الدين والحياة

بشريات الصابرين

إعداد: إسراء أبو زايدة

الصبر على الشدة والبلاء من شيم الكرماء الأشداء، الذين يرضون بقضاء الله وقدره وينالون أجر وثواب وبشريات الصابرين “وبشر الصابرين”، نتحدث عن الصبر ومفاتيحه وفضله مع د. ماهر الحولي أستاذ الشريعة الإسلامية

يؤكد د. ماهر الحولي أن عاقبة الصبر عاقبة حسنة وليس أدل على ذلك من قصة سيدنا ايوب حيث صار أيوب عليه السلام أسوة حسنة لمن ابتلى بأنواع البلاء، ومن امتحن في الدنيا بمحنة ، فتلقاها بجميل الصبر ، وجزيل الحمد رجي له كشفها في الدنيا مع حسن الجزاء في الآخرة .
ويضيف د. الحولي :” الرضا بقدر الله عز وجل والتسليم الكامل بذلك ، من شأنه أن يَعْمُر الأمن ، والإيمان قلب المؤمن ، فيعيش في غاية السعادة ؛ وإن تضجر بقدر الله ، فإنه يعيش حياة البؤس ، والشقاء ، وأن اليأس ، والبكاء لا يرد شيئاً مما فات ، وإنما التوجه إلى الله بالضراعة كما فعل أيوب عليه السلام والصبر على المكاره يزيل من النفوس الهم ، والغم.

أهمية الصبر

ويستدرك د. الحولي:” قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ” قد ذكر الله الصبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعاً، وقرنه بالصلاة في قوله : {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } ( البقرة45 )، وجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } ( السجدة : 24 ) فإن الدين كله علم بالحق وعمل، والعمل به لابد فيه من الصبر، بل وطلب علمه يحتاج إلى صبر.

فضائل الصبر

ولعظم أمر الصبر جعل الله تعالى فيه ثمرات وفضائل كثيرة يذكر منها د. الحولي:

1- أن الله تعالى جعل الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين .
قال تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (السجدة : 24 )
2- أن الله أخبر أن الخير بالصبر مؤكداً ذلك باليمين .
قال تعالى : { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } (النحل : 126 ) ومن أعظم الخير فيه أن أجره لا يقدر ولا يحدد فقال سبحانه : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } ( الزمر :10
3- وأخبر الله جل وعلا أنه يحب الصابرين قال تعالى : { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } (آل عمران : 146 )
4- وأخبر أنه معهم ، فبالصبر ينال العبد معية الله تعالى قال تعالى : { َاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (الأنفال : 46 )
5- وعلق الله تعالى الفلاح بالصبر والتقوى ، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران :200)
6- وأعطى الصابرين عند المصيبة ثلاث بشائر كل واحدة منها عظيمة بذاتها فقال تعالى : {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (البقرة : 157 )
7- وأخبر أنه بالصبر والتقوى معهما لا يضر كيد العدو وتسليطه فقال تعالى : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (آل عمران :120 )
8- وأخبر أن الفوز بالجنة والنجاة من النار إنما تنال بالصبر فقال تعالى : {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } (المؤمنون :111)
9- وأن تدبر آياته والانتفاع بها خص به أهل الصبر والشكر فقال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }( إبراهيم :5 )
10- وأخبر أن الصبر من أعالي الأمور وأعظمها فقال تعالى : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } (آل عمران :186).
وهذا مما ورد من فضائل الصبر في القرآن وهي كثيرة جداً لكننا استعرضنا جزءا منها.

وورد في السنة فضائل كثيرة منها يبينها د. الحولي :-
أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم – أن الصبر ضياء، ففي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه – قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ( الصبر ضياء )
وأخبر أنه من ابتلي بذهاب عينيه فصبر فإن فله الجنة، ففي صحيح البخاري من حديث أنس – رضي الله عنه – قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ) يريد عينيه.

كذلك من صبر على ذهاب حبيبه من قريب أو صديق فله الجنة ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : (يقول الله تعالى ” ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)

وأخبر – صلى الله عليه وسلم – أنه من صبر على شدة المدينة نال الشهادة أو الشفاعة له منه – صلى الله عليه وسلم – ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: (من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة) يعني المدينة.
وأخبر أن من علامات الخيرية للعبد أن يصيبه ولاشك أن العبد بالصبر ينال الفضل الكامل على المصيبة، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : (من يرد الله به خيراً يصب منه ).

وكذلك ينال بذلك تكفير السيئات ولو صغرت المصيبة، ففي الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال : ( ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها )

وأن الصبر في آخر الزمان مضاعف أجره وثوابه حتى أن النبي- صلى الله عليه وسلم – : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيه مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثله ، قال : يا رسول الله أجر خمسين منهم ، قال : أجر خمسين منكم ) أي من الصحابة – رضوان الله عليهم – والحديث رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه .

وأخبر أن النصر قرين الصبر ومعه ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال النبي- صلى الله عليه وسلم – : ( واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً ) قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

وأخبر أن الصبر مع مخالطة الناس والصبر على أذاهم أعظم أجراً ممن لم يكن كذلك، ففي سنن الترمذي وابن ماجه ومسند أحمد من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ).

وأخبر أن المؤمن بصبره على الضراء يحوِّل ما يصيبه في دنياه إلى خير يستفيد منه، ففي صحيح مسلم من حديث صهيب – رضي الله عنه -: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى