الدين والحياةكتاب الثريا

المرأةُ والرجلُ.. مُشارَكةٌ لا مُغالَبة

 
الكاتب سعد ذنون العنزي / تركيا
عندما يبدأُ الحديثُ عن حقوقِ الرجلِ وواجباتِه، وحقوقِ المرأةِ وواجباتِها؛ يتبادرُ إلى أذهانِنا أنّ المرأةَ مظلومةٌ!، وأنها ضحيةٌ للتشريعاتِ السماويةِ! ، ويَصِفُها الكثيرونَ بأنها أضعفُ ما تكونُ في المجتمعِ المسلمِ! .
ولو دقَّقنا النظرَ.. وبِلَمحةٍ بسيطةٍ وسريعةٍ إلى نظرةِ الدياناتِ “السماوية” إلى المرأةِ؛ يَتبيَّنُ لنا قيمتَها في دِينِنا الحنيفِ، وكيف أنصفَها الإسلامُ وأظهرَ قيمتَها الحقيقةَ دونَ انتقاصٍ من دَورِها ومكانتِها الدنيويةِ لدَى الآخَرينَ، وهذا ما لا يجرؤُ على التطرُّقِ له كافةُ أتباعِ الدياناتِ الأُخرى ، ولا يُعلِنوهُ أصلاً، لكنّنا نُورِدُه لأهميتِه ولاعتباراتٍ أخرى .. وباختصارٍ:
أولاً: اليهوديةُ :
ترَى الديانةُ اليهوديّةُ المرأةَ وكأنها أصلُ الشرِّ في العالمِ! ، أو هي المسؤولةُ عن الخطيئةِ البشريةِ الأولى ؛ لأنها وكما يزعُمونَ هي السببُ في خروجِ آدمَ _عليه السلام_ من الجنةِ ، و ظهرَ ذلك جليّاً في التوراةِ ، فـ “المرأةُ في اليهوديّةِ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى”، وتعتقدُ اليهوديّةُ أنّ نجاسةَ وِلادةِ الأُنثى ضِعفُ نجاسةِ ولادةِ الذَّكرِ.
 
ثانياً: المسيحيةُ :
جاء في رسائلِ “بولس” أن حَوَّاءَ هي التي أخطأتْ أوّلًا، ثُم أغوَتْ آدمَ فانقادَ وراءَها ، وأخطأ ثانيًا ، وينظرُ “بولس” للمرأةِ على أنّها أقذارٌ!، حتى أنّ “أودو الكلني” في القرنِ الثاني عشر الميلادي ذكَرَ أنّ “مُعَانقةَ امرأةٍ تَعني مُعانقةَ كيسٍ من الزبالةِ”!.
* وقد جاءَ في الموسوعةِ البريطانيةِ في مقالِ “سفر الأمثال”؛ أنّ النصائحَ بالتزامِ العِفّةِ موَجَّهة إلى الرجالِ فقط ؛ فالرجلُ يُنظَرُ إليه “كضحيةٍ” ، والمرأةُ “كَغاويةٍ”! . ولم تُحذَّرْ النِّساءُ البَتّةَ من الرجالِ ، أو من عمومِ إغواءاتِ المجتمعِ.
* تحدّثتْ أساطيرُ الكنائسِ في بريطانيا مثلاً؛ أنّ للزوجِ – في أوروبّا الحديثة – الحقَّ في بَيعِ زوجتِه! ، وقد حُدِّدَ ثمنُ الزوجةِ بِسِتِّ بنسات ، وكان معمولًا بهذا القانونِ في إنجلترا حتى عامِ (1805)م .
* لا يزالُ أجرُ المرأةِ على عملِها إلى اليومِ أقلَّ من أجرِ الرجلِ، كما تَفقِدُ اسمَها وحريتَها بمجردِ الزواجِ! .
أمّا في الإسلامِ :
إِنّ مكانةَ المرأةِ في الإسلامِ مُخالِفةٌ تمامًا لِما وردَ عندَ اليهوديةِ والنصرانيّةِ ، فَدِينُنا الحنيفُ لم يُحمِّل المرأةَ وِزْرَ الخطيئةِ الأولى ، وما ترتّبَ عليها من شقاءٍ.. والقرآنُ الكريمُ يُحَدِّدُ بصريحِ العبارةِ مسؤوليةَ آدمَ _عليه السلام_ عن ذلك ، وإنْ شاركتْهُ امرأتُه المعصيةَ بالأكلِ من الشجرةِ المُحرَّمةِ؛ بعدَما استجابا لِوَسوَسةِ الشيطانِ ؛ طمعًا في الخُلدٍ ومُلْكٍ لا يَبْلَى، قالَ تعالى: “وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا”.
كما جعلَ الإسلامُ النساءَ شقائقَ الرجالِ؛ لقولِه _صلى الله عليه وسلم_: “إنَّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجَالِ”، وجعلَ حقَ الأمِّ في البِرِّ ثلاثةَ أضعافِ حقِّ الأبِ.
كما أكّدَ لها حقوقًا واضحةً ، ومنَحَها حقَّها في حريةِ اختيارِ الزوجِ ، وحقَّها في المهرِ ، وأخْذِ أُجرةِ الرَّضاعِ ، وأُجرةِ الحضانةِ، وضمِنَ لها حقَّ المُلكيةِ الخاصةِ، وعدمَ إلزامِها بالإنفاقِ على زوجِها أو أولادِها؛ ما دام والدُهم حيًّا ، في حين يجبُ عليه الإنفاقُ عليها وأولادِهما وإكرامُهم، ومن ذلك أنّ الإسلامَ أوصَى بِ :
– وجوبِ توفيرِ الحمايةِ لها ؛ كما في حديثِ “مَن قُتلَ دونَ عِرضِه فهو شهيدٌ”.
– تخصيصِ حقِّها في التربيةِ؛ كما في حديثِ “من كان له بناتٌ فأحسنَ تربيتَهُنَّ فهُنَّ سترٌ له من النارِ”.
– تعليمِها ، والسماحِ لها بأداءِ صلواتِها في بيتِ اللهِ ؛ “لا تَمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ”.
– رعايتِها والاهتمامِ بها، ومساعدتِها في الأمورِ المنزليةِ، والتفاهُمِ على تربيةِ الأولادِ.
– أثبتَ لها حقوقًا نفسيةً كالاستماعِ والإنصاتِ لها ، للتنفيسِ عن معاناتِها، ومشاركتِها كرْبَها ومشكلاتِها، وما يُضنيها وما يُفرِحُها، وأوجبَ لها حقَّ عفافِها بإشباعِ رغبتِها الجسديةِ .
– لم يجعلْها سلعةً؛ إذا لم تَسعَدْ في حياتِها مع زوجِها ؛ فمنحَها أيضاً حقَّ طلَبِ الطلاقِ والافتراقِ .
– جعلَ لها الحقَّ في صِلةِ رحمِها ، وألزمَ رَجُلَها إنْ كان مُعَدِّدًا بالعدلِ بينَ نسائهِ.
– وفي مقابلِ إلزامِها بعدمِ النشوزِ على زوجِها، فلَها أنْ تَعصيَ أمرَه؛ إذا أرادَ منها معصيةَ اللهِ .
وكما هو مُلاحَظٌ فلم يكنْ التفضيلُ الإلَهيُّ على أساسِ الجنسِ ؛ وإنما على أساسِ العملِ والتقوى “إن اللهَ لا يُضيعُ عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أُنثَى بعضُكم من بعضٍ” .
وفي السياقِ يُجَمِّلُ التذكيرَ بحقوقِ الرجلِ على المرأةِ ؛ منها:
– الطاعةُ بالمعروفِ، والاهتمامُ به، والاستبشارُ في وجهِه، ووجوبُ صيانةِ عِرضِه وشرفِه، وهذا تكريماً لها وليس انتقاصاً لها و لمكانتِها .
– الاهتمامُ بأهلِه وضيوفِه، والأولادِ، والمنزلِ، وحُسنُ التدبيرِ وعدمُ الإسرافِ.
– حُسنُ المعاشرةِ ، وعدمُ إدخالِ بيتِه من يَكرَهُ .
– إرضاؤه بالمعروفِ ، وعدمُ الخروجِ من بيتِها دونَ عِلمِه – إلا لضرورةٍ-، وعدمُ صومِ النوافلِ دونَ رِضاهُ.
وهناك أمورٌ يجبُ الانتباهُ لها؛ من حيثُ أنّ طبيعةَ الرجلِ تختلفُ عن طبيعةِ وتركيبةِ المرأةِ من الناحيةِ النفسيةِ والتشريحيةِ :
– فالرجلُ في طبيعتِه صُلبةٌ لدَورِه العمليِّ في الحياةِ، وقويٌ، وعقلانيٌّ ، ومُجْمِلٌ ولا يهتمُ بالتفاصيلِ، وقد خُلقَ أصلاً من الأرضِ، ومن أديمِها، فَهُو مُهتمٌ بالأرضِ وعمارتِها وإنشائها وحمايتِها، والعملِ على تحسينِها.
– أمّا المرأةُ فهي ضعيفةُ الجسمِ عادةً قياساً بالرجلِ، وعاطفيةٌ، وناعمةٌ، وتهتمُ بالتفاصيلِ، وأكثرُ حساسيةً من الرجلِ، ومخلوقةٌ من الرجلِ نفسِه، فهي تحتاجُه دائماً، وتهتمُ به وتنشغلُ به.
– ومن الملاحَظِ الثابتِ كذلك؛ أنّ حاجةَ الرجلِ للمرأةِ في عمومِ الحياةِ أكثرُ من حاجتِها له؛ فهو لا يستطيعُ العملَ والعنايةَ بالأطفالِ والطبخِ، والاهتمامَ بأمورِ المنزلِ في وقتٍ واحدٍ، بينما نَجِدُ أنّ المرأةَ تستطيعُ أنْ تقومَ بكلِّ هذه الأعباءِ، وليست هذه الأمورُ مما يشُقُّ عليها .
– ونَجدُ الرجلَ في أغلبِ الأحيانِ إذا كان عاملاً؛ لا يستطيعُ العنايةَ بنفسِه وحدَه : من طبخٍ، وغسلٍ، وتنظيفٍ، وتعديلِ ملابسِه، وترتيبِ بيتِه، حتى لو كان وحدَه.
بقيَ أنْ نقولَ أنّ الإسلامَ كرّمَ المرأةَ، وحرَّرها ممّا تعرّضتْ له عبرَ العصورِ، وجعلَ منها الأمَّ التي اشترطَ رِضاها لوجوبِ رِضا ربِّ العالمينَ ، وهي الأختُ والِعِرضُ التي يَحميها الرجالُ، ويذودُ عنها أخوها بالدمِ والمالِ، وهي الزوجةُ الصالحةُ، سيدةُ بيتِها، وقُرَّةُ عينِ زوجِها. وهي المرأةُ والطبيبةُ والمعلمةُ والمربيةُ التي إنْ صلحتْ صلحَ الجيلُ بأكملِه …
كما أنّ المرأةَ المسلمةَ هي العالِمةُ والمجاهدةُ والصابرةُ ؛ لهذا لم يغفلْ الإسلامُ عن تحصينِها وحمايتِها، وفرْضِ حقوقِها في كلِّ المجالاتِ، فدَعونا ننظرُ لها بما تستحقُّ أنْ تكونَ ، لا كما يحاولُ الغربُ الترويجَ لها كسلعةِ تملكُ جسداً لا قلباً ، وتملكُ فِتنةً لا عقلاً .
وختاماً ستَرَ اللهُ بناتِنا، وزيَّنَ عقولَهُنّ بالتقوى ، وأسعدَ اللهُ أمهاتِنا وجازاهُنَّ عنا ما قدَّمْنَ لنا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى