كتاب الثريا

كُونِي جَميلة

بقلم: أحمد أبو سعدة

كوني جميلةً : من أعظمِ نِعَمِ اللهِ علينا؛ أنْ منحَنا عينَينِ كاشفتَينِ في الليلِ كما النهارِ، تُبصِرُ كلَّ جميلٍ، وتأنَفُ النظرَ إلى سِواهُ، فهَلّا أغمضتِ عينَيكِ قليلاً راحةً لهما من مؤلمِ المَشاهدِ ومريرِ المعايشاتِ، افتَحيها الآنَ وانظريْ إلى السماءِ لتَرَي إبداعَ خالقِ الجمالِ ومُبدِعَه، إنه اللهُ المُبدِعُ في خلقِه.

الجمالُ صفةٌ من صفاتِ اللهِ العليِّ القديرِ؛ كما وردَ على لسانِ المصطفى _صلى الله عليه وسلم_: “إنّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ ” وقد زيَّنَ اللهُ بهذه الصفةِ أو بجُزءٍ منها خلقَه أجمعينَ؛ فأعطى يوسفَ _عليه السلام_ شَطرَه، وبقيةَ الخلقِ تتقاسمُ الشطرَ الآخَرَ من الجمالِ، فإذا كان هذا الحديثُ عن شطرِ الجمالِ؛ فكيف باللهِ عليكم بمَن خلقَ الجمالَ فأبدعَ ، وفهّمَ فأقنعَ! .

ما هي مراتبُ الجمالِ ؟ وأيُّها أعلاها ؟

تتعددُ مراتبُ الجمالِ بتَعدُدِ أصنافِ البشرِ، وإنْ شئتَ فقُلْ بتعدُدِ أكثرَ ما يطغى على البشر :
١-المرتبةُ الأولى هي مرتبةُ جمالِ الخُلقِ .
٢- المرتبةُ الثانيةُ هي مرتبةُ جمالِ الرّوحِ .
٣- المرتبةُ الثالثةُ هي مرتبةُ جمالِ الشكلِ والصورة .
٤- المرتبةُ الرابعةُ هي مرتبةُ جمالِ اللباسِ والهِندام .

ومما لا شكَّ فيه أنّ المراتبَ جميعَها هي مِنحةُ وعطيّةٌ من اللهِ الخالقِ البارئِ؛ فإذا وجدتَ في نفسِكَ خيراً فاحمَدِ اللهَ ؛ إلّا أنه ومن المؤسِفِ حقاً أنْ يَفقدَ البعضُ صوابَهم فيختصروا الجمالَ في صورةٍ؛ ورُبما تكونُ مُزوَّرةً بمساحيقَ ما أنزلَ اللهُ بها من سلطانٍ! وممّا لا شكَّ فيه أنّ جمالَ الخُلقِ والدِّينِ هي من أسمى المراتبِ وأعلاها؛ لذا نجدُ معلِّمَنا الأولَ _صلى الله عليه وسلم_ يقولُ : (… فاظفَرْ بذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يداك) ، ومعنى ذلك أنك إنْ لم تختَرْ صاحبةَ الدِّينِ والخُلُقِ القويمِ؛ ستلتصقْ يداكَ بالترابِ ندَماً وكمَداً بما سيُصيبُكَ من همٍّ وغمٍّ .

رسالتي لكِ سيدتي … أنتِ جميلةٌ بِخُلُقِك الرفيعِ؛ ما التزمتِ بشرعِ اللهِ الجميلِ البديعِ، ولا يعني ذلك فيما يَعنيهِ العزوفَ عن بعضِ المُحسِّناتِ؛ فاللهُ أمرَنا بالتجمُّلِ والتزيُّنِ؛ لكنْ أين ومتى وكيف؟
في مملَكتِك الصغيرةِ مَهدُ الحُبِّ الأولِ؛ كوني جميلةً مستعينةً بكلِّ ما يحقّقُ الجمالَ ولو جزئياً. داخلَ أسوارِ بستانِ الطفولةِ … في بيتِ أهلِك كوني جميلةً …بما لا يتعارضُ مع القِيَمِ والأخلاقِ الساميةِ .
خارجَ أسوارِ المنزلِ، وفي كلِّ مكانٍ تَغدُوِينَ فيه أو تَروحينَ … كوني جميلةً باللباسِ الشرعيّ المتكاملِ؛ بلا عطرٍ ولا حتى طلاءِ أظافرَ.
ماذا عن الأفراحِ ؟؟؟
فيها الحرامُ يصيرُ مباحاً …! فيها سخطُ اللهِ يَبين وكذا لعناتُ الملائكةِ المقرّبين … عندما نتحدثُ عن العُريِّ واللباسِ الفاضحِ، وننسى قولَ الحبيبِ المصطفى فيما يَعنيهِ “أيّما امرأة وضعتْ ثوبَها خارجَ منزلِها لعنتْها الملائكةُ.”
لماذا نشتري الدنيا ونبيعُ الآخِرةَ من أجلِ أنْ نَفرحَ ساعةً! وهي في العُمرِ مرّةٌ كما يقولونَ ؛ هَبي أنها كانت الساعةَ الأخيرةَ.. فكيف ستُقابلينَ ربَّكِ ؟

سيدتي : كوني جميلةً أينما كنتِ؛ ولكنْ وِفقَ ما أمرَ اللهَ، ووصَّى الحبيبُ ، وتَذكَّري أنّ لديكِ كَنزاً حُرمَ منه الكثيرونَ، فاعقِلي به وتَدبَّري … كلمتي الأخيرة “كوني جميلةً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى