كتاب الثريا

“ياله من دين”

بقلم/ د. صادق قنديل أستاذ الشريعة الاسلامية

من أعلى أهداف هذا الدين القويم، تحقيق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة، ومن أهم شروط تحقيق السعادة الدنيوية تعمير الدنيا، قال تعالى:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

ومن مقتضيات هذه الخلافة تطبيق شرع الله فيها، قال تعالى:( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).وقال سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

ويقول عز من قائل : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

وتعمير الأرض وجلب السعادة يكون بالإصلاح ودفع المفسدة، لذا يبين الله إثم المفسدين ، فيقول سبحانه: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ).

ويقول عز وجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ،وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ).

والآيات التي تأمر بالصلاح ، وتذم الفساد، وتحذر من المفسدين كثيرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رءوسهم صبّاً ” حسنه الشيخ الألباني – رحمه الله- أي: السدر الذي بفلاة يستظل به ابن السبيل والحيوان، أو في ملك إنسان فيقطعه ظلماً.

وأحاديث أخرى كثيرة تدعو إلى الإصلاح في الأرض وذم المفسدين، وليس المراد من الإصلاح المنوه به في الآيات والأحاديث مجرد صلاح العقيدة والعمل فقط بل المراد صلاح أحوال الناس وشئونهم المعيشية، والدليل على ذلك أنه شرع الشرائع الجزائية الرادعة للعابثين ؛ فقد شرع القصاص على إتلاف الأرواح، وعلى قطع الأطراف، وشرع غرم قيمة المتلفات،ومن عموم هذه الأدلة ونحوها حصل لنا اليقين بأن الشريعة متطلبه لجلب المصالح ودرء المفاسد، واعتبر العلماء هذا الأمر قاعدة كلية من قواعد الشرع.لذلك قال العز بن عبد السلام – رحمه الله- : ” الشريعة كلها مصالح : إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح” وقال الشاطبي: – رحمه الله- ”ثبت أن الشرع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية.

والمصلحة هي: “وصف للفعل يحصل به الصلاح : أي النفع دائماً أو غالباً للجمهور أو للآحاد” والمفسدة ما قابل المصلحة ، هي : وصف للفعل يحصل به الفساد، أو الضر دائماً أو غالباً للجمع أو الآحاد. وعليه فالمصلحة على نوعين هما: مصلحة عامة وهي ما فيه صلاح الأمة ، مثل حفظ الأموال عن الإتلاف.

فإن بقاء هذه الأموال مصالح لكل من يتمكن من الانتفاع بها، ومصلحة خاصة وهي: ما فيه نفع لأفراد بأعيانهم، ولكن بصلاحهم يحصل صلاح للمجتمع، باعتبارهم أفراداً فيه، فالقصد في هذه المصلحة الأفراد. وبما أن البعض في أيامنا شرق وغرب بدعوى المصلحة فلا بد من ذكر الضوابط التي تعرف بها المصلحة من المفسدة .

أولاً:مصالح الدارين وأسبابها لا تعرف إلا بالشرع ، فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع ، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح.

ثانياً: مصالح الدنيا و أسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرة ، فإن خفي شيء من ذلك طلبت أدلته.

ثالثاً: مصالح الدارين ومفاسدهما في رتب متفاوتة، فمنها ما هو أعلاها، ومنها ما هو في أدناها، ومنها ما يتوسط بينهما، وهو منقسم إلى متفق عليه ومختلف فيه، فكل مأمور به: فيه مصلحة الدارين أو أحدهما، وكل منهي عنه : فيه مفسدة فيهما أو في أحدهما . فما كان من الاكتساب محصلاً لأحسن المصالح فهو أفضل الأعمال، وما كان منها محصلاً لأقبح المفاسد. فهو أرذل الأعمال.

رابعاً: المصلحة المرادة هي المصلحة المعتبرة شرعاً وليست المعتبرة عند فلان أوعلان .

خامساً: من أوجه إبطال الدليل عدم إعمال المصلحة التابعة له ، وفي الختام أنصح من بضاعته في فهم مقاصد الشرع قليلة بل معدومة أن لا يُشرع للناس على جهله، بل يسأل أهل العلم وإلا استحق أن يقال له قاتله الله إنما شفاء العي السؤال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى