شجار الأزواج على الصغائر.. عواصف تقتلع أشجار الحب

في كل بيت تجد قصة وحكاية مختلفة، أبطالها زوجان، ينسجون تفاصيل حكاياتهم بأيديهم، تتعالى أصواتهم وتنخفض حسب طبيعة الموقف، يتشاجران لأتفه الأسباب يتهم كل واحد منهما الآخر أنه السبب والمقصر من وجهة نظره، فهو لا يُقدّر تعبها وعملها في البيت وخارجه، ويسخر منها أمام الآخرين، ويقلل من شأنها، وهي ترفع صوتها في وجهه، وتتذمر من خروجه وسهره خارج البيت، وتفشي أسراره لأهلها.
بين هو وهي كانت لـ “السعادة” وقفة مع الأزواج لتستمع لشكواهم على مواقف بسيطة وتافهة تتحول برغبتهما إلى مشكلة ليس لها أول من آخر.
تحقيق : مريهان أبو لبن
وقفت بجوار أحد الجدران القريبة منها، تتكيء عليها، واضعة يديها على رأسها، تبكي بحرقة وندم، والدموع تنهمر من عينيها كشلال، تتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة، وحولها نساء يحاولن تهدئتها دون جدوى منهن. إنها “م.ر” كانت تقف أمام أبواب أحد المحاكم، اقتربت “السعادة” لتعرف حكايتها، لكنا من هول المشهد وقفنا بعيداً في انتظار أن تهدأ نوعاً ما، وفهمنا ممن حولها أنها طُلّقت من زوجها لأسباب تافهة، فكانت والدتها تبكي حال ابنتها التي لم تتجاوز الثلاثين من العمر، فهي ما زالت في ريعان الشباب.
دوامة من المشاحنات
اقتربنا بكل هدوء منها وأخذنا نخفف من روعها ونصبرها ببعض الكلمات، بينما كانت تقول: “لا اعرف لماذا وصل الأمر إلى الطلاق، كان الخلاف على أمور بسيطة ولكنها تعكر جو البيت، وتؤثر عليّ بشكل كبير؛ تُفقدني أعصابي؛ وأُصاب بحالة هستيرية لأتلفظ بعبارات وكلمات لا داعي لها، لندخل أنا وهو في دوامة من المشاحنات والمشاجرات”.
وهنا تدخلت “السعادة” في الحديث، وجلسنا جانبها وأخبرناها أننا نريد التحدث معها عن سبب طلاقها من زوجها، فقالت بصوتها الرقيق الذي امتزج بالحزن والألم: “لم يحدث بيننا أمر جوهري بل كانت أمور بسيطة فعندما أتأخر في تحضير الغداء أو العشاء يتهمني بالتقصير، وإذا طلبت منه زيارة صديقة لي يمنعني، لتتراكم المشاكل وتتعالى الأصوات فجأة، وتستمر حياتي على هذا المنوال، فأصبحت فجوة بيننا وفتور في علاقتنا من المشاكل فقررنا الانفصال”.
وتمتنع عن الحديث وتعود إلى البكاء لتقول :”إنها كيف كانت تتحمل كي تسير سفينة الحياة”، لأنها ترغب في المحافظة على بيتها وتكوين مملكة ملؤها الحب والحنان، وللأسف دُمّرت المملكة قبل أن تولد”.
وتخبرنا والدتها: “كان يتأخر خارج البيت، وإذا سألته عن سبب تأخيره تبدأ مشكله جديدة”. وتقاطع (م.ر.) والدتها قائلة: “ليس من اختصاصي أن أسأله شيئاً! فهذا أمر يعود له.
وتصارح “السعادة” قائلة :”طلقت بسبب تافهات لا أكتر ولا أقل ولكنها كانت تأخذ من صحني الكثير”.
هفوات وتفاهات
سرد على لسانها
ومن حكاية لأخرى نصل إلى ميادة، التي تتهم زوجها أنه يختلق لها المشاكل على أتفه الأمور والأسباب، ولا يراعي وجود الأطفال، أو أن يسمع أحد الجيران صوته، فتقول:”قد تكون أخطاء أو هفوات؛ أتجاوزها إذا حدثت مرة واحدة، لكن في حال تكرارها والإصرار عليها؛ فإنها تتحول من مشكلة بسيطة إلى مشكلة تتعالى فيها الأصوات؛ الأمر الذي يؤثر سلباً على استقرار الأسرة بكاملها”. اقتباس
وتشكو ميادة من زوجها أنه لا يتذكر أي مناسبة خاصة بها، ولا يكلف نفسه أن يجلب لها هدية، مما تؤثر في نفسيتها، وعلى أي مشكلة بسيطة تحدث تجد نفسها تنفجر رغماً عنها، وحينما تفاتحه في الموضوع يبرر موقفه بأنه كثير النسيان”.
وتتابع:” كثيراً ما كان يتركها في البيت ويسهر مع أصحابه، وعبرت له أكثر من مرة عن انزعاجها على أمل أن يتغير، ويقلع عن تلك العادة، ليعود إليها مرة أخرى وهكذا، وإذا وجدها تتحدث على التليفون يتهمها أنها لا تحترمه ولا تقدر وجوده في البيت”.
فيما تصف ماجدة تذمرها الشديد من زوجها حين يقدم على ممازحتها مزاحاً ثقيلاً فيه سخرية أمام أهلها، فبعد أن يذهبوا تلفت انتباهه إلى ذلك، فيعدها أن لا يفعلها مرة أخرى، لأنه يجرح كرامتها ويهينها، ويبرر لها إنه من باب المزاح، لكنه لا يلتزم بما وعد، ويكرر نفس الخطأ مما يفقدها أعصابها، وتبدأ المشاكل بينهما، وينقطعا عن التحدث مع بعضهما لفترة تتجاوز الشهر أحياناً”.
وتضيف :”أحيانا لا يهتم بأهلي، ويخرج من البيت عند حضورهم لزيارتنا، فأصاب بخجل منهم وعند عودته اتهمه أن فعلته هذه تقلل من احترامه لي ولأهلي، لكنه يعتبر أن الأمر عادي، فأشعر بالاستفزاز والحرج، ولا يمر الموقف إلا بمشكلة لها تبعاتها”.
صفة ملتصقة بزوجتي
واستمعت “السعادة” للأزواج فكانت الزوجة هي المتهمة هذه المرة، فيقول منصور (موظف متزوج، منذ خمس سنوات ولديه أربعة أطفال): “أشعر بالاستفزاز والضيق من زوجتي عندما يرتفع صوتها أثناء الحديث أو المناقشة في موضوع ما؛ لتتحول الجلسة إلى معركة بيننا، لذلك أتجنب التحدث معها في أي شيء، فتتهمني أنني لا أشاركها الرأي ولا أهتم بها، فأشرح لها سبب ذلك، وتعدني أن تخفض صوتها، لكنها لا تتغير فهي صفة ملتصقة بها، وأحيانا إن تمادت أفقد أعصابي وأنهال عليها بالضرب”.
ويتمنى منصور أن تتفهم زوجته وتتكيّف، ولا تقف عند كل صغيرة وكبيرة، “فالحياة تحتاج منا النفس الطويل، والتحايل على المواقف كي نصل إلى بر الأمان؛ كي نعيش حياة هادئة خالية من المشاكل”.
بينما يتذمر عبد الرحيم، (متزوج وأب لطفلين)، من صفات زوجته “الشكاكة”، وكثيرة الانتقاد، والتي تحاول فرض سيطرتها عليه، فيقول: “إذا كلمت إحدى قريباتي تتهمني أنني معجب بها، وإذا مدحت فلانة تظن أنني أريد أن أتزوجها، وعندما أفعل شيء كأن أرتب البيت تنتقدني وتقول: “لو لم تفعل أفضل”، وإذا اشتريت لها شيء دون أن أخبرها تعترض؛ وتبدأ الاتهامات تسقط على كزخات المطر، بأني لا أحترم رأيها وأسبب لها المشاكل وأريد أن أتعب أعصابها”.
ويبين أنه تعب من كثرة التوضيح لها وملّ المشاكل: “كلها أمور تافهة لكنها تسبب فجوة بيني وبينها لأعود لاعتذر لها، وبدلاً من أن تعترف بأخطائها؛ تتهمني بأنني سبب تعاستها ونكدها، ولأنني أحبها أتحملها وآتي على نفسي كثيراً من أجل استمرار الحياة”.
فيما يعترض حسام عبيد على أفعال زوجته فيقول:”إذا غيرت ديكور البيت دون أن أشاورها لأفاجئها تعترض وتتذمر وكأني ارتكبت جريمة، فأشعر بضيق ونكد من تصرفها، وفي حال طلبت منها أن تفعل لي شاي أو فنجان قهوة، تفعلها بتذمر وتتمتم بكلمات ليتحول طلبي إلي مشكلة، وأتنازل من أجل محافظتي على بيتي وأولادي.”
الأسباب العريضة
وفي لقاء لـ “السعادة” مع الأخصائية النفسية آمال شويدح، أوجزت الأسباب العريضة التي تهدد أمن الحياة الزوجية، إلى غياب الاحترام بين الأزواج، وضعف الثقافة الأسرية بينهما، وعدم المعرفة بالحقوق والواجبات، وانشغال الزوج عن أسرته والزوجة في أمور خارج نطاق بيتها، والمبالغة في الغياب عن البيت، والغيرة الشديدة غير المبررة من أحدهما، وتدخل أطراف خارجية بشؤون الأسرة، وعدم التفهم لخصوصية الحياة للأسرة الممتدة، وأحياناً المشاكل المادية لها دور نسبي.
وتضيف: “من الأخطاء التفصيلية التي بدورها تتراكم وتصبح مشكلة بين الزوجين، هي المقارنة بين الأزواج كأن يقارن كل من الرجل والمرأة شريكه بآخر، فتقول الزوجة: زوج أختي يعمل كذا ويحضر كذا لزوجته، أو زوج صديقتي جلب لها هدية بمبلغ وقدره، وكذلك الرجل”.
وحسب الأخصائية فإن هذه من أعظم الأخطاء التي نراها صغيرة لكنها مصدر كبير لمعظم المشاكل الزوجية.
من جهتها تصف الأخصائية علا النوري، أن هناك نوع من المشكلات قد يحدث بسبب جهل أحد الطرفين بطريقة المعالجة للمشكلة، وتقول: “على الزوجين أن يقتنصوا الوقت والمكان المناسب في نصح الآخر ومناقشته بكل هدوء، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة “.
وترى النوري أن بعض المشاكل قد تحدث بسبب اللوم وكثرة العتاب، وهنا ينبغي لكلا الزوجين أن ينصت للآخر ويحترم رأيه، وينتظر بعد أن يمتص غضبه، ثم يبدأ في تبرير موقفه وتصحيح الفكرة الخاطئة لدى الطرف الآخر إن كان صائباً.
حياة زوجية دافئة
وتلفت شويدح إلى أمر في غاية الأهمية يقبل عليه الكثير من الأزواج، وهو السخرية من الزوجة أمام الآخرين، فيذكر الزوج مواقف لها لكي يضحك الآخرين منها، ويعتبرها البعض أمر بسيط، والحقيقة أن لهذه الظاهرة مردود نفسي خطير على الآخر، ومن أشكال ذلك أن يذكر أحد الزوجين خصوصيات الآخر أمام الأصدقاء أو الأهل، مثل طريقة معينة في أكله أو نومه، فيكون الأمر في البداية مضحكاً يتطور إلى عتاب ومن ثم مشاكل لا حدود لها.
وتتفق كلاً من شويدح والنوري، في أن العناد والتذمر والوقوف على كل موقف صغيراً وكبيراً سيؤدي إلى القلق والتوتر الدائمين في الأسرة، وسيجعل جو المشاحنات هو السائد، وستتأثر كل جوانب الحياة الزوجية تلقائياً، “فالحياة القائمة على التوتر والحذر ليست علاقة زوجية دافئة ومريحة”.
وترى النوري أن تراكم المشاكل يُحولها مع الزمن إلى أشياء كبيرة، والمشكلة أن كلا الزوجين قد لا ينتبه إلى تأثير الأخطاء البسيطة على الطرف الآخر، ويصبر أحدهم ما شاء الله له أن يصبر، ليفاجأ الناس بعد سنوات بأن الزوج طلق زوجته، أو أن الزوجة تطلب الطلاق لأسباب قد تبدو تافهة وغير مقنعة، إلا أنها في حقيقتها تراكمت وعظمت وتجاوزت القدرة على الاحتمال.
وتنوه علا النوري أن خطورة ارتكاب الأخطاء البسيطة بين الزوجين، تتمثل في أنها قد تؤدي إلى مشاكل تقود إلى إنهاء العلاقة الزوجية، وأن الإصرار على تكرار الخطأ سببه عدم التفاهم بين الطرفين، وهو يُعد مؤشراً إلى عدم التوافق والتكيف مع الجو الأسري الذي يعيشان فيه، وقد يكون سلاحاً تدافع به الزوجة عن نفسها أمام قوة الرجل، وعدم قدرتها على المواجهة الصريحة لبعض السلوكيات التي لا تتوافق مع مشاعرها وأحاسيسها، وقد يكون انتقاماً لكرامتها، أو نتيجة للبيئة الاجتماعية التي نشأت فيها.
ومن خلال التجارب التي مرت؛ تؤكد شويدح أن المشاكل الزوجية تؤثر على التحصيل الدراسي والتكوين النفسي عند الأبناء، وكذلك على النوم، “فربما تؤدي الخلافات الزوجية إلى اضطرابات النوم عندهم، وستؤثر الخلافات والمشاحنات مستقبلاً عليهم، ويصبحون متشاحنين”.
وتوضح أن الوالدين هما مصدر الأمان العاطفي للأسرة، وهما ركيزة العطاء والتربية السليمة لإنشاء جيل سليم واعي مثقف قادر على اتخاذ القرار، وفي حال عاشت الأسرة في جو مليء بالمشاحنات والمشاكل بشكل مستمر، سيؤثر بالسلب على الأبناء.
وتتساءل الأخصائية: “كيف سيمنح الزوجان المتشاحنان أبناءهما الأمان؟ فأي خلل في علاقتهما سيؤدي إلى توتر في صحة الأبناء النفسية، لأن المصدر يعاني فكيف سيمنح؟”.
التوافق والانسجام
وحول كيفية تحول الأخطاء الصغيرة إلى معول يهدد استقرار الحياة الزوجية؟ تقول شويدح: “إذا كان أحدهما يتصف بالعناد المستمر والاعتراض على كل كبيرة وصغيرة، يجب مناقشته ووضعه أمام نفسه، وأن يشرح له شريكه خطورة ما سيؤول إليه الحال، وأن هذه حياة الدهر وليست صحبة عابرة، وترسيخ هذا المفهوم مراراً وتكراراً، وتجنب التعنيف، وكثرة الاحتواء والمناقشة الايجابية ستغير من الكثير طباعه”.
نصائح
وحول النصائح التي تقدميها للأزواج تقول شويدح: “عليهما بالحوار الجيد الهادئ بعيداً عن أجواء الغضب بعد انتهاء المشكلة، والتزام الصمت قدر المستطاع وكظم الغيظ عند الغضب، والابتعاد عن مناقشة المشاكل في وجود الأبناء، ومحاولة حل المشاكل داخلياً، وعدم تصدير أسرار البيت للأهل والأصدقاء، والتعامل مع المشكلة بحجمها الطبيعي، وعدم نقل مشاكل العمل للبيت والعكس، والصراحة والتحلي بالصدق، والابتعاد عن مقارنة الأزواج بعضهم للآخرين لأن هذه مشكلة خطيرة، وعند التفكير بسلبيات الآخر يجب إحضار التفكير في ايجابياته أيضاً.
وتؤكد كلاً من الأخصائية النفسية والاجتماعية في نفس السياق أنه على الزوجين أن يتجاوزا صغائر الأمور وتافهات المواقف، وأن يحتوي كل منهما الآخر، “فالأزواج خاصة الجدد يتصورون في أحلامهم الوردية أن التوافق والانسجام سيرفرف على حياتهما الزوجية، ليصطدم أحدهما بالآخر، فعلى كل من الزوج والزوجة أن يقدر الاختلاف، فلا يوجد تطابق في شخصيات البشر، لكن الحوار البسيط سينهي أي خلاف، وكذلك احتواء المواقف في لحظتها لمن يستطع أن يسيطر على نفسه، والمحب يجب أن يتنازل ويصفح. هذه قاعدة نفسية زوجية ينبغي إتباعها لاستقرار الحياة الزوجية”.