سنية إيقاظ الناس لصلاة الفجر

بقلم: أ.د. سلمان الداية- عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة
إنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَان، وَخَيْرُ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الصَّلَاةُ؛ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِيْنِ المُسْلِمِ، مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا قَامَ عَمُودُ دِينِهِ، وظَهَرَ بُرْهَانُ إِيْمَانِهِ، وَسَطَعَ نُورُ إِحْسَانِهِ.
الصَّلَاةُ وَصِيَّةُ اللهِ لِأَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مَرْيَمُ:31].
وَالصَّلَاةُ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي وَدَّعَ عَلَيْهَا أُمَّتَهُ، فَقَالَ: (الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). [صحيح لغيره، أخرجه: أحمد/مسند].
وَالصَّلَاةُ مَوْعِظَةُ الْأَنْبِيَاءِ لِأَهْلِيهِمْ، قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ♠: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مَرْيَمُ:55]، وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارَاً عَنْ لُقْمَانَ ♠: ﴿يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لُقْمَانُ:17]، وَقَالَ تَعَالَى يَأْمُرُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه:132].
وَالصَّلَاةُ خَيْرُ عُدَّةٍ نَتَبَلَّغُ بِهَا الخَيْرَ، وَنَدْفَعُ بِهَا الشَّرَّ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الْبَقَرَةُ:153].
فَمَا أَحْسَنَ أَنْ يَتَذَاكرَهَا النَّاسُ، وَيَتَعَاوَنُوا عَلَى أَدَائِها؛ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ كُلَّهَا وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ). [أخرجه: مسلم/صحيحه].
قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا. [النووي/شرحه على مسلم].
وَقَالَ رحمه الله: يُسْتَحَبُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ لاسيما إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [الْمَائِدَةُ:2]. [النووي/المجموع].
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِيقَاظِ النَّائِمِ لِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَفْرُوضَةِ، وَلَا بِخَشْيَةِ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ بَلْ يُشْرَعُ ذَلِكَ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَإِدْرَاكِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ. وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْوَاجِبِ، مَنْدُوبٌ فِي الْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا، لَكِنْ مَانِعُهُ سَرِيعُ الزَّوَالِ، فَهُوَ كَالْغَافِلِ، وَتَنْبِيهُ الْغَافِلِ وَاجِبٌ. [ابن حجر/ فتح الباري (2/ 487)].
وعَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ, ثُمَّ نِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ, فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: “الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ”, فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ, قَالَ: وَأَظُنُّ الرَّجُلَ عُمَرَ رضي الله عنه فَصَلَّى بِنَا، وَقَالَ: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَحْبَبْتُ أَنْ يُصَلُّوا هَذِهِ الصَّلَاةَ هَذِهِ السَّاعَةَ). [الطحاوي/ شرح مشكل الآثار].
وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، يَقُولُ: “الصَّلَاةُ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الْأَحْزَابُ:33]. [صحيح، أخرجه/الحاكم/مستدركه على الصحيحين].
وعَنْ مُسْلِمِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إِلَّا نَادَاهُ بِالصَّلَاةِ، أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ». [ضعيف، أخرجه: أبو داود/سننه].
وعَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ, عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أن يصلي، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلاَةِ، يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ , ويَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾. [صحيح، أخرجه: مالك/ الموطأ].
وَفِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ ♫ فِي حَادِثَةِ مَقْتَلِ عُمَرَ رضي الله عنه: “خَرَجَ عُمَرُ يُوقِظُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ…”.
وعَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصُّبْحِ وَفِي يَدِهِ دُرَّتُهُ يُوقِظُ بِهَا النَّاسَ…”. [أخرجه: البيهقي/ السنن الكبرى].
وَرَوَى ابنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابنِ الْحَنَفِيَّةِ رحمه الله قَالَ: “وَاللَّهِ إِنِّي لَأُصَلِّي اللَّيْلَةَ الَّتِي ضُرِبَ عَلِيٌّ فِيهَا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، … إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَجَعَلَ يُنَادِي: أَيُّهَا النَّاسُ، الصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ”. [الطبري/ تهذيب الآثار].
وعن مُوسَى بنِ بَشَّارٍ رحمه الله قَالَ: صَحِبْتُ مُحَمَّدَ بنَ وَاسِعٍ رحمه الله مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ أَجْمَعَ يُصَلِّي فِي الْمَحْمَلِ جَالِسًا يُومِئُ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً، وَكَانَ يَأْمُرُ الْحَادِي يَكُونُ خَلْفَهُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى لَا يُفْطَنُ لَهُ، وَكَانَ رُبَّمَا عَرَّسَ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَنْزِلُ فَيُصَلِّي فَإِذَا أَصْبَحَ أَيْقَظَ أَصْحَابَهُ رَجُلًا رَجُلًا فَيَجِيءُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ». [أبو نعيم/حلية الأولياء].
وَعَلَى ضَوْءِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ؛ فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَبْنَائِنَا الشَّبَابِ مِنْ تِطْوَافٍ فِي أَحْيَائِهِم عِنْدَ أَذَانِ الفَجْرِ وَبَعْدَهُ يُوقِظُونَ النَّاسَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ؛ فَهُو سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بِبِدْعةٍ.
وَأَنْصَحُ أَنْ تَكُونَ وَسِيلَتُهُمْ إِلَى ذَلِكَ قَوْلهم: (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّومِ) أَوْ (الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ).
وَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الطُّبُولِ وَالْغِنَاءِ وَالْأَجْرَاسِ وَسِيلَةً إِلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ ذلِكَ عَبْرَ الْمَآذِنِ، وَلَا مِنَ الْمُؤَذِّنِينَ.
وَحَبَّذَا أنْ يَمْتَدَّ هَذَا الْجُهْدُ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى، وَأَفْضَلُ الزَّادِ الصَّلَاةُ، وَخْيَرُ مَا نَعُدِّهُ لِدَفْعِ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ الصَّلَاةُ.