الدين والحياة

الشارع ملكية عامة وليس ملكا لأحد

 

إعداد: أنوار هنية

حق الطريقما إن تمشي في الطرقات حتى تسمع قهقهات مختلفة، أو تسمع أصداء الموسيقى تصدح في الفضاء، وبين الفينة والأخرى يخترق سمعك ألفاظ اعتاد المارة سماعها دون مراعاة لأي آداب وعلى جوانب الطرق ترى مجالس الرجال خصوصاً أيام الإجازات، فهل الطريق ملكية شخصية لأحد؟ وما آدابه المُقرّة في الإسلام؟

هذا ما سيحدثنا عنه عبد الله الملاحي محاضر في قسم الدراسات الإسلامية في كلية مجتمع العلوم المهنية والتطبيقية في حوارنا معه.  

هل يوجد حرية مُطلقة للطريق؟

إن الطريق هو الشارع والأماكن العامة، و هي ملك لكل الناس وليس لأحد بعينه وعلى ذلك فلا يجوز لأحد أن يكون حراًّ في هذه الأماكن العامة حرية تُؤذي الآخرين، فليس لأحد إيذاء مشاعر الآخرين بلفظ خارج أو إثارة غرائزهم بعرض ما يؤدّي إلي ذلك في الأماكن العامة أو الشوارع لأنها ملك للجميع، وعليه فيجب أن يحافظ على قواسم مشتركة بين الجميع. ذات يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “إياكم والجلوسَ على الطرقات” فقالوا: “ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها”. قال صلى الله عليه وسلم: “فإذا أبيتم إلا المجالس؛ فأعطوا الطريق حقها”. قالوا: “وما حق الطريق؟ “قال صلى الله عليه وسلم: “غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر” [متفق علي]

ما القواسم المشتركة لآداب الطريق؟

 غض البصر؛ فالمسلم يغض بصره عن المحرمات، امتثالا لأمر الله – تعالى-: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون” . “وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن”.

وإماطة الأذى؛ المسلم يميط الأذى كالحجارة أو الأسلاك أو الزجاج أو غيرها فيبعده عن الطريق، قال صلى الله عليه وسلم: “… وتميط الأذى عن الطريق صدقة” [متفق عليه]. ويتجنب قضاء الحاجة في الطريق، حتى لا يؤذي أحدًا، ويتجنب اللعب، والمزاح غير المقبول، ولا يسخر ممن يسير في الطريق ولا يستهزئ بهم.

ولا يضيق على المارة، وإنما يفسح لهم الطريق، كذلك الالتزام بآداب مرور السيارات؛ فسائق السيارة يلتزم بآداب المرور، ويحترم شرطي المرور، ويلتزم بالإشارات، ولا يستخدم آلة التنبيه بكثرة؛ حتى لا يزعج المرضى، ويلتزم بالسرعة المحددة له في الطريق.

ورد السلام، المسلم عندما يسير في الطريق يلقي السلام على من يقابله، ويرد السلام بأحسن مما سمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فقال صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” [متفق عليه]. والمسلم يعاون من لا يستطيع عبور الطريق أو السير؛ فيأخذ بيده، وإن كان له سيارة أو وسيلة يركبها فله أن يحمل معه غيره، ويرشد الضالَّ الذي فقد طريقه، ويفضُّ المشاجرات التي يستطيع فضَّها والإصلاح بين أطرافها.

 والاعتدال والتواضع في المشي؛ فالمسلم يجعل مشيه وسطًا بين الإسراع والبطء ولا يمشي بخُيلاء أو تكبّر، قال تعالى: “واقصد في مشيك” [لقمان: 19]. وقال تعالى: “ولا تمش في الأرض مرحًا إنك لن تخرق الأرض ولا لن تبلغ الجبال طولاً” [الإسراء: 37].

 كذلك السير في جانب الطريق؛ فالمسلم يلتزم جانب الطريق “الرصيف” عندما يمشي على رجليه؛ حتى لا يتعرض للإصابة بحوادث السيارات أو الدراجات، ويجب التمهل عند عبور الشارع، والتأكد من خلو الطريق من العربات، بالإضافة إلى الحرص على نظافة الطريق،

وتجنب رمي القاذورات فيها، وحبذا لو تعاون الجميع على تنظيفها.

 ومن الأمور المستغفلة الأدب عند السير مع الكبير؛ فلا يتقدم عليه، وليستمع إليه إذا تحدث، كما أنه يمشي عن يساره ليكون له أولوية الخروج والدخول وغير ذلك.

 كذلك عدم الأكل أثناء السير، لأن ذلك منافٍ للمروءة.وعدم رفع الصوت في الطريق، حتى لا يؤذي السائرين، أو تتسرب الأسرار، ويتجنب المزاح غير المقبول مع رفقاء الطريق.

ما ثواب من يدفع الأذى عن الطريق؟ و ما عقاب من آذى المسلمين في طرقهم؟

ثوابه الشكر من الله تعالى علي عمله، واستحقاقه المغفرة على الذنوب الصغيرة التي سلفت منه بل ودخوله الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما رجل يمشي بطريق وجد عفن شوك فقال :”والله لأنحنٌِّ هذا عن المسلمين لئلا يؤذيهم”، فشكر الله له، فغفر له وفي رواية أدخله الجنة، وفي المقابل جعل الإسلام عقوبة كبيرة لمن آذى المسلمين في طرقهم، وهي اللعنة من الله والملائكة والناس أجمعين، فقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال “من آذي المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم”.

هل يقتصر أذى الطريق على الأذى الحسي فقط يشمل الأذى المعنوي؟

والأذى في الطريق ليس الأذى الحسي فقط من إلقاء القمامة والقاذورات التي تسبب الأمراض وإن كان هذا الأذى ما نهي عنه الإسلام نهياً شديداً، وإنما يمتد إلي الأذى المعنوي الذي ينتهك الإنسان به حقوق المارة في المشي في أمان نفسي وروحي وسمعي وبصري؛ فالكاسيات العاريات في الشوارع ينتهكن حق الطريق، وأصوات السيارات العالية والأفعال الفاضحة مع كونها كبيرة من الكبائر فإنها تدخل أيضا ضمن الإساءة إلى طرق المسلمين. ولايوجد دين أو مذهب شرعي اهتم بالطريق مثل الإسلام حتى جعله شعبة من شعب الإيمان.. قال عليه الصلاة والسلام “الإيمان بضع وسبعون شجعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الاذي عن الطريق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى