الدين والحياة

سنة الله في إمهالِ الظالمينَ

د. ماهر السوسي أستاذ مساعد في كلية الشريعة و القانون بالجامعة الإسلامية

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد خاتَمِ الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين، والتابعين، ومن تبِعَ هداهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
فلا بدَّ أنْ نعلمَ أنَّ الحياةَ الدنيا هي دارُ ابتلاءٍ واختبار، وليست دارَ قرار، وبعد الابتلاءِ والاختبارِ تظهرُ النتائج، ويتميَّزُ المؤمنُ من الكافر، والتَّقيُّ من الفاسق.

إنَّ اللهَ تعالى خلق الناسَ في هذه الحياةِ، وبيَّن لهم طريقَ الجنةِ وطريقَ النار، وفرَّق لهم بين الحقِّ والباطل، وأمرهم باتِّباع الحقِّ واجتنابِ الباطل، وألزمهم بأحكامٍ وتشريعاتٍ، وأوامرَ ونواهي، ثم تركهم بعد ذلك (وهو الحكيم)؛ ليختاروا بإرادتِهم إتباعَ أيٍّ من الطريقين.

فمن ظلمَ وفسقَ وكفرَ فاللهُ تعالى عالِمٌ به ومُجازيهِ على ذلك، فمنهم من يعجَّلُ له عقابُه في الدنيا، ومنهم من يمهِلُه إلى الآخِرة، ومن آمنَ وعمِلَ صالحاً واتَّبعَ أمرَ اللهِ تعالى، فهو مجزيٌ بذلك أيضاً في الدنيا و في الآخرة، فظلمُ الظالمِ لن يضيعُ ويُنسى، بل هو معلومٌ ومسجَّل، وسيكونُ على الظالمِ حُجةً ووبالاً لا محالة، أمّا المظلومُ فإنْ كان مؤمناً فالظلمُ تكفيرٌ لذنوبِه وخطاياه، ورَفعاً لدراجاتِه ومنزلتِه، وتطبيقاً للابتلاءِِ والاختبارِ الذي هو من سُنَنِ اللهِ تعالى في هذا الكون، قال تعالى:  (ألم (1) أَحَسِِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) [العنكبوت].

وقال: ((وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ، أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44).

فسبحان العليمِ الخبيرِ العادل، فالإلهُ لا يكونُ إلا عادلاً، والإلهُ لا يكونُ إلا رحيماً، ويبقى الإنسانُ _مهما علِمَ وتعلَّمَ_ ظلوماً جهولا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى