فلسطين تجمعنافلسطينياتكتاب الثريا

إرادةُ القتالِ، ما بينَ “عَهد وإبراهيم”.

بقلم: أ‌. محمد شفيق السرحي

كتبَ اللواءُ الرُّكنُ “محمود شيث خطّاب” ، عراقيُّ المولدِ والنشأةِ، عظيمُ القامةِ والقيمة ، مؤلَّفَهُ القَيِّمَ “إرادةُ القتالِ في الجهادِ الإسلامي” ، تَطرّقَ فيه إلى العديدِ من الروائعِ القرآنيةِ والنبويةِ الكريمة، وآثارِ السلَفِ فيما مضَى، التي ترفعُ من شأنِ الإرادةِ والعزيمةِ المَضاء في جهادِ العدوِّ رِفعةً لِدينِ اللهِ _عزَّ وجلَّ_ ، وانتصاراً للضعفاءِ والمستضعَفينَ في أقاصي الدنيا وأدانيها ، ليَخرُجَ بخلاصةٍ رائعةٍ ، تتمثلُ في أنّ إرادةَ القتالِ هي نتاجٌ عميقٌ للإيمانِ باللهِ وملائكتِه ، وكتبِه ورسلِه ، والقضاءِ والقدَرِ خيرِه وشرِه ، و قد ذكرَ نماذجَ عمليةً مُعاصِرةً ، بعدَ النماذجِ القديمةِ ، الضاربةِ في جذورِ التاريخِ ، لشعوبٍ مسلِمة ، و” غيرِ مسلِمة ” ، انتصرتْ برغمِ الفوارقِ الكبيرةِ في العُدّةِ والعَددِ ، كنموذجِ ” فيتنام الشمالية ” ، وتخلُّصِها من الاحتلالِ الأمريكيّ ، عاقداً مقارنةً بينَها و بينَ حالِ العربِ والمسلمينَ مع الكيانِ الصهيونيّ القزمِ ، والفوارقِ في التجربةِ ما بينَ هذا وذاكَ ، ذاكراً مفهومَ ” إرادةُ القتالِ ” بقولِه : ” هي الرغبةُ الأكيدةُ في الثباتِ في ميدانِ القتالِ؛ من أجلِ مُثُلٍ عُليا ، وأهدافٍ ساميةٍ ، وإيمانٍ لا يتزَعزعُ بهذه المُثلِ والأهدافِ ” ، متمايزاً في تعريفِه عن منظومةِ العقيدةِ العسكريةِ في المعسكرِ الشرقيّ ، أو الغربيّ ، القائمِ على المفهومِ الماديّ البحتِ، حيثُ _إسلامياً_ يتمتعُ بوجودِ” الروحِ ” ، و” المادةِ ” ، من جهةِ الدعوةِ إلى الخيرِ والسلامِ، وفيه الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ ، وفيه الإعراضُ عن الاستغلالِ والاستعبادِ ” ص (21-22 ): إرادةُ القتالِ في الجهادِ الإسلامي ” .

ذكرَ اللهُ تبارك وتعالى , مفهوم ” إرادة القتال ” , في كتابِه العظيمِ بقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ” (الأنفال : 15(” وقولِه تبارك وتعالى : “فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حتى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ” , وقولِه تعالى : ” وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ولكن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ( التوبة:46) , مُحدِّثاً عن حالةِ المنافقينَ في الغزوِ , والتظاهرِ بإرادةِ القتالِ , ومخادعةِ المؤمنينَ , واللهُ كاشِفُهم , ما يعني بمفهومِ المخالَفةِ؛ أنّ أهلَ الإيمانِ من أخَصِّ صفاتِهم الإرادةُ الدائمةُ لرِفعةِ دِينِ اللهِ تعالى , والدفاعِ عنه , ودفعِ الظلمِ ورَفعِه عن المستضعَفينَ في الأرضِ .

لعلّ أهمَّ أهدافِ الحربِ _عادةً_ هي كَسْرُ إرادةِ القتالِ لدَى الطرَفِ المقابلِ، وتمريرُ الحربِ النفسيةِ القاتلةِ، عبْرَ إشاعةِ الخوفِ والفقرِ، والتهويلِ من قدْراتِ القوةِ الضاربةِ للمُنتصرِ، ولكنّ المؤمنَ المجاهدَ _حقيقةً_ لا يخشَى كلَّ هذه الأدواتِ الخبيثةِ؛ لأنه يَعلمُ أنه ” وفي السماءِ رزقُكم وما توعَدون “، ويَعلمُ قولَه تعالى: ” لكُلِّ أجلٍ كتابٌ”، حيثُ تهدفُ الحربُ النفسيةُ المعنويةُ إلى إضعافِ إرادةِ القتالِ لدَى أهلِ الإيمانِ، وإذعانِ الصفِّ المؤمنِ، وهزيمتِه مَعنوياً؛ قبلَ أنْ يكونَ على أرضِ الواقعِ مادّياً.

وفي زمانِنا المعاصِرِ، سجّلتْ الثورةُ الفلسطينيةُ _في كثيرٍ من مَفاصلِها ومراحلِها المختلفةِ_ صوراً رائعةً من إرادةِ القتالِ، برغِم قِلّةِ الإمكاناتِ، وسطّرتْ كلَّ معاني الثباتِ على الحقِّ، والرباطِ على الأرضِ المقدّسةِ، فتَجدُ حُلّةً قشيبةً، ومزيجاً فريداً من التلاحُمِ، والعزيمةِ والإرادةِ الصلبةِ، ابتداءً ورغبةً لا تنتهي في مقارعةِ العدوِّ المحتلِّ؛ ولو بالجسدِ والروحِ، أو التعاركِ بالأيدي، رجالاً ونساءً، فتياتٍ وفِتياناً، يَجودونَ بأنفسِهم وأرواحِهم في سبيلِ ذلك.

إنّ ما نقلتْهُ الصورُ المتلاحقةُ من تحَدٍّ عجيبٍ، ومُنازلةٍ لا مثيلَ لها، للشبابِ الفلسطيني المُنتفضِ، والفتياتِ الثائراتِ ضدّ العدوِّ الصهيوني، يؤكّدُ ويرسّخُ مفهومَ ” إرادةُ القتالِ ” لدَى كافةِ شرائحِ مجتمعِنا الفلسطيني الرافضِ للذِّلةِ والمَهانةِ، وضياعِ الكرامةِ، ويَعشقُ الانتماءَ لفلسطينَ القضيةِ، وللأسرى والمَسرى.

لقد أصبح من الواضحِ , أنه ومنذُ صدورِ قرارِ الأرعنِ ” ترامب ” , بحقِّ المدينةِ المقدسةِ , واعتبارِها ” زوراً وبهتانا ” عاصمةً للكيانِ الصهيوني , والانتفاضةُ ثائرةٌ ضدّ هذا القرارِ , وما يترتبُ عليه من بروزِ أيقونةٍ جديدةٍ لهذه الانتفاضةِ , ممثَّلةً بالشهيدِ القعيدِ ” إبراهيم أبو ثُريّا ” , والذي سطّرَ مَلحمةً أسطوريةً في تجسيدِ ” إرادة القتال ” لدَى أبناءِ شعبِنا الفلسطيني , عائداً بالذاكرةِ إلى الشهيدِ القائدِ “أحمد ياسين ” , الذي أحيا أُمّةً , وبعثَ مفهومَ ” إرادة القتال ” في الأُمة بأسْرِها من جديدٍ , وكذلك بروزُ الفتاةِ الفلسطينيةِ الأسيرةِ العنيدةِ ” عهد التميمي ” ؛ التي رسّختْ بصفعتِها للجنديِّ الصهيونيّ ” المهزوزِ ” , مبدأَ ” إرادة القتال ” ؛ ولو كان ذلك بأقلِّ الوسائلِ الممكِنةِ , ولو عن طريقِ الصفعِ , أو الَّلكْمِ , في ظِلِّ وجودِ السلاحِ العربي في مخابئهِ .

ما كان من هذَينِ النموذجينِ الرائعينِ، والمَشاهدِ الملحميةِ التي كانت على مرأى ومسمعٍ من العالمِ؛ يرسّخُ القناعةَ لكُل ذي لُبٍّ، أنّ ” إرادة القتال “، هي أهمُّ وأخطرُ في كثيرٍ من الأحيانِ من القتالِ نفسِه وتفاصيلِه وأدواتِه، وأنّ من امتلكَ ” إرادةَ القتال “، حتماً سيَبحثُ عن أدواتِه، ويطوّرُ وسائلَه، ويسعى بكُل ما أوتيَ من قوةٍ للانتصارِ معنوياً، وفي النهايةِ على أرضِ المعركةِ؛ ما يجعلُنا نبني كثيراً على هذه الإرادةِ، ونعملُ على تحقيقِها بكُل الوسائلِ المتاحةِ.

ينطلقُ مبدأُ ” إرادة القتال ” من الذاتِ أولا؛ ليصلَ إلى البيتِ، المدرسةِ، الإعلامِ، المجتمعِ بأَسرِه وقيادتِه؛ وصولاً إلى منظومةٍ كاملةٍ متكاملةٍ، تنتصرُ على ذاتِها أولاً، ثُم على عدوِّها تباعاً، فهي لا تعرفُ التراجعَ، أو الاستسلامَ والتقَهقُرَ، سواءً كان ذلك في ميدانِ الصراعِ مع العدوِّ الصهيونيّ المحتلِّ، أو في ميدانِ التفوقِ والإبداعِ الفلسطينيّ في المجالاتِ المختلفةِ؛ رغبةً في قهرِ الظروفِ الاحتلاليةِ الصعبةِ، وإرادةِ القتالِ لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى