أنتَ مِش قليل ..!

بقلم الإعلامية: رشا فرحات
تحكي الروايةُ عن رجلٍ أعطى لابنِه حجَراً؛ وطلبَ منه الذهابَ إلى السوقِ لبَيعِه، وإذا سأله أحدُهم عن سِعرِ الحجرِ؛ لا يجيبُ.. بل يرفعُ للزبونِ أصبعَينِ.
وحينما جلسَ في السوقِ أتتْهُ امرأةٌ؛ وطلبتْ شراءَ الحجرِ؛ فرفعَ لها أصبعَينِ؛ فقالت أشتريهِ بدولارَينِ، وحينما حكَى لوالدِه؛ قال له اذهبْ بالحجرِ إلى المُتحفِ واعرِضْهُ هناك، وإذا سألكَ أحدُهم عن السعرِ ارفعْ له أُصبعينِ، وهناك رفعَ الطفلُ أصبعينِ لأحدِ الزبائنِ؛ فقدَّرَ الرجلُ الحجرَ بألفَي دولارٍ!.
وبعدَها طلبَ الأبُ من الابنِ أنْ يذهبَ إلى تاجرِ الأحجارِ الكريمةِ، ويعرِضُ عليه بيعَ الحجرِ، وبأنْ يكتفي _كما المراتِ الأولى_ بأنْ يرفعَ له أُصبعينِ، فقدَّره بائعُ الأحجارِ الكريمةِ بمِائتَي ألفِ دولارٍ.
هنا مَكمنُ الفرَسِ، أنتَ في المكانِ الذي تضعُ فيه نفسَكَ ، “أنتّ مِش قليل” ، فلا تَستصغِرْ نفسَكَ، ولا تستصغِرْ الآخَرينَ.
كثيرٌ من الناسِ يستهينُ بما يقدِّمُه للمجتمعِ، فيُصيبُه الإحباطُ من عملِه الذي يقومُ به، كما أنّ كثرةَ التفاصيلِ والتخصُّصاتِ جعلتْ الأشخاصَ متشابهينَ، وجعلتنا نتهاونُ فيما نقدِّمُه؛ لأننا نعتقدُ أنَّ الجميعَ يُقدّمونَ ما نُقدّمُ، وفي الحقيقةِ أنّ لكُلٍّ مِنا لَمسَتَه التي تميِّزُه عن غيرِه، ولا بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ يُمكنُ أنْ يتطابقَ اثنانِ فيما يقدِّمانِ.
شعورٌ جميلٌ حينما تشعرَ أنّ ما تُقدِّمُه من عملٍ _على تفاهتِه من وِجهةِ نظرِكَ_ هو أمرٌ تُؤجَرُ عليه، وحينما تنوي القيامَ من فراشِكَ صباحاً؛ جميلٌ أنْ تَجعلَ يومَكَ للهِ تعالى بما فيهِ، فتَشعرَ أنك يجبُ أنْ تُقدّمَ كلَّ ما بوِسعِكَ لإرضائه.
وتذَكّرْ أنّ هذا العالمَ لم يَطلبْ منكَ أنْ تصبحَ (امبراطوراً)، أو تُنقِذَ طبقةَ الأُوزونِ، أو تخترعَ علاجاً سِحريّاً للحماقةِ!.
أنتَ شخصٌ عاديٌّ من وِجهةِ نظرِ نفسِك، لكنكَ مُميَّزٌ من وِجهةِ نظرِ الآخَرينَ، فمَن يعملْ مُمرضاً؛ يرى الطبيبَ عظيماً، ومن يعملْ بواباً للمستشفى؛ يرى الممرضَ عظيماً، ومن يرقُدْ على سريرِ المرضِ؛ ولا يقوَى على الحراكِ؛ يرى البوّابَ على بابِ المستشفى عظيماً!.
في كلِّ مكانٍ هناك من سَيراكَ عظيماً؛ ولكنْ بشرطِ أنْ ترَى نفسَكَ عظيماً أنتَ كذلك، ببساطةٍ “أنتَ مِش قليل”!.