مرفت كرت..رئيسُ رابطةِ المرأةِ الفلسطينيةِ بألمانيا في ضيافةِ “السعادة”

حوار: صابر محمد أبو الكاس
في خانيونس جنوب قطاع غزة نشأتْ وترعرعتْ، شهدتْ فيها الانتفاضةَ الفلسطينية الأولى، فرضعتْ حبَّ فلسطين وتربَّت على معاني التضحيةِ والفداء، حتى أضحت مناصرةً لقضيتها، مرفت شعث (كيرت) سيدةٌ فلسطينيةٌ مغتربة، هاجرتْ مع زوجها إلى أوروبا، فكانت من خيرةِ النسوةِ اللواتي نصرنَ قضيةَ فلسطين، حتى تقلَّدتْ منصبَ رئيس رابطةِ المرأةِ الفلسطينية في ألمانيا.
على بساطِ “السعادة” حاورناها، وفتحنا معها صفحاتِ طفولتِها وشبابها، كاشفةً عن أبرزِ محطاتِ حياتها الاجتماعيةِ والسياسية والأسريةِ التي تَخفى على كثيرين.
بعد الترحيبِ بكِ سيدة “مرفت”، لو عرّفتينا ببطاقتِك التعريفية أولا؟
“مرفت شعت” من مواليد مدينةِ خانيونس جنوب قطاع غزة بتاريخ( 22-10-1979)م، نشأتُ و ترعرعتُ فيها، وتعلمتُ في مدارسها، تزوجتُ من المهندس “خميس كرت” غزة، وسافرتُ معه إلي ألمانيا فورَ زواجي منه.
لماذا كان سفرُك لألمانيا؟
بسببِ مرافقةِ زوجي الذي سبقني إلى هناك بخمسِ سنوات؛ لإتمامِ دراسته في الهندسةِ الكيميائية، فكانت البلدَ التي اختارها اللهُ لنا للدراسةِ، ثُم شاء اللهُ أنْ نبقى فيها إلى وقتِنا هذا، بعدَ أنْ أتممنا دراستَنا فيها، وقد تخرجتُ من كلية أصولِ الدينِ من جامعة “شاتوشينون” في فرنسا بالانتسابِ.
كيف عاشتْ “مرفت شعث” طفولتَها؟
طفولتي كانت مليئةً بالذكريات، ذكرياتُ القهرِ والبطشِ على يدِ المحتل، والتي لا تزالُ محفورةً في مخيلتي، ولا يمكنُ لي نسيانُها، فكيف أنسى أيامَ الانتفاضةِ التي عشتُها، وأنا في المرحلةِ الابتدائيةِ! يوم أنْ كان أطفالُ وشبابُ الحجارةِ يواجهون جيباتِ ودباباتِ العدو بحجارتِهم الصغيرةِ، وصدورِهم العاريةِ؛ دفاعاً عن أرضِهم وعِرضِهم، لم أنسَ يوماً اقتحاماتِ الجيش الاسرائيلي لبيتنا ليلاً ونهاراً، واعتقالَ شبابنا من الأهلِ والأقاربِ، وضربَهم وترهيبَ إخوتي الصغارِ، ولم أنسَ يوماً قنْصَ واستشهادَ العديدِ من أبناء شعبي أمام عيني!، ولم أنسَ يوماً إخراجَ الناسِ من بيوتهم ليلاً؛ لكنسِ الشوارعِ من الحجارةِ وإطاراتِ السياراتِ المحروقةِ(الكوشوك)، ولم يغِبْ عن بالي منظرَ أُمي التي جاءها المخاضُ ليلاً؛ ولم يستطعْ أبي مرافقتها ليلاً؛ خوفاً عليه من الاعتقالِ أو القنصِ، ما اضطّرتْ جارتُنا لمرافقتِها ومعها فانوسٌ يضيءُ لهم الطريقُ، ويحميهم من غدرِ العدو!، هذا غيضٌ من فيضٍ من طفولتي التي نشأتُ عليها، فكانت سبباً في غرسِ القضيةِ الفلسطينيةِ في شراييني وعروقي.
هل تلك الأحداثُ هي التي فجَّرتْ لديكِ الطاقاتِ لنصرةِ قضيتِك بالفعالياتِ والنشاطاتِ؟
بدايةً لم تكنْ القضيةُ الفلسطينية يوماً من الأيام نشاطاً، ففلسطين وُلِدنا وترعرعنا على حبِّها، وعشقِ أرضِها، والحلمِ بتحريرِها منذُ أنْ كنا صغاراً.
ولا شكّ أنّ تلك الأحداثَ كانت الدافعَ لي للانطلاقِ نحوَ خدمةِ قضيتي فلسطين، والتعريفِ بها، بل والدفاعِ عنها، وعاهدتُ اللهَ أنْ لا أنسى يوماً فلسطين وشعبَها وأرضَها وقدسَها وقضيتَها.
غادرتُ فلسطين وعمري ثمانيةَ عشرَ عاماً، وحطَّتْ قدمايَ ألمانيا في عامِ ( 1988)م، فكانت الحياةُ فيها جحيماً بالنسبة لي، حيث بقيَتْ فلسطينُ تطاردُني شوقاً وحنيناً وذكرى، ولكنْ أخيراً قررتُ أنْ أحملَ قضيتي للمكانِ الذي أعيشُ فيه.
ومن أين بدأتِ؟
من القدسِ .. كونَها من القضايا المركزيةِ لنا كفلسطينيين بل وكمسلمين، فقُمنا بتعليمِ الأجيالِ أهميةَ القدس ومكانتَها لنا، وقد لمسْنا جهلاً بقضيةِ فلسطينَ والقدسِ، وتفاجأنا بالأميّةِ التي يعيشُها الأكثريةُ عن فلسطين وعاصمتِها القدس!، ورُبما يكون هذا نتيجةَ التهجيرِ من الأرضِ والتجويعِ والحروبِ التي عانَى منها المُهجَّرون.
كلُّ تلك الأعمالِ أهلَتْكِ لرئاسةِ رابطةِ المرأةِ الفلسطينيةِ في ألمانيا.. فهلا عرّفتينا عنها؟
رابطةُ المرأة الفلسطينيةِ هي مؤسسةٌ نسويةٌ؛ مقرُّها برلين، تداعتْ لها مجموعةٌ من النساءِ الفلسطينياتِ ذواتِ الكفاءاتِ والهِممِ العاليةِ، واللواتي أخذنَ على عاتقِهنَّ خدمةَ وطنِنا فلسطين وقضيتَه؛ تطوّعاً وطمعاً في الأجرِ من اللهِ، مع العلمِ أنّ الرابطةَ تضمُّ عدداً من اللجانِ هي: (اللجنة الإعلامية – اللجنة الفنية – لجنة التراث – لجنة الشابات – اللجنة الاجتماعية – لجنة التطوير والتأهيل).
وقد انطلقْنا _من خلالِ تلك اللجانِ_ بالعديدِ من الأعمالِ، والنشاطاتِ، وبفضلِ اللهِ لاقتْ إقبالاً واستحساناً كبيراً بين أبناءِ وبناتِ الجاليةِ الفلسطينيةِ في ألمانيا، وتتركزُ نشاطاتُنا في العديدِ من المجالاتِ، فقد قامت الرابطةُ بــتأسيسِ فرقةِ العودةِ من الزهراتِ والأشبالِ؛ التي تعرضُ الفنَّ الفلسطيني الذي يجسِّدُ معاناةَ الشعبِ الفلسطيني، وإنشاءِ خيمةٍ للتراثِ الفلسطيني؛ تعرضُ كلَّ ما يتعلقُ بالتراثِ من ملبوساتٍ ومفروشات وأدواتٍ وعادات وتطريزٍ ومأكولاتٍ فلسطينيةٍ، إلى أنْ أصبحتْ تتنقلُ في كلِّ دولِ أوروبا؛ لِما لاقتْ من إعجابِ أبناءِ وبناتِ الشعبِ الفلسطيني، وتوسيعِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ بين أبناء الجاليةِ الفلسطينيةِ؛ من خلالِ التزاورِ والتواصلِ، وسعَينا جاهدينَ لزرعِ القضيةِ الفلسطينيةِ في نفوسِ وقلوبِ الجيلِ الصاعدِ، من خلالِ بعضِ الدوراتِ..كلُّ تلك النشاطاتِ تم تتويجُها بالإعلانِ عن مؤتمرٍ سنوي يُعقدُ في ذكرى يومِ الأرضِ، وفي كلِّ عامٍ نتناولُ قضيةً من قضايا الوطنِ، وكان آخِرَها المؤتمرُ السنوي الخامسُ تحتَ شعار: “من شتاتِنا عائدون.. وفي أرضِنا صامدون”
ماذا تعني لك فلسطين؟ وما أكثرُ بلداتها التي ينجذبُ إليها قلبُك أكثرَ من غيرِها؟
فلسطينُ الحبُّ العشقُ الحنانُ السكينةُ الطمأنينةُ الاستقرارُ العزةُ الأمنُ والإيمانُ، أمّا أكثرُ بلدة أحلمُ برؤيتِها، وأعشقُ ترابَها، وقلبي يخفقُ إليها؛ هي القدسُ الحبيبةُ؛ لأنها مسرَى الحبيبِ، وأرضُ الرباطِ، الأرضُ المقدسةُ، عاصمتي أرضُ المَحشرِ والمنشرِ، مدينةُ السلامِ، أسيرةٌ كسيرةٌ بأيدي العدوِّ الغاصبِ، وتشتاقُ للحريةِ والتحريرِ.
كيف حافظتم على قيَمِكم الإسلاميةِ كأُسرة في محيط غربي؟
بتوفيقٍ من الله، ثم باختيارِ الزوجِ الملتزمِ والمحافظِ، و الصحبةِ الصالحةِ من أخواتٍ، والمكانِ السليمِ لاحتضانِ الأسرةِ المسلمةِ “وهو المسجدُ” الذي ولَّيتُ وجهي إليه منذُ قدومي ألمانيا، إلى جانبِ التماسِ سيرةِ القدواتِ الحسنةِ في حياتِنا والاقتداءِ بها، والدعاءِ بالثباتِ والحفظِ من الفتنِ لنا ولذُريتِنا.
أنْ تَثبُتَ المرأةُ المسلمةُ _في ظلِّ هذا الواقعِ_ على قيمِها ودينِها؛ فماذا يعني ذلك؟
يعني حديثَ الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم: ” ويلٌ للعربِ من شرٍّ قد اقترب، فِتناً كقِطعِ الليلِ المُظلمِ، يصبحُ الرجلُ مؤمناً!، ويُمسي كافراً!، يبيعُ قومٌ دِينَهم بِعَرَض من الدنيا قليلٍ!!، المتمسكُ يومئذٍ بدِينِه كالقابضِ على الجمرِ، أو قال على الشوكِ”، فالمرأةُ المسلمةُ التي ما زالت محافظةً على أسرتِها، ومتمسّكةً بسُنةِ نبيِّها، وشرعِ ربِّها، وقيَّمِها وأخلاقِها وحيائِها، فهي القابضةُ على الجمرِ في هذا الزمنِ.
هل وجدتُم صعوبةً في تربيةِ أولادِكم على ذلك في ظِلِّ الحياةِ الغربية؟
بالتأكيدِ ما تبذلُه الأمُّ في بلدٍ مسلمٍ في تربيةِ أبنائها؛ تبذلُ الأمُّ أضعافَه في بلادِ الغربِ؛ فالبيئةُ حولَنا كلُّها مدمِّرةٌ للحياءِ والقيمِ والأخلاقِ الإسلاميةِ!، والقانونُ يعطيهم الحريةَ في كلِّ شيءٍ، ويفرضُ على الوالدينِ قيوداً كثيرةً من التحكُم بأبنائهم، أمّا بالنسبةِ لي؛ فقد وجدتُ صعوبةً كبيرةً، ولكن بفضلِ اللهِ تعالى وفَّقنا اللهُ في تربيةِ أبنائنا، أولاً بالدعاءِ، ثم بحَملِ الهمِّ والمسؤوليةِ التي أُلقيتْ على عاتقي، ثم بالقدوةِ، فالابنُ ينشأُ على ما يرى عليه والدَيه، ثُم بربطِهم بالمسجدِ ومدارسِ تحفيظِ القرآنِ، ثُم بقصِّ سيرةِ الصحابةِ والقادةِ من الأمّةِ قديماً وحديثاً، وبحثِّهم على المشاركةِ بالأنشطةِ الدينيةِ والوطنيةِ والتربويةِ والتعليمية، والأهمُّ من ذلك كلِّه؛ زرعْ تقوى اللهِ وخشيتَه في قلوبِهم وعقولِهم، ففي كلِّ يوم يخرجُ أبنائي إلى المدرسةِ، أو إلى أيِّ مكان؛ أودِّعُهم على البابِ ونردُّدُ معا ” اللهُ ناظري، اللهُ شاهدي، اللهُ مطَّلِعٌ عليّ” فأجدُ أثرَ ذلك في أفعالِهم وأقوالِهم، وأسألُ اللهَ أنْ يحفظَهم وينفعَني بهم.
مَن أكثرُ من تميلينَ إليه من أبنائك؟ ولماذا؟
أبنائي كلُّهم سواسيةٌ عندي، وأحاولُ أنْ أعدِلَ بينهم، حتى في الكلمةِ الطيبةِ، ولكن أجدُ في ولدي “محمود” حلماً أسألُ اللهَ أنْ يحقِّقَه لي؛ بأنْ يُكرمَه ويكونَ فاتحَ الأقصى، فقد نذرتُه للأقصى وقتَ حَملي به، وأجدُ فيه نبوغاً وذكاءً وشجاعةً وقوةَ شخصيةٍ، وشهامةً وحبَّاً لفلسطينَ، وهذا الذي يُفرِحُ قلبي، فحُبي للأقصى جعلني أدعو في كلِّ صلاةٍ في السجودِ بأنْ يُكرمَني اللهُ به بهذه الأُمنيّة، كما أنني دعوتُ اللهَ _أثناء طوافي بالكعبة_ بأنْ يجعلَ ولدي “محمود” فاتحَ الأقصى .
أكثرُ موقف أحزنَكِ؟
في الفترة الأخيرةِ، كل يومٍ نستيقظُ على مواقفَ وأحداث حزينةٍ؛ فكلُّ دم يُهرقُ، وكلُّ روحٍ تزهقُ، وكلُّ طفل يُيَتمُ، وكلُّ زوجةٍ تُرمّلُ، وكلُّ أمِّ تُثكَلُ، وكلُّ أختٍ تفقدُ أخاً؛ كل ذلك يُحزنُني ويُبكيني.. حتى أنني أصبحتُ لا أجدُ فرحةً وسعادةً في حياتي وأنا أشعرُ بشعورِ الأمِّ والزوجةِ والابنةِ والأختِ .
أكثرُ موقفٍ أسعدَك وأفرحَك جداً ؟
ساعةَ إعلانِ أسرِ جنديٍّ من جنود العدوِ، وساعةَ إعلانِ انتصارِ غزة في الحربِ الأخيرة.
ما الأكلةُ المفضلة لك؟ والشرابُ المفضل؟
أفضّلُ أكلةَ الدجاجِ المَحشي مع الفتةِ الغزاويةِ بالمكسّرات والدقّة الحارّة،
وأفضلُ شرابَ عصيرِ المانجا والجوافة .
ما هي رسالتُك في الحياة؟
أنْ أبقى وفية لدعوتي ووطني، أرى أبنائي قادةً في العلمِ والدينِ، وقدوةً حسنةً في الأخلاق، أكونَ صاحبةَ مالٍ وفيرٍ؛ لأساهمَ في إطعام الفقراءِ والمساكين.
أخيراً كلمتُك لأسرةِ مجلةِ “السعادة”؟
أنا سعيدةٌ جداً بمشاركتي في هذا الحوارِ بمجلةِ “السعادة”، وسعيدةٌ جداً بالمواضيعِ التي تطرحُ في المجلةِ؛ لتثقيفِ المرأةِ المسلمةِ، خصوصاً وأننا نفتقدُ مِثلَ هذه المجلاتِ، التي تفيدُ المرأةَ العربيةَ والمسلمةَ، وأتمنّى أنْ تستمرَّ هذه المجلةُ بإبداعِها وعطائها، وكذلك تختارَ المواضيعَ المعاصرةَ التي تهمُ الأسرةَ، مع تمنياتي لكم بالتوفيقِ دوماً إلى الأفضلِ، واختيارِ الأروعِ، وأنْ تصلَ مجلتُكم إلى العالمِ بالعديدِ من اللغاتِ.