الزجاجُ المغَشي تُحفةٌ فنيةٌ تزيِّنُ الديكوراتِ الحديثةَ

إعداد: ابتسام مهدي
في محلٍّ صغيرٍ؛ لا يتّسِعُ حتى للحركةِ، تتكدّسُ قِطعُ الزجاجِ والمَرايا الفنيةُ؛ التي تنطقُ بالجمالِ، فتجدُ الفنَّ المتأصِلَ في بقايا الزجاجِ، أمّا الصالحُ منه أو التالفُ، جميعُها من بناتِ الأفكارِ تارةً، وأُخرى ممّا يطلبُه الأفرادُ، فيتكوَّنُ وَحْيُ الفِكرةِ، لتَخرُجَ القطعةُ من بينِ أناملِهما؛ كلوحاتٍ فنيةٍ لا مَثيلَ لها، مَمهورةً بخاتَمِ إبداعِه.
“السعادة” التقتْ صاحِبَي الحِرفةِ (محمد مرتجي 22 عاماً، ويوسف الأيوب 31 عاما) ليُحدِّثانا عن حِرفتِهِما التي تعتمدُ على الرملِ المضروبِ، أو المرشوشِ على الزجاجِ، والذي يُسمّي ” الزجاج المغشي “.
وعن هذا النوعِ من الزجاج يقولُ الأيوب “الزجاجُ المغشي (المضروب بالرمل) هو زجاجٌ يجري رسمُه وتشكيلُ الخطوطِ و الأشكالِ و الرموزِ و الشعاراتِ المختلفةِ على سطِحهِ؛ عن طريقِ آلةِ ضربِ الرملِ الآليةِ؛ كي يشكّلَ رسوماتٍ ناعمةً و قابلةً للتنظيفِ بسهولةٍ، و مقاوِمةً لالتصاقِ الأوساخِ و بُقعِ الماءِ الرطبة ” .
بدأ الأيوب تعلُّمَ هذا النوعِ قبلَ أربعِ سنواتٍ في الخارج, حيثُ تشتهرُ هذا الطريقةُ في الدولِ الأوربيةِ عندَ زخرفةِ الزجاجِ, ليعودَ لقطاعِ غزة، ويعملَ في إحدى وُرشِ عملِ الزجاجِ ,حيث نقلَ هذه الطريقةَ لهم ,وليعملَ ويطبِّقَها على الزجاجِ , لينتقلَ بمشارَكةِ صديقهِ إلى افتتاحِ محلٍّ خاصٍّ لهما ,متخصِّصاً بهذه الطريقةِ في الرسمِ على الزجاجِ .
يُعطي ضربُ الرملِ على الزجاجِ اللونَ الفِضيَّ الفاتحَ المُعكَّرَ، فتعتقدُ أنه يوجدُ قطعةٌ على الزجاجِ منقوشةٌ ,كما يتميزُ أنه يسمحُ بمرورِ الضوءِ؛ دونَ أنْ يكشفَ ما خَلفَه، ما يعطيهِ بُعداً جمالياً مميَّزا , وللمرايا جمالاً آخَرَ عند تطعيمِه بهذه الطريقةِ، بعدَ تحديدِ الرسمِ عليه .
آليةُ الإنتاجِ
وعن آليةِ العملِ لإنتاجِ هذا الزجاجِ؛ فصَّلَ أبو الأيوب الطريقةَ ليقول ” يجري الرسمُ وتشكيلُ الخطوطِ و الأشكالِ و الرموزِ و الشعاراتِ المختلفةِ على سطحِ الزجاجِ؛ عن طريقِ آلةِ ضرْبِ الرملِ الآلية , التي تَستعمِلُ طريقةَ نفخِ الرملِ على سطوحِ الزجاجِ المُرادِ تغشيتُه , بعدَ أنْ يجري تفريغُ الرسوماتِ المطلوبِ الحصولُ عليها؛ بواسطةِ جهازٍ خاص لِقصِّ الفينيل المُلصَقِ مسبقاً على الزجاجة”.
وأضاف ” نقومُ في البدايةِ بتحديدِ الرسمِ المُرادِ رسمُه على الزجاجِ أو التشكيلاتِ والخطوطِ، حيث لكلِّ مكانٍ يرادُ استخدامُ الزجاجِ به رسمٌ خاصٌّ، ونضعُ الشكلَ الذي تمَّ اختيارُه في الجهازِ، وهو يقومُ بضَخِّ الرمالِ على اللوحِ , ثم يخضعُ الزجاجُ لعملياتِ الغسلِ مباشرةً بعد انتهائه ، و تطبّقُ مادةٌ سائلةٌ عازلةٌ ، يُطلَى بها سطحُ الزجاجِ المغشي؛ كي يصبحَ ناعماً و قابلاً للتنظيفِ بسهولةٍ، و مقاوِماً لالتصاقِ الأوساخِ و بُقعِ الماءِ الرطبة “.
يمكنُ تنفيذُ عمليةِ ضربِ الرملِ على جميعِ أنواعِ وألوانِ وسماكاتِ الزجاجِ، وحتى المرايا؛ بعدَ تفريغِ القصديرِ منها , كما أنه يمكِنُهم تحديدُ الرسوماتِ؛ إذا كانت خفيفةَ السطحِ أو عميقةً أو متعدِّدةً، وذلك عن طريقِ زيادةِ وقتِ ضربِ الرمالِ على الزجاجةِ ,وتعتمدُ جودةُ الزجاجِ المغشي على مهاراتِ الفنيِّ، و جودةِ الموادِ المستخدَمةِ ونظافتِها .
ويتمُّ استخدامُ رملِ البحرِ بعدَ تنظيفِه وغسلِه وتنشيفِه؛ حيثُ يجبُ أنْ لا يحتوي على أيِّ شوائبَ، ويتكرّرُ استخدامُ الرمالِ أكثرَ من مرّةٍ؛ حتى يصبحَ الرملُ ناعماً جداً؛ بسببِ تكرارِ ضربِه على القطعةِ، فيستغني عنها .
ويَعدُّ الأيوبُ أنّ هذه الحِرفةَ هي من أروعِ الحِرَفِ، فمن يمتلكْها ؛عليه أنْ يتوقّفَ عندَها ، فمِثلُ هذه الحِرَفِ تحتاجُ إلى نفَسٍ طويلٍ؛ لكي يتمَّ إتقانُها، هو يعتمدُ بشكلٍ واضحٍ على المهارةِ اليدويةِ، من خلالِ التقاسيمِ التي يرسمُها في عملِه، كما يتميزُ بجَودةِ التعتيقِ؛ التي تعطي قِدَماً واضحاً للأعمالِ التي ينتِجُها، وهذه إحدى مميزاتِ هذا النوعِ من الزجاجِ ,كما أنّ إضافةَ أيِّ لونٍ أو إضاءةٍ؛ يعطي منظراً جميلاً ،وبذلك يُعَدُّ الحِرفي فناناً رائعاً عندَ إخراجِ القطعةِ .
استخداماتُ الزجاج المغشي
للزجاجِ المغشي استخداماتٌ عديدةٌ؛ يذكُرها الحِرفي فيقول ” الأبوابُ و التقطيعاتُ الداخليةُ للمنازلِ، و النوافذُ و درابزينُ الشُّرفاتِ، والستائرُ الزجاجيةُ لِغُرفِ “الدوش” و حمّامات السباحة، والهدايا التذكاريةُ و غيرُها من الاستخداماتِ الأخرى” .
للزجاجِ المغشي والمحجّر خصوصيةٌ جماليةٌ؛ يفتخرُ بها الحِرفيونَ، وخاصةً أنه قلّما تتمتعُ به أيُّ مفردةٍ من مفرداتِ الديكور المنزلي، فهو يضفي على البيتِ جوّاً؛ يفوحُ منه عبقُ الماضي الجميلِ، وكذلك يعطي منظراً جذاباً في المحلاتِ والأطعمةِ، ويُعَدُّ مَن يتوجَّهُ لهذا النوعِ من الرسومِ؛ أن له ذوقاً كبيراً جداً , حيثُ يوجدُ له قَبولٌ، وكَثُرَ الطلبُ عليه في الآوِنةِ الأخيرةِ؛ لدَى سكانِ غزة، مع زيادةِ اهتمامِهم بديكوراتِ المنزلِ والمطاعمِ والمحلاتِ .
ويحتاجُ _وفق الأيوب_ عندَ الرسمِ على الزجاجِ إلى دِقةٍ كبيرةٍ في العملِ؛ لأنّ ألواح الزجاجَ الزجاجِ تأتي كبيرةً، وأيُّ خطأ يؤدي إلى كسرِ اللوحِ، ويشوِّهُ الرسوماتِ كلَّها، وهذا مُكلِفٌ جدًا، ويضيفُ ” نعاني من قِلّةِ وجودِ أنواعٍ مختلفةٍ من الزجاجِ؛ بسببِ الحصارِ المفروضِ على قطاعِ غزةَ، وانقطاعِ الكهرباءِ لفتراتٍ طويلةٍ، فالأجهزةُ المستخدَمة تعتمدُ على الكهرباء, كذلك نحتاجُ إلى قِطعِ غيارٍ للمكينةِ الخاصةِ بضربِ الرملِ، ولا نجِدُه في كثيرٍ من الأيام “.
ويطمحُ الحِرفيّانَ في أنْ ينجحا في تقديمِ كلِّ ما هو جديدٌ في هذا النوعِ، وأنْ يتعلّما طرُقاً أُخرى تضيفُ لهما شيئاً جديداً في عملهِما ,ويضيفا ” بالإرادةِ القويةِ سيصلُ الشبابُ إلى ما يصبوا إليهِ، وبالقليلِ من الصبرِ والإصرارِ على التقدُّمِ والوقوفِ أمام التحدياتِ الكثيرةِ في قطاعِ غزة وعدمِ الاستسلامِ للواقعِ ,فنحن مَثلٌ واضحٌ لذلك، حيث صبَرنا على العملِ، وتعلَّمنا وتحدّينا حتى استطعنا النجاحَ وإثباتَ أنفسِنا في السوقِ الغزِّي ” .