كتاب الثريا

ادوار المرأة.. كيف نراها؟

في حوار مع سيدة “متحررة جداً”، أو هكذا عرّفها لي معد الأخبار في إحدى الفضائيات، دار الحديث حول أغنية شعبية لبنانية جديدة، ولأنني لا أستمع لمثل هذه الأغاني؛ طلبت منه أن يعرّفني على هذه الأغنية.. كلماتها ومعانيها، عن أي شئ تتحدث، ففعل مشكوراً. واتضح لي أن الأغنية تتحدث عن المرأة ودروها الأهم في الحياة؛ ألا وهو المنزل، وخدمة زوجها ومنح الحب والعاطفة له ولأبنائها، وأن البيت هو المكان الوحيد الذي خُلقت المرأة من أجله.

وبدأت “المتحررة جداً” الحديث في المقابلة، وأخذت تندب حظ النساء، وتتباكى على مستقبلهن من هذه الردة الجديدة في القرن الواحد والعشرين؛ لدرجة أنها تحسرت على سنوات العز في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وعرّجت على معاناة المرأة العربية ومستوى الامتهان الذي وصلت إليه.

وأكدت أن المرأة العربية مستهدفة بالظلم والعنف وتكريس التبعية للرجل، وأن الثقافة الذكورية التي تسود المجتمعات العربية هي أصل المشكلة، وعلى المرأة أن تتمرد وترفض هذا الواقع، ومثّلت على ما تقول بقضية تأنيث الفقر؛ وأن غالبية الفقراء في العالم هم من النساء، وأن مشاركة المرأة لا زالت شكلية وفي المجالات الدنيا من الوظائف والمناصب.

قد يرى البعض أن جزءاً مما  قالته صحيح، وأنها شخّصت واقعاً موجوداً، نعم قد لا يكون بيننا اختلاف كبير في تشخيص الواقع، ولكن الاختلاف الأكبر بل المفارقة بيننا في الرؤية والمنهج سواء فى التشخيص أو المعالجة.

فالنساء العربيات يعانين من مشاكل كبيرة وتحديات صعبة، نعم ولكن هل المرأة العربية وحدها من يعاني؟ أم أنها جزء من  حالة  وأن كل ما هو عربي يعاني؟ فالرجل العربي يعاني والتعليم والصحة والقضاء والطفل….الخ، وبالتالي فالنهوض بالمرأة العربية لا يتم بالتعامل معها كوحدة معزولة عن غيرها، أوبتمحورها حول ذاتها  ومصالحها بما يعرف بمفهوم النسوية ( الفيمنزم)،

فما قيمة أن تتقدم المرأة  في واقع متخلف، أو أن يتكاثر عدد النساء في المناصب العليا في ظل نظام قائم على الاستبداد وغياب الحريات، في ظل مجتمع  يقع تحت نير التخلف والفقر والتبعية.

نحن نريد تحسين أوضاع النساء، ولكن في إطار رؤية شاملة لتحسين أوضاع المجتمع، فالنهوض بالمرأة يكون من خلال النهوض بكل مكونات المجتمع، ومن خلال دعم الأسرة كوحدة بناء لهذا المجتمع، وفي هذا السياق نقيس المصالح والمفاسد؛ لا على أساس مصلحة المرأة وحدها، ضاربين بعرض الحائط نتائج ذلك على بناء الأسرة وتماسكها، وعلى الأبناء ومصلحتهم.

ثم إننا نريد توسعة مشاركة المرأة، ورفع مستواها، ولكن ليس على أساس التناقض مع قيم ديننا العظيم، وتقاليدنا التي نعتز بها، أعلم أن بعض ما تعاني منه النساء ليس من الدين، بل هو موروث ثقافي يجب التخلص منه، ولكن ليس كل ثقافتنا وعاداتنا سيئة، بل إن كثيراً من موروثنا الاجتماعي والثقافي هو نتاج حضارة نعتز ونفتخر بها.

كما أن البيت ليس شراً ولا سجناً للنساء، وليس الخروج منه إلى العمل ومزاحمة الآخرين هو الخير المطلق، نعم بإمكان المرأة أن تمارس العديد من الأدوار، والدين لم يحرَم على المرأة أن تكون في أي مهنة أو منصب طالما التزمت بحدود الشرع في ملبسها وسلوكها وحفظت نفسها.

ولكن من الذي أعطى نفسه الحق في وضع معايير الجودة لأدوار النساء؟ فاعتبر العمل داخل المنزل والانشغال بتربية الأجيال والمحافظة عليهم وخدمتهم من الأعمال الوضيعة؟ وأنه ليس ذو قيمة في الدخل القومي، بينما عمل المرأة في مصنع أو مشغل أو شركة هو العمل الأرقى، والمكان الأليق بالمرأة، أو أنه هو المشاركة الحقيقية.

من الذي يملك حق المفاضلة؟ ومن الذي قرر أن الأعمال والجهود التي يقوم عليها بناء المجتمعات فقط هي الأعمال المقدرة مادياً، أي مدفوعة الأجر؟ ومن الذي قال أن الجهد العظيم والنبيل الذي نبذله في تربية أبنائنا، وفي منحهم من الحب والرعاية وتوريثهم القِيَم غير مُعتبر وغير محسوب أو مقدر؟!

وعليه يجب مراجعة هذه المعايير لأنني اعتقد أنها السبب الأهم في تعاسة النساء، وأن أصحابها يستهدفون استغلال النساء واستعمالهن كسلعة ترتفع قيمتها كلما تبذلت.

كما إننا يجب أن نعيد تقييمنا لدور ووظيفة المرأة داخل الأسرة، ويجب أن ندعمها ونرتقي بها ونحصنها ونعلمها وندربها؛ لتقوم أولاً بهذا الدور على أكمل وجه، وهو الجزء الأهم والأخطر في بناء المجتمعات ونهضتها؛ وليس لتتنكر له أو تخجل منه وتتمرد عليه، وثانياً لكي تشارك بمساحات مختلفة في باقي الأدوار خارج البيت.

لم استمع ولن استمع للأغنية، لذا لا أدري كم سأتفق أو اختلف مع كلماتها، ولكنني على يقين أن واقع المرأة العربية لن تغيره أغنية ولا آلاف الأغنيات، بل ستغيره نية صادقة وجهود مخلصة وعقول نيرة تستمد رؤيتها من الشريعة السمحاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى