فلسطين تجمعنافلسطينياتكتاب الثريامدونات الثريامسيرات العودة الكبرى

مسيرة العودة – أجيال تتوارث

الكاتب: أ. محمد شفيق السرحي.

حملت مسيرا العودة العديد من الجوانب و المضامين، والرسائل التي بثتها بنجاح، وتلقفها العالم بأسره، وحركت المياه الراكدة على طريق القضية الفلسطينية، التي يحاول البعض التخلص من ربقتها، وتبعاتها، ولكن أنى لهم ذلك، في ظل حركة جماهير أبية، وشباب ثائر منتفض، وهمة متوقدة لا تتوقف.

وقد تناول العديد من الكتاب والمحللين السياسيين، مسيرة العودة، من كافة جوانبها، ورسائلها، وتوقيتها، والانعكاسات السياسية والأمنية لهذه المسيرة التي تتواصل للأسبوع الثاني على التوالي، وبما أن المسيرة تحمل في جنباتها ومضامينها، العديد من القيم والرسائل التربوية المختلفة، والتي ينبغي الالتفات لها، في خضم الزخم الإعلامي والجماهيري والسياسي لهذه المسيرة، والإجماع الشعبي المنقطع النظير.

ولا شك أن اجتماع الصغار مع الكبار، والأب مع ابنه، والفتاة مع أمها، في مسيرة العودة الكبرى، يمثل زادا تربويا إيمانيا، أخلاقيا، ووطنيا، حيث تجتمع الذكريات، وتسرد حكاوى الأجداد والجدات، عن سالف الازمان، وقصص الركبان، في أجمل بلاد العربان، وتقدم العديد من المعاني التربوية الجميلة، حيث التضحية والفداء، والانتماء للأوطان، والإيثار والاجتماع، والتواصل الروحي والفكري والعقلي، مما يبرز ظاهرة توارث الأجيال جلية واضحة, ليدحض مقولة العدو : ” الكبار يموتون , والصغار ينسون ” .

والمتأمل لهذه المسيرة، من الوجهة التربوية، ليسجل النقاط التالية، التي تجسد حسا تربويا عاليا، حملته العديد من فعاليات المسيرة الكبرى للعودة:

-توقيت المسيرة : حيث أن الدعوة لمسيرة العودة الكبرى , يوم الجمعة , والذي يمثل عيدا للمسلمين جميعا , ويوما أسبوعيا لتجمعهم , يؤكد على التصاق الجماهير بقدسية التوقيت الديني للتجمع والالتحام , وسهولة الأمر لتجمع الآلاف من الثائرين , وكونه يوم إجازة رسمية , ناهيك عن البركة في هذا اليوم , وساعة الإجابة فيه , والتأكيد على ذلك , ظهر من خلال إقامة الصلوات الجماعية في يوم الجمعة , في أماكن الاعتصام بموازاة الحدود المصطنعة لغزة الشامخة , ” يآيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ” , والجمع والجماعات من شعائر الدين ومقاصده العظيمة.

-أسماء القرى والمدن: مشاركة العائلات الفلسطينية التي هجرت من مدنها وقراها، ووضع لافتات ويافطات تحمل أسماء هذه المدن والقرى، كالمجدل واسدود، وهربيا وزرنوقة وحمامة، المغار والجورة، وغير ذلك، مما يرسخ في أذهان الشباب والفتيات، وصغار السن، الأسماء الحقيقة للمدن والقرى الفلسطينية، التي أخرج منها أجدادهم، ولم يدركوها، ولم يعيشوا هذا التاريخ بكافة تفاصيله، مما يعزز الانتماء الوطني، والتاريخي بفلسطين الحضارة والتاريخ، ويقودهم للبحث والتنقيب عن تفاصيل هذه المدن، وحالها اليوم.

-الأهازيج والأناشيد : الكلمة المغناة , والتي تحمل القيم والمعاني الوطنية النبيلة , تسري إلى القلب والعقل الباطني , وفق منظومة ما تحت الشعور , فما تنشده الجدات والأجداد , من أهازيج وأناشيد العودة , وأغاني البلاد قبل الهجرة والتهجير القسري , تعزز حالة الحنين والشوق , إلى هاتيك الأيام , وتحفز وتثير الدافعية لدى الجيل القادم الصاعد , لتلقي هذا الشوق والحنين للبلاد , والعمل على ترجمته إلى انفعال عاطفي , يقود إلى ثورة نفسية عارمة , تتجسد مظاهره في مقاومة باسلة , واندفاع نحو دحر العدو الغاصب عن أرضنا السليبة .

-النخوة والشهامة والرجولة : اندفاع الشباب والفتيات , نحو الحدود الزائلة ” بإذن الله ” , للتعبير عن رفضهم للعدو الغاصب ووجوده , وكم التضحية الموجودة لدى هؤلاء الأبطال , يؤكد الحيوية والبطولة والإقدام لديهم , والاندفاع نحو الشباب الذي قد يصاب من العدو , أو يستشهد , لعلاجه أو تقديم العون له , وتشكيل سياجات حامية لبعضهم البعض , يظهر حجم الإيثار والانتماء الذي يمتلكه هؤلاء الرجال , وما أخرجته لنا صور المصورين الموثقة , خاصة صورة الشباب الأربعة الذي حموا تلك الفتاة , وهي تفر هربا من قناصة العدو , تنبئك بحجم النخوة والشهامة , التي يرسخها هؤلاء .

-التحدي والإصرار : أن يصر صاحب الحق على حقه دون استسلام , وأن يواصل البحث عما يوصله لهذا الحق بكل ثبات, قيمة تربوية , قلما تجد من يتقنها , ولعل بروز كثير من المشاهد التي تؤكد هذه القيمة , وليس أبرزها , ذلك الصبي الصغير الذي تقدم الخطوط , واضعا ” بصلة ” في كمامته التي على فمه , متحديا الغاز المسيل للدموع , الذي يطلقه العدو الصهيوني على المتظاهرين , تشكل حالة من العناد والتحدي الفلسطيني , والرسالة الواضحة للعدو , أن هذا الصغير نموذج مصغر لحالة مستشرية , وطبيعة فلسطينية غزية أصيلة في العناد للحق , والتحدي والإصرار .

-الصور الرمزية : ما شاهدناه من حياة كاملة متكاملة ” وإن كانت بشكل رمزي ” , في مسيرة العودة , محاضر جامعي يدرس طالباته , ولي أمر يحتفل بذكرى ميلاد أبنائه , مزين الرجال يقيم صالونه في خيام العودة , الجدات وهن يقمن بالأعمال التي كانت قبل الهجرة , حلقات السمر والدبكة الشعبية , توجد صورة مصغرة لما سيكون عليه الحال , بعد العودة إلى البلاد , وان مسيرة العودة بدأت من حدود القطاع المصطنعة لتحط رحالها إلى العودة القريبة الميمونة للبلاد , ثم ترسخ ظاهرة توارث الأجيال , بحيث جيل يسلم جيل , دون اندثار للقيم النبيلة , والعادات الأصيلة , التي يصعب وجود فجوات بين حامليها , وأجيالها المتلاحقة , والتي سادت فلسطين , على مدار سني قضيتها .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى