفُ أداءُ “عبد العزيز” عن غيرِه من الزملاء، وتحدّثَ زملاؤه في العملِ عن علاقتِهم به أثناءَ العملِ وخارجَه، وبعضُهم لم يكتشفْ أنّ “عبد العزيز” مُعاقٌ بصريًا؛ عندما كان يعملُ مذيعاً، إلاّ بعدَ أنْ قابلَه وتحدّثَ معه .
والى جانبِ هذه الموهبةِ الإعلامية؛ فإنّ “عبد العزيز” يعملُ على جهاز الكمبيوتر والمِكسر, ويتعرّفُ على زملائه من خلال أصواتِهم، كما يستطيعُ أنْ يُحدِّدَ أيَّ شخصٍ يعرِفُه من خلالِ المصافحة، ويمارسُ حياتَه بشكلٍ شِبهِ طبيعي، سواءٌ في المنزلِ أو في مقرِّ العمل.
ويراودُ “عبد العزيز” حُلمٌ بأنْ يُكمِلَ دراستَه العليا، ويلتحقَ بالماجستير في هذا التخصُّص , وأنْ يتجاوزَ المحليةَ، ويصبحَ مُذيعاً لإذاعةٍ دوليةٍ أو إقليمية، وعندما سألتْه “السعادة” عن سببِ هذا الإصرارِ قال ” أريدُ أنْ أُبرهِنَ على أنه رغمَ إعاقتي البصريةِ؛ فإنّ بإمكاني أيضاً أنْ أساهمَ في القضايا الاجتماعيةِ وغيرِها من خلالِ الإعلام.”
واستطاع “عبد العزيز” أنْ يفتحَ المجالَ لغَيرِه أنْ يدرُسَ في هذا التخصصِ، بعد نجاحِ تجرِبته وتميُّزِه فيها, حيثُ التحقتْ _منذُ فترةٍ قليلةٍ _فتاةٌ تعاني من نفسِ الإعاقةِ في هذا التخصُّصِ في نفسِ الجامعة.