لِكُلِّ مقاوَمةٍ وقتُها..

بقلم: د. عصام عدوان محاضر بجامعة القدس المفتوحة.
طيفٌ واسعٌ من أنواعِ المقاومةِ؛ فلِكُلِّ مقاومةٍ أدواتُها، وفئاتُها، ووقتُها، وتأثيرُها‘ وقديماً قالوا: “لكُلِّ وقتٍ أذانٌ”. إنّ المقاوَمةَ المسلّحةَ هي أكثرُ أشكالِ المقاومةِ تأثيراً وقدرةً على تحقيقِ الأهدافِ؛ لكنّ ظروفاً موضوعيةً قد تُرجِئُ هذه المقاومةَ؛ فيستوجبُ الأمرُ استخدامَ أشكالٍ أخرى من المقاومةِ.
كما أنّ المقاومةَ المسلّحةَ قد تُناسبُ فئةَ الشبابِ دونَ غيرِهم، فماذا تصنعُ فئاتُ المجتمعِ الأخرى؟ هل تقفُ متفرّجةً! إنما يَسَعُها أشكالٌ كثيرةٌ من المقاومةِ: المقاومةُ بالكلمةِ، وبالعِلمِ، وبالفكرِ، وبالإعلامِ، وبالاقتصادِ والمقاطعةِ، وبالتظاهُرِ، والإضرابِ، وكتابةِ البياناتِ والعرائضِ، واستخدامِ المَحافلِ الدوليةِ، وإنشاءِ مؤسساتِ رعايةِ أُسَرِ الشهداءِ والأسرى والجَرحى، وكفالتِهم، وتوفيرِ المؤسساتِ الطبيةِ اللازمةِ، وتقديمِ التبرعاتِ اللازمةِ لمختلفِ نشاطاتِ المقاومةِ، وتقديمِ الغذاءِ والكساءِ والمعلوماتِ للمقاومينَ، والدفاعِ عنهم وعن مشروعِهم، وغيرِ ذلك ممّا يجعلُ المقاوِمَ يعيشُ في مجتمعِه كالسمكِ في الماءِ.
إنّ لكُلِّ أسلوبٍ من أساليبِ المقاومةِ دَورَه الذي يخدمُ به المقاومةَ؛ وعندما يُستخدمُ أيُّ أسلوبٍ في وقتِه المناسبِ؛ لا يقومُ مقامَه أسلوبٌ آخَرُ، ويؤدّي وظيفةً لا تتحققُ بغَيرِه.
فعندما يجرِّد العدوُّ حملةً إعلاميةً عبرَ العالمِ؛ للترويجِ لادِّعائه بيهوديةِ الدولةِ؛ يَبرزُ دَورُ الفكرِ والإعلامِ، واستخدامِ المحافلِ الدوليةِ للتصدّي لتُرَّهاتِ العدوِّ، ويتراجعُ لصالحِها دورُ الوسائلِ الأُخرى، وعندما يعتقدُ العالمُ أنّ اللاجئينَ قد انتهوا، وانتهتْ قضيتُهم؛ يصبحُ لزاماً على اللاجئينَ أنْ يقوموا بعملٍ من شأنِه أنْ يُعليَ صوتَهم، ويُجبِرَ العالمَ على الإصغاءِ إليهم، وعندما يسقطُ الشهداءُ والجرحَى والأَسرى؛ يَبرزُ دورُ مؤسساتِ رعايةِ أُسرِ الشهداءِ والجَرحى والأسرى؛ فتَحتضِنُ أُسرَهم، وتُقدِّمُ كلَّ الدعمِ اللازمِ لهم؛ ولذلك كان أجرُ الكافلِ كأجرِ المجاهدِ؛ كما قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم: “مَن خَلَفَ غازياً في أهلِه فقد غزَى”. وهكذا.
وفي ظِلِّ تَراجُعِ خِيارِ المقاومةِ المسلحةِ اليومَ؛ لِظروفٍ موضوعيةٍ معقّدةٍ؛ فقد ابتدعَ شعبُنا الفلسطينيّ البطلُ أسلوباً جديداً من المقاومةِ السلميةِ “لا يُستهانُ به”؛ استطاعَ أنْ يوظِّفَ طاقاتِ فئاتِ الشعبِ بأكملِها، ويوحِّدَ فصائلَ وقوَى الشعبِ تحتَ رايتِه؛ إنها #مسيرة_العودة_الكبرى، وقد جاءَ وقتُها ليقولَ الشعبُ_ بشيوخِه ونسائهِ وأطفالِه وشبابِه_ كلمتَه؛ ويأخذَ قرارَه بانتزاعِ حقوقِه بيَدِه، وهكذا فقد وجدَ كلُّ ذي اختصاصٍ دَورَه في هذه الجولةِ السلميةِ: القانوني، والإعلامي، والسياسي، والدبلوماسي، والاقتصادي، والمفكِّر، والأديب، والشاعر، والرسام، والفنان، والمُخرِج، والسينمائي، والخياطُ والنجارُ.. وغيرُ ذلك. فهل يقولٌ عاقلٌ: أنه لا داعيَ لهذه الجهودِ؛ وأنها لن تُثمِرَ مِثلَ الكفاحِ المسلّحِ؟! هل يَطلبُ عاقلٌ من الناسِ أنْ ينتظروا الظروفَ لتسنحَ للكفاحِ المسلح؟! هل نَدَعُ العدوَّ وحلفاءَه ينسجونُ المؤامراتِ تُجاهَ حقوقِنا؛ ونقفُ مكتوفي الأيدي بانتظارِ مَن يَمتَشِقُ السلاحَ ليستعيدَ الحقوقَ؟!
إنّ الادّعاءَ بالخوفِ على حياةِ الناسِ من أنْ يَستهدِفَهم العدوُّ _وهم مُسالمون_ إنما هو تعبيرٌ مُبطَّنٌّ عن الخوفِ من الموتِ؛ لأنّ الحربَ أيضاً تحصدُ أولَ ما تحصدُ المَدنيينَ المسالمينَ، وكم من عائلةٍ أبادَها العدوُّ في وقتِ الحربِ دونَ أنْ تَستخدمَ السلاحَ! قال تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ .. } (النساء 78) فضلاً عن أنّ المقاومةَ السلميةَ لها أصولٌ وإجراءاتٌ تَحولُ دونَ استهدافِ العدوِّ لها بشكلٍ واسعٍ؛ على ألّا يَندَسَّ بينَ الناسِ مَن يُفسدُ سلميةَ حراكِهم؛ ويُحيلُه إلى مواجهاتٍ داميةٍ؛ لأنه لا يُمكنُ الجمعُ في ميدانٍ واحدٍ بينَ المقاومةِ السلميةِ، والمقاومةِ المسلّحةِ؛ وإلّا فإنّ الفناءَ و.. يَنتظرُهم؛ ولذلك وجبَ الأخذُ على أيدي المستهتِرينَ بحراكِ الناسِ السلميّ؛ الداعينَ لجَعلِه غطاءً لأعمالِ المقاومةِ العنيفةِ بمستوياتِها المختلفةِ. لقد جاءَ أوانُ المقاومةِ السلميةِ.. فلْتُعطوها وقتَها.