تربية الأبناء في عصر التحديات

بقلم: هناء أبو دية
التربيةُ هي المسئولُ الأولُ عن تنشئةِ الجيلِ؛ حيثُ يصلُحُ بصلاحِها ويَفسدُ بفسادِها؛ وبالتالي إنْ أردْنا جيلاً صالحاً ونافعاً؛ فلابدَّ من الاهتمامِ بتربيتِه أولاً .
وتربيةُ الأجيالِ وإعدادُهم في جميعِ المجالاتِ من القضايا المهمّةِ التي تشغلُ اهتماماتِ التربويينَ على مرَّ العصورِ، وإنّ الحاجةَ إليها في هذا العصرِ؛ لَهِي أشدُّ وأعظمُ ممّا مضَى؛ نظرًا للانفتاحِ على العالمِ الغربيّ؛ حتى غدا العالمُ كلُّه قريةً واحدةً؛ ما تَسبّب بواقعٍ أليمٍ يُشكِّلُ في الحقيقةِ تَحدّياً حقيقيا يواجِهُ الأُمةَ الإسلاميةَ؛ لذلك فإنّ إعدادَ الأجيالِ يَلزمُه هِمّةٌ عاليةٌ، وعزمٌ حديدٌ من المُربّينَ لتَخريجِ أبناءٍ صالحينَ لأُمتِهم؛ يرفعونَ رأسَها شامخاً بينَ الأُمم.
وهذا ما دفعَ إلى تسليطِ الضوءِ على بعضِ التحدياتِ التي تُواجِهُ المُربِّينَ في تربيةِ الأطفالِ، والآمالِ المَرجُوَّةِ لصناعةِ طفلٍ يَحملُ همومَ الأُمةِ، ويحقّقُ آمالَها بإذنِ الله.
إذا نظرْنا في حقيقةِ التربيةِ؛ وجدناها تَطلُّعاً للمستقبلِ من أجلِ أجيالٍ نصنعُها في الحاضرِ، وهذه الأجيالُ تشملُ كلَّ أبناءِ الأُمةِ؛ لقيادةِ جوانبِ الحياةِ بأشكالِها المختلفةِ؛ وهم الساسةُ، ورجالُ الاقتصادِ، والعلماء، والمفكرينَ، والأدباءُ، والأطباءُ، والمهندسينَ، وصُنّاعُ الحياةِ.
ومن أبرزِ الأُسسِ التي تُشكِّلُ الأثرَ الأكبرَ لتربيةِ الأجيالِ في العصرِ الحالي؛ قولُ علي بنِ أبي طالب كرّمَ اللهُ وجهَه:”لا تُربُّوا أبناءَكم على عاداتِكم؛ فإنهم خُلِقوا لزمانٍ غيرِ زمانِكم”.
وهذا يُدلّلُ على أنّ أساليبَ التربيةِ الماضيةِ لا تتناسبُ مع أطفالِ العصرِ الحاضرِ، ومن المُهمِ تربيتُهم لأنَّ:
هؤلاءِ الرعيةَ التي استرعانا اللهُ تعالى عليها ، لقولِه صلى الله عليه و سلم: “كُلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيّتِه“(صحيح مسلم ) ، وسوفَ نُسألُ عنهم حينَ نقفُ بينَ يدَي اللهِ عزّ وجلّ.
ووسائلُ الإعلامِ بشَتّى أنواعِها؛ تجعلُ أبناءَنا يعتمدونَ بأنفسِهم على اكتسابِ ما يريدونَ من معلوماتٍ؛ والإجابةَ –بأنفسِهم- على تساؤلاتٍ كثيرةٍ قد تَدورُ في أذهانِهم الغَضَّةِ ، وفي هذا خطورةٌ تربويةٌ ونفسيةٌ كبيرةٌ؛ لأنّ الطفلَ يعرفُ ما لا ينبغي أنْ يعرفَه، ويدركَ أكثرَ مما ينبغي له أنْ يُدركَه .
كما أنّ الإنسانَ في مرحلةِ الطفولة – التي تُعَدُّ مرحلةَ بناءِ المعارفِ وتأسيسِ القيمِ – يستمدُ_ في الأغلبِ_ خبراتِه ومعارفَه عن طريقِ حاستَي البصرِ والسمعِ، ومن ثَم تبقَى المادةُ الإعلاميةُ المصوّرة في مقدّمةِ ما يَجذبُ انتباهَ الأطفالِ، وتعودُ هذه الجاذبيةُ إلى أنّ آلياتٍ فسيولوجيةٍ معيّنة في العينينِ والأذنينِ والدماغِ تستجيبُ للمثيراتِ المُنبعثةِ على شاشةِ التلفزيون؛ بصرفِ النظرِ عن المضمونِ المَعرفي للبرامج؛ لذا فإنّ التلفزيون يأخذُ وقتاً طويلاً من حياةِ الطفلِ.
وفي نظرةٍ سريعةٍ على واقعِ تربيةِ النشء الحالي؛ نَجدُ مجموعةً من الملاحظاتِ منها:
عدمُ مُبالاةِ المربّينَ بتربيةِ الأطفالِ؛ حيثُ تنشغلُ الأُم.. و ينشغلُ الأبُ.. في أشياءٍ لا تُعدُّ أساسيةً في كثيرِ من الأحيانِ.
أصبح الطفلُ يتربَّى على وسيلةِ الإعلامِ؛ وخاصةً التليفزيون، ومعظمُ الأطفالِ لا يُشاهدونَ من برامجِ التلفزيون إلّا المسلسلاتِ والبرامجَ الترفيهيةَ فقط، ولكنْ إذا جاء برنامجٌ دينيّ يُغلِقُه!.
بالإضافةِ إلى أنّ أصدقاءَ الطفلِ في الشارعِ ، في المدرسةِ ، يختارُهم و يُحدِّدُهم ويعيشُ معهم دونَ أنْ يعِي الآباءُ والأمهاتُ هذا الشيءَ ، وإذا لم يُراقِبْ الآباءُ الصُحبةَ؛ فقد يزيدُ الأمرُ سوءاً، وينتهي الطفلُ بمجردِ وصولِهِ إلى سنِّ الحاديةَ عشرةَ، فيرفعُ الأبُ والأمُ يدَيهِما استسلاماً، ثم يتساءلونَ هكذا تَربَّى.. ماذا نفعلُ به ؟!
هذا يقودُنا إلى معرفةِ ماهيّةِ أدوارِ الأسرةِ في تربيةِ الأجيالِ:
إنّ أولَ قلعةٍ يحتمي بها الطفلُ هي الأسرةُ، فالصبيُ أمانةٌ عندَ والدَيهِ، وقلبُه الطاهرُ جوهرةٌ نفيسةُ، فإنْ عوَّدُوه على الخيرِ، و علَّموه نشأَ عليه.. و سعدَ في الدنيا و الآخِرة.. وإنْ عوّدوه على الشرِّ، و أُهمِل إهمالَ البهائمِ؛ شقيَ و هلكَ، كما أننا إذا أردْنا أنْ نزرعَ نبتةً؛ فإننا نقومُ بغرسِ بذرتِها الآنَ، ونظلُّ نسقيها، ونعتني بها كلَّ يومٍ؛ من أجلِ الحصولِ على ثمرةٍ حلوةٍ؛ تلذُّ لها أعينُنا وتستمتعُ بها أنفسُنا.
ونسرد هنا يعض التحدياتِ التي تواجِهُ المربّينَ في تربيةِ أبنائهم وهي :
تَعدُّدُ مصادرِ التربيةِ، والحالةُ الاقتصاديةُ الصعبةُ لكثيرٍ من الآباءِ؛ تُقلِّلُ من فتراتِ التحاورِ بين الآباءِ و الأبناءِ؛ و بالتالي عدمِ القدرةِ على القيامِ بالدورِ التربويّ كما ينبغي .
كذلك صعوبةُ المتابعةِ لمصادرِ المعلوماتِ نظراً لتَعدُّدِ مصادرِها، وجهلُ معظمِ الآباءِ بأساليبِ التعاملِ مع الأبناءِ في المراحلِ المختلفةِ، حيثُ أنّ أساليبَ التربيةِ للأولادِ تتعدّدُ؛ حسبَ اختلافِ السنِّ والبيئاتِ والمفاهيمِ الاجتماعيةِ، بالإضافةِ إلى تعدُّدِ المُنشآتِ المجتمعيةِ؛ يضافُ إلى ذلكَ تركيزُ المربّينَ في المدارسِ على التعليمِ دونَ التربيةِ، واهتمامُ أولياءِ الأمورِ بدرجاتِ الطلبةِ، وتحصيلِهم العلميّ على حسابِ السلوكِ والقيَمِ.
وهناكُ بعضُ القواعدِ المهمّةِ في تربيةِ الأجيالِ، نَذكرُ منها:
ضرورةُ معرفةِ قاعدةِ التأديبِ من الآباءِ، والإصلاحِ من ربِّ الأرضِ والسماءِ، فلا بأسَ أنْ يأخذَ الآباءُ بكُلِ أسبابِ التربيةِ المباحةِ، ولكنّ البأسَ في اعتمادِهم لهذه الأسبابِ ثِقةً بها، واعتماداً على قوّتِها وشأنِها.
ويجبُ أنْ نَعيَ أنّ الطفلَ (كالإسفنجِ) في شُربِ المياهِ؛ يتشرّبُ ما يراهُ، ويبدأُ هذا التشرُّبُ في سنٍّ مبكرةٍ جداً، وهو ليس مقتصراً على الأقوالِ فحسْب؛ بل يتعدَّى إلى الأفعالِ، والأحوالِ، والحركات، والمشاعر، والانفعالاتِ، والمَشاهدِ التي يراها الطفلُ.
وعلينا أنْ نَصِلَ بالطفلِ إلى غايةِ التوازنِ في التعاملِ مع الآخَرين، مع مراعاةِ نفسيةِ الطفلِ وتقلُّبِها في كلِّ وقتٍ وحين.
وخلاصةُ القولِ: إنّ أطفالَ اليومِ هم جيلُ المستقبلِ، وقادتُه ومستقبلُه، ولن يصبحَ لهم تأثيرٌ أو قدرةٌ على الإصلاحِ، والتجديدِ، والبناءِ، وتحقيقِ آمالِ أُمتِهم، ما لم نُحسِنْ تربيتَهم في السنّ الذي يَقبلُ التشكيلَ من خلالِ جهدِ المُربّي الجادِّ والمخلصِ”.