الدين والحياة

معاداةُ الكفرِ وأهلِه من أُسُسِ عقيدةِ “الولاء والبراء”

الأستاذ الدكتور صالح الرقب..أستاذ العقيدة – الجامعة الإسلامية

الولاء و البراءمن المقولاتِ الخاطئةِ التي يردِّدُها بعضُ المسلمين اليوم:(إننا لا نُكِنُّ العداءَ لليهود، أو لا نعادي اليهودَ لكونِهم يهودَ، بل لكونِهم اغتصبوا أرضَنا، وقتلوا شعبَنا، واعتدوا على مقدساتِنا…الخ). ولبيانِ عدمِ صحةِ هذه المقولة، أذكُر ما يلي:

لابدّ أولاً من توضيحِ علاقةِ الحُبِّ والبُغضِ” بالولاء والبراء” فالحبُّ والبغضُ هما أصلاً الموالاةُ والمعاداة، قال شيخُ الإسلام: “أصلُ الموالاةِ هي المحبةُ، كما أنّ أصلَ المعاداةِ البغضُ، فإنّ التّحابَّ يوجِبُ التقارُبَ والاتفاق، والتباغُضَ يوجِبُ التباعدَ والاختلافَ، وقد قيل: المَولَى من الولِيِّ: وهو القربُ، وهو يلي هذا، أي: هو يقرُبُ منه، والعدوُّ من العدواءِ وهو البعدُ، ومنه العُدْوَة، والشيءُ إذا ولَى الشيءَ ودَنا منه وقرُبَ إليه اتّصلَ به، كما أنه إذا عُدّى عنه، ونأى عنه، وبعُدَ منه، كان ماضياً عنه”. والموالاةُ لازَمَ الحبَّ، وكذا المعاداةُ لازمَ البُغضَ، ولازمَ البغضَ في اللهِ، وهو المعاداةُ فيه، أي: إظهارُ العداوةِ بالفعلِ، كالجهادِ لأعداءِ اللهِ، والبراءةِ منهم، والبعدِ عنهم باطناً وظاهراً.

وثانيا: إنّ مِثلَ هذه التصريحاتِ مخالفةٌ لأساسِ عقيدةِ البراءةِ من الكفار، التي تقومُ على المعاداةِ والبغضِ للكفرِ وأهلِه، وعدمِ مودَّتِهم ومحبّتِهم، ومنهم اليهودُ، وقد دلَّ الكتابُ والسنّةُ وإجماعُ المسلمين؛ على أنه يجبُ على المسلمينَ أنْ يُعادوا الكافرينَ من اليهودِ والنصارى وسائرِ المشركين، وأنْ يحذَروا مودَّتَهم واتخاذَهم أولياء، كما أخبرَ اللهُ سبحانه في كتابِه المبينِ؛ الذي لا يأتيهِ الباطلُ من بين يديهِ، ولا من خلفِه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد.

القدسفاللهُ تعالى أخبرَنا بأنّ الكفارَ أعداءٌ له تعالى وللمؤمنين، فقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ)الممتحنة:1،

وحذرَنا من مودَّتِهم، لأنّ نقيضَ العداوةِ المحبةٌ والولايةُ، فقال الله عز وجل:(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)المجادلة:22. وقد أمرَنا اللهُ بعدمِ موالاتِهم، والمحبةُ من معاني الولاءِ، بل يجبُ العداوةُ والبغضُ لهم، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة المائدة الآية 51.

ولقد جعلَ اللهُ معاداةَ اليهودِ شرطاً في صحةِ الإيمانِ به وبرسولِه وبالقرآنِ الذي أنزلَه، وبيَّنَ لنا أنّ اليهودَ أشدُّ الناسِ عداوةً للمؤمنين، فهل نقابلُ شِدّةَ معاداتِهم بالقولِ” نحن لا نعادي اليهود” قال عزَّ وجلَّ في شأنِ اليهود(تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) سورة المائدة الآية 80-82.

الاعتداء على فلسطينففي الآيةِ دِلالةٌ ظاهرةٌ على أنّ جميعَ الكفارِ كلُّهم أعداءٌ للمؤمنينَ باللهِ  سبحانه، وبرسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولكنّ اليهودَ والمشركينَ وعبَّادَ الأوثانِ أشدُّهم عداوةً للمؤمنين، وفي ذلك إغراءٌ من اللهِ سبحانه للمؤمنينَ على معاداةِ الكفارِ والمشركينَ عموماً، وعلى تخصيصِ اليهودِ والمشركينَ بمزيدٍ من العداوةِ؛ في مقابلِ شِدّةِ عداوتِهم لنا.

وبيّنَ اللهُ تعالى لنا كيف كان تعامُلُ أبي الأنبياءِ إبراهيم عليه الصلاةُ والسلامُ، ومن معه من المؤمنينَ مع الكفارِ، حيثُ طبّقوا عقيدةَ البراءِ من الكفارِ مع أنهم قومُهم، فقد تبرّأ منهم ومما يعبدونَ من دونِ الله، وأعلنَ كُفرَه بهم، ثُم أعلنَ بكلِّ وضوحٍ وصراحةٍ العداوةَ والبغضاءَ لهم، وأمرَنا اللهُ تعالى أنْ نقتديَ بهم لتكونَ عقيدتُنا صحيحةً، فقال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)الممتحنة:4.

وإذا كان المنافقونَ أعداءً لنا، كما أخبرَنا اللهُ تعالى، فهل سادتُهم من اليهودِ ليسوا أعداءً؟! قال تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)المنافقون:4.

اعتداءات اليهودوأخيراً فإنّ عداوةَ المؤمنينَ  لليهودِ ولغيرِهم من الكفارِ؛ هي عداوةٌ عادلةٌ ومتعقِّلةٌ – إنْ صحَّ التعبيرُ– إذ يفرِّقونَ بين اليهودِ المحاربينَ والذمِّيينَ والمُعاهدين، ولا يحملُهم شنآنُهم على الظلمِ تحتَ أيِّ غطاء، فالعلاقةُ بين أهلِ الإيمانِ وأعدائِهم من اليهودِ وغيرِهم محكومةٌ بقواعدِ الشريعةِ الإسلامية، والأصلُ فيها قولُه تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة:8، وقوله تعالى:(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة:8.

والصواب: أنْ يقالَ نحنُ نقاتلُ ونجاهدُ اليهودَ الذين اغتصبوا أرضَنا ،وهجّروا شعبَنا، وقتلوا عشراتِ الآلافِ منه، وما زالوا يقتُلون، نحنُ نقاتلُ من يحتلُّ مقدّساتِنا، ويمنعُنا من الصلاةِ في مساجدِنا، ومنها المسجدُ الأقصى…. ولكَ أنْ تذكُرَ من جرائمِ يهودَ ما تشاءُ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى