Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الدين والحياة

الهدية والرشوة وضوابطهما الشرعية

الثريا : أنوار هنية

الرشوة والهدية تفصلهما شعرة واحدة يتمثل في الهدف في كل منهما، فالهدية يراد بها حق لاستمالة القلوب و تغليفها بالمودة والرحمة ونثر السعادة، بينما تهدف الرشوة إلى ابطال حق أو إحقاق باطل، نتحدث عن الهدية و الرشوة مع البروفيسور محمد شريدة بتفصيل كل منهما وتأصيله.

يوضح البروفيسور شريدة ” للثريا “أن الهدية مرغبٌ فيها – شرعًا – إذا لم تكن على وجه الرشوة؛ فتدخل في عموم قوله – صلى الله عليه وسلم-: (تهادوا تحابوا)؛ رواه مالك في الموطأ والبخاري في الأدب المفرد، كما يستحب لمن أُهديت إليه قبولها؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: (لو أُهدِىَ إليَّ ذراعٌ لقبلت، ولو دُعيت إلى كراع لأجبت)؛ رواه أحمد.

ويبين بروفيسور شريدة الفارق بين الهدية والرشوة بالقول:”  الهدية هي التي تكون لجلب الحب وتأليف القلوب واستمالتها، أما الرشوة فتدفع لإبطال حق أو إحقاق باطل، أو أخذ حق ليس للراشي، واستحلال السحت باسم الهدية، وهو أظهر من أن يُذكر؛ فإن المرتشي ملعون هو والراشي؛ لما في ذلك من المفسدة؛ ومعلوم – قطعًا – أن ذلك لا يخرج عن حقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية، مثل الهدية للحاكم والقاضي والشافع، وهو أصل فساد العالم، وإسناد الأمر إلى غير أهله، وتولية الخونة والضعفاء والعاجزين”.

ويضيف بروفيسور شريدة :” قد حصل بذلك من الفساد مالا يحصيه إلا الله، وما ذاك إلا لأن قبول هدية من لم تَجْرِ عادتُه بمهاداته، ذريعة إلى قضاء حاجته، والأصل في تحريم الرشوة التي في صورة الهدية ما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي، قال: استعمل النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلًا من بني أسد، يقال له: ابن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، فقام النبي – صلى الله عليه وسلم – على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى أم لا؟! والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرةً لها خوار، أو شاةً تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه: ألا هل بلغت ثلاثًا).

الهدية عطية

ويتابع د. شريدة :”هذا الحديث دليل على أن القصد معتبر في الهدية، فلو كان العمل ليس هو سببَ الهدية، فليست برشوة، وله قبولها، وكذلك لو كان يهدِي له قبل عمله”.
و يذكر د. شريدة قول شيخ الإسلام ابن تيمية: “فوجه الدلالة، أن الهدية هي عطية يبتغي بها وجه المعطي وكرامته، فلم ينظر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى ظاهر الإعطاء، قولًا وفعلًا، ولكن نظر إلى قصد المعطين ونياتهم التي تعلم بدلالة الحال، فإن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية، أُهدِيَ له تلك الهدية، لم تكن الولاية هي الداعيةَ للناس إلى عطيته، وإلا فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته، إما ليكرمِهم فيها، أو ليخفف عنهم، أو يُقدمهم على غيرهم، أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته أو نفعه، لأجل ولايته…، فلما كانت دلالة الحال تقتضي أن القصد بها ذلك، كانت تلك هي الحقيقة التي اعتبرها النبي – صلى الله عليه وسلم – فكان هذا أصلًا في اعتبار المقاصد،

ودلالات الحال في العقود، فمن أقرض رجلًا ألفًا، وباعه ثوبًا – يساوي درهمًا – بخمسمائة، عُلم أن تلك الألف، إنما أُقرضت لأجل تلك الزيادة في ثمن الثوب، وإلا فكان الثوبُ يُترك في بيت صاحبه، ثم ينظر المقترض أكان يُقرَض تلك الألف أم لا؟ وكذلك بايعه ليترك القرض، ثم ينظر هل يبتاع ثوبه بخمسمائة أم لا؟ فإذا كان هذا إنما زاد في العوض لأجل القرض، صار ذلك العوض داخلًا في بدل القرض، فصار قد اقترض ألفًا بألف وخمسمائة، إلا قيمة الثوب، هذا حقيقة العقد و مقصوده”. اهـ. “الفتاوى الكبرى” [6 /157].

حرام شرعا

ويحرم د. شريدة الرشوة قائلا :”هي حرام شرعا” ، مبينا أنواعها:” رشوة ليميل إلى احدهما بغير حق، فهذه حرام عن فعل حرام، على الآخذ والمعطي، وهما آثمان، ورشوة يُعطاها ليحكم بالحق، واستيفاء حق المعطي من دين ونحوه، فهي حرام على الحاكم دون المعطي؛ لأنها للاستنقاذ، فهي كجُعل الآبق، وأجرة الوكلاء في الخصومة”.

و يستدرك د. شريدة :”والفرق بين الهدية والرشوة وإن اشتبها في الصورة، القصد، فإن الراشي قصده بالرشوة التوصل إلى إبطال حق، أو تحقيق باطل، فهذا الراشي الملعون على لسان رسول الله، فإن رشا لدفع الظلم عن نفسه، اختص المرتشي وحده باللعنة، وأما المُهدى فقصده استجلاب المودة والمعرفة والإحسان، فإن قصد المكافأة، فهو معاوِض، وإن قصد الربح، فهو مستكثر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى