أخافُ على ابني من التدخينِ !

يجيب عن الاستشارة الخبير الأسري د.جواد الشيخ خليل
أنا أمٌّ لخمسةِ أبناءٍ ذكورٍ؛ البِكرُ يبلغُ من العمرِ ” 17 ” عاماً ، يدرسُ في المرحلةِ الثانويةِ ، اعترَفَ لي أنه أقدَمَ على التدخينِ تقليداً لأحدِ زملائه في المدرسةِ! ، وتركَه بعدَ ذلك، وقد تابعتُه حتى تأكّدتُ أنه تركَه فعلاً، ومن وقتِها وأنا أعيشُ في خوفٍ وقلقٍ عليه. هل يُمكِنُ أنْ يعودَ له!، وهل يمكنُ أنْ يجرّبَ شيئاً آخَرَ! ، فأصبحتُ أراقبُه كثيرًا، وأتابعُه، وأقتربُ منه، وأنصحُه؛ لكنه لا يتقبَّلُ مني في الكثيرِ من المواقفِ!، ويُعارضُني أحياناً!، أرشدوني.. عزيزتي الأم، ابنُكِ يمرُّ في أوجِ مراحلِ المراهقةِ ؛ وهي الفترة ما بينَ سنِّ ” 13 ” إلى ” 20 ” تقريباً ، وفي هذه المرحلةِ ينبغي أنْ تتعاملَ الأسرةُ مع الفتَى أو الفتاةِ بدِقّةٍ متناهيةٍ ، حاوِلي فَهمَ خصائصِ وطبيعةِ هذه المرحلةِ؛ ليَسهُلَ لكِ التعاملُ معها بصورةٍ صحيحةٍ، واحترَمي رغبتَه في الاستقلالِ والتفرُّدِ وتأكيدِ الذاتِ .
لا تَستخدمي العنفَ معه، وتعامَلي معه برِفقٍ ولينٍ، لأنّ احتواءَه في المحيطِ الأُسَريّ، وإشعارَه بدَورِه الكبيرِ في المنزلِ، وحمايتَه من الانجرافِ خلفَ السلوكياتِ السلبيةِ، وتوجيهَه لرِفقةِ صالحةٍ ؛ كلُّ ذلك يساهمُ في صلاحِ ابنِك، فعليكِ بعملِ الصالحاتِ ، والبعدِ عمّا يُغضِبُ اللهَ من الأقوالِ والأعمالِ ، ثُم عليكِ بالدعاءِ _بإلحاحٍ_ في خلواتِك وصلواتِك وآخِرِ الليلِ بأنْ يُصلِحَ اللهُ ذريَّتَكِ ، ويباركَ لك فيها ، وُيبعدَهم عن كلِّ شرٍّ ومكروهٍ .
ابنُكِ يرغبُ في تأكيدِ ذاتِه، ويفرضُ شخصيتَه في هذه المرحلةِ ، وما تفعلينَه من كثرةِ اللومِ لِما يفعلُ، وكثرةِ الأوامرِ (افعَلْ ولا تفعلْ)، وما قد يكونُ قد لاحظَه ممّن يتعقّبُ أفعالَه عندَ أصحابِه ؛ كلُّ ذلك يجعلُه يكرهُ والمنزلَ الذي أنتِ فيه ، ولذا فإنه ينبغي تَبادُلُ الأدوارِ بينَكِ وبينَ والدِه؛ الذي أشرْتِ إلى حبِّه له وخوفِه منه ، وعليكِ بالتحبُّبِ إليه بالدعواتِ الصادقةِ، والهديةِ المناسبةِ، ومشاركتِه أفراحَه، وتشجيعِه لدعوةِ أصحابِه للضيافةِ في المنزلِ ، مع التقليلِ الكبيرِ في هذه الفترةِ من اللومِ والعتابِ والتوجيهِ والنصائحِ .
وعلى والدِه مصاحبتُه بشكلٍ أكبرَ ، وتكليفُه بمُهامٍ في المنزلِ تتناسبُ مع سِنِّه ؛ كشراءِ أغراضِ المنزلِ ، واستشارتِه في ما يعترضُ من أمورٍ ، بل والأخذِ برأيِهِ ما دامَ ذلك مُمكِناً ، وأنْ يتعرّفَ على زملائه ، ويُشعِرَ ابنَه باحترامِه لهم ، ثُم التحاورِ معه في مناسبةِ هؤلاءِ الأصحابِ له .
الأصلُ أنّ التدخينَ في حياةِ ابنِك؛ كان أمراً عارضاً ثُم انتهي؛ ما دام اعترفَ لكِ بالتدخينِ، وبيَّنَ أنه تركَه ، فيجبُ ألّا تُخوِّنيهِ بهذا الشأنِ ، حين يَبلُغُكِ أنّ ابنَك عادَ للتدخينِ ، أو رأيتِ أثرَ ذلك عليه، أو شمَمتِ رائحةً منه ؛ فدَعي العلاجَ يكونُ من خلالِ والدِه بجلسةٍ هادئةٍ معه ، وحوارٍ صريحٍ خارجَ المنزلِ في رحلةٍ وُدِّيةٍ ، ولْيَكُنْ النقاشُ يَدورُ حولَ ما يُعينُ على التخلصِ من المشكلةِ والإقناعِ أكثرَ من اللومِ والتأنيبِ والتهديدِ ونحوِ ذلك .. مع بيانِ حُرمةِ التدخينِ ، والوعيدِ في حقِّ مَن أهلكَ نفسَه، وأنه ضارٌّ بصحتِه ، مع تأكيدِ أهميةِ ابتعادِه عن رفيقِ السوءِ الذي فتحَ البابَ أمامَه للتدخينِ، ومن المُهمِّ أنْ يُهيَّأ له رفقةٌ صالحةٌ تُعينُه على الخيرِ ، ولتَكنْ من أقربائه ، أو زملائه في المدرسةِ ، أو من حلقةِ القرآنِ القريبةِ من المنزلِ .