فلسطين تجمعنافلسطينياتمسيرات العودة الكبرى

نساءٌ يرسمنَ حُلمَ العودةِ بالصاجِ والعَلمِ والكاوشوك والقلمِ!

إعداد: أنوار هنية

في فلسطينَ تختلطُ هتافاتُ النصرِ بأهازيجِ العودةِ؛ مع زغرودةٍ صدحتْ من حَنجرةِ أمٍّ ودّعتْ فِلذةَ كبدِها شهيداً برصاصِ قنّاصِ المحتلِّ الصهيوني على حدودِ الوطنِ، نساءٌ وأطفالٌ وشبانٌ و رجالٌ وعائلاتٌ بأكملِها، فئاتٌ وأجيالٌ وألوانٌ مختلفةٌ جمعَهم حقُّ العودةِ، وحُبُّ فلسطينَ على طولِ الشريط ِالحدودي الفاصلِ.

لوحةٌ فنيةٌ أسطوريةٌ تشكّلتْ على حدودِ غزة؛ اجتمعتْ في “مسيرةِ العودةِ الكبرى”؛ حيثُ طالبَ الشعبُ الفلسطينيّ بحقِّه في العودةِ إلى ديارِهم المحتلةِ عامَ( 1948) ضِمنَ قرارِ الأممِ المتحدةِ رقم (194)؛ اجتمعوا بمسيرةٍ سلميّةٍ؛ لم تَلبثْ أنْ تضرّجتْ بالدماءِ بعدَ اعتداءِ قواتِ الاحتلالِ على المتظاهرينَ، وكان للنساءِ حضورٌ في مختلفِ المجالاتِ؛ فحضرتْ ربّةُ البيتِ مع أبنائها، والجدّةُ، والطالبةُ، والإعلاميةُ، والممرّضةُ.

على مسافةِ أمتارٍ قليلةٍ؛ وقفتْ الحاجّة “فاطمة عبد الله”؛ التي تأتي كلَّ جمعةٍ؛ تَخزِنُ في ذاكرتِها أحاديثَ والدَيها عن بلدتِها الأصليةِ يافا “عروسِ فلسطين”؛ تُردّدُ أهازيجَ العودةِ؛ وتَحملُ في يدِها عَلماً مرفوعاً بأنَفَةٍ؛ يَعلو شامخاً أمامَ المحتلِّ الصهيونيّ المدجّجِ بالأسلحةِ، خلفَ السلكِ الفاصلِ الذي صنعتْهُ أيدي الاحتلالِ.

بابتسامةٍ لم تُفارقْ محيّاها، تتحدثُ الحاجّة :”هذه بلادُنا؛ وسنعودُ لها يوماً منتصرين على هذا المحتلِّ؛ الذي أخرَجَنا من ديارِنا عامَ( 48)؛ مُشيرةً بإصبعِها المرتجفةِ نحوَ أراضيها المحتلةِ على مَدِّ بصرِها؛ والتي خَفقَ لها قلبُها؛ وذهبتْ بذاكرتِها إلى أحاديثِ الأجدادِ وليالي السهر والسمر،  واحتفالاتِ النبي رُوبين”.

سرحتْ بمخيّلتِها برحلاتِ الصيفِ والبحرِ، وحياةِ حلمتْ أنْ تعيشَها مِثلَ آبائها وأجدادِها؛ لكنها سُلبتْ منها رغماً عنها.. ، وبتنهيدةٍ عادت إلى حيثُ تقفُ على الحدودِ؛ وتبعدُ أمتاراً قليلةً عن المحتلِّ؛ الذي اغتصبَ أرضَها لتقولَ:” سأشاركُ في مسيراتِ العودةِ؛ ولن يمنعَني شيءٌ سِوى الموتِ، هذه بلادُنا وأرضُنا.. ولن ننساها يوماً؛ كما ادّعى كبيرُ المغتصبينَ الصهاينةِ “بن غوريون” في مقولتِه التي لم تَصلْ آذانَنا أو قلوبَنا يوماً؛ ولم نُعِرْها أيَّ اهتمامٍ “الكبارُ يموتونَ، والصغارُ ينسون” ، فقد مات كبارُنا؛ ولكنّ صغارَنا حَملوا الرايةَ وأكملوا المشوارَ؛ ولا تزالُ الأجيالُ تتعاقبُ على حملِها_ دونَ ملَلٍ أو كلَلٍ_ بتضحيةٍ واستبسالٍ”.

وتشاركُ الحاجةُ “فاطمة” بمسيراتِ العودةِ مع أبنائها وأحفادِها؛ فيتناولونَ الإفطارَ على مرمَى بصرِ بلدتِهم الأصليةِ؛ فتُحدثُهم عن مسجدِ البحرِ،  ومسجدِ حسن بك، وبُرج ساعةِ يافا؛ وهو من أهمِّ الآثارِ المعماريةِ العثمانيةِ في المدينةِ.

وعلى بُعدِ أمتارٍ قليلةٍ؛ تجلسُ الحاجةُ “شفا أبو حسنين” من مدينةِ المجدلِ؛ زيّنتْ رأسَها بالكوفيةِ؛ و حولَها أحفادُها تصنعُ لهم خبزَ الصاجِ، مع جارتَيها الخمسينياتِ “أم أحمد الرملاي، وأم عادل أبو ريالة”، اتّفقْنَ على المسيرِ مبكراً يومَ الجمعةِ؛ وقد أعدَدْنَ ما يلزمُ لإعدادِ خبزِ الصاج، وقد تمسّكَ بهنَّ أحفادُهنّ؛ يُرِدنَ المشاركةَ في مسيراتِ العودةِ، و رؤيةَ حدودِ بلادهم _ولو من بعيدٍ_ ليشتمّوا رائحتَها ويتنفسوا أريجَها…

في خيمةِ مسيراتِ العودةِ؛ امتزجَ نسيمُ المجدلِ، مع عبقِ الرملةِ، ورائحةِ بلادِ بربرة، امتزجتْ بينَ النساءِ الثلاثِ؛ لتتشكلَ في “فرشوحةِ” الصاجِ التي أعدّتْها أيديهنَّ مجتمعةً، تقولُ “أبو حسنين” لجارتِها ممازحةً: سوفَ أمرُّ عليكِ في الرملةِ؛ لنزورَ مقامَ النبي صالح معاً، وتشارُكهم أمُّ عادل الحديث:” سوفَ أدعوكم إلى “بربرة” في موسمِ قطفِ العنبِ؛ فقد كان موسمُ العنبِ عيداً عند أجدادِنا، وسوفُ نصنعُ مُربَّى “العنبية” والدِّبس معاً”، قاطعَهم صوتُ شفا أبو حسنين قائلةً :”بإذنِ اللهِ سنعودُ إلى بلادِنا، ونتنعّمُ في خيراتِها، وسنزورُ الجامعَ الكبيرَ في مدينةِ المجدل، ونشتري الأقمشةَ القطنيةَ والحريريةَ التي امتازت بها مدينةُ المجدلِ؛ لنصنعَ أبهَى الثيابِ، ونصليَ في الجامعِ الكبيرِ، لكنْ دَعونا الآنَ نُنجِزُ الصاجَ سريعاً لنُطعمَ جيرانَنا في الخيامِ الأخرى “.

مشاركاتٌ عائليةٌ

إلى يافا المنشية؛ ستعودُ أمُّ دعاء عمار مع زوجِها وعائلتِها، حُلمٌ يراوِدُها ويدفعُها للمشاركةِ في مسيراتِ العودةِ الكبرى، تستعدُّ باكراً وتُعِدُّ وجبةَ الإفطارِ والغَداءِ مع عائلتِها وأحفادِها، تُعدُّ لها كما الإعدادِ لنزهةٍ.. كيف لا وهي تشتمُّ عبيرَ بلادِها، وتستنشقُ عَبقَ ياسمينِ بلادِها ليتعمّقَ في وجدانِها أكثرَ فأكثَر، تنطلقُ بقلبِها تجوبُ مساحةَ أراضيهم الممتدةِ على الحدودِ، وتُسلِمُ بناظرَيها على أجزاءِ وطنِها السليبِ، تَطبعُ قُبلتَها على جبينِ كلِّ مَعلمٍ فيها؛ وكأنّها تجوبُ شوارعَها في مخيّلتِها!.

تتلمّسُ الشوقَ بين ثنايا حروفِها، وكذا الاندفاعُ نحوَ حقِّها في العودةِ إلى مَوطنِها فتقولُ لنا:” فلسطينُ كلُّها لنا نحن؛ هي أرضٌ خالصةٌ لنا ولكُلِّ المسلمينَ؛ ولا يجوزُ التصرّفُ بها،” بيعُها أو تبديلُها أو شراؤها”؛ هي حقٌّ واجبٌ؛ وليستْ مُلكاً لأحدٍ ليتنازلَ عنها، أو يفوّضَ أحداً عنه بالتنازلِ عنها، هي حقٌّ للمسلمينَ إلى قيامِ الساعةِ، هذا ما نربّي عليه أبناءَنا.. وما نؤمنُ به وندفعُ من أجلِه الغالي والنفيسَ.

وتتابعُ عمار:” وهذا ما يدفعُني للمشاركةِ في مسيراتِ العودةِ؛ فقد شاركتُ في جمعةِ مسيراتِ العودةِ الأولى، وجمعةِ الكوشوك، وجمعةِ حرْقِ العلمِ الصهيونيّ؛ الجمعةِ التي أزالَ فيها شبابُنا السلكَ، وسأشاركُ بإذنِ اللهِ في الجمعةِ القادمةِ”،  كما سأشاركُ في الفعالياتِ التي تقامُ في مسيراتِ العودةِ خلالَ الأسبوع؛ منها فعالياتُ الأسرى والتي تتزامنُ مع يومِ الأسيرِ الفلسطيني، وغيرِها من الأنشطةِ المختلفةِ.

وتَصفُ “عمّار” المشاركينَ بمسيراتِ العودةِ ب”المشاركةِ العائليةِ”؛ حيثُ تأتي عائلاتٌ بأكملِها بأبنائهم وأحفادِهم، من الصباحِ الباكرِ؛ يتناولونَ إفطارَهم على نسيمِ رائحةِ بلادِ الأجدادِ على اختلافِ مدُنِهم وقراهُم، بالإضافةِ إلى حضورِ آلافِ الشبانِ والفتياتِ الذين يحملونَ في قلوبِهم حُلمَ العودةِ.

وتستطردُ عمار:”مسيراتُ العودةِ جعلتنا نذهبُ إلى أماكنَ حظَرَها الاحتلالُ علينا، ومنعَنا من الاقترابِ منها؛ لكنها نزعتْ الخوفَ من قلبِ الشعبِ الفلسطينيّ؛ الذي أصبح يرى فيها متنفَساً لرؤيةِ ثرَى بلادِه_ ولو من بعيدٍ_”.

سطعَ نجمُ المرأةِ الفلسطينيةِ في مسيراتِ العودةِ؛ حيثُ اجتمعنَ على اختلافِ ألوانِهنّ وتوجّهاتِهم ومِهنهِنّ، تقولُ أم دعاء عمّار:” تجدُ في مسيراتِ العودةِ ربّةَ البيتِ حاضرةً مع عائلتِها، وتجدُ الأمَّ والجدّة، والطبيبةَ، والممرضةَ، والمهندسةَ، والإعلاميةَ، وكذا طالباتِ المدارسِ والجامعاتِ؛ حيثُ يأتينَ  كفسحةٍ ليستنشِقنَ عبيرَ موطنِهنَّ، كرحلةٍ سفاري، ففي فلسطينَ أصبحتْ الفسحةُ عبرَ الحدودِ جهاداً، وقد قال صلى الله عليه وسلم (إنّ سياحةَ أُمتي الجهادُ في سبيلِ اللهِ تعالى).

وتضيفُ عمار :”جرأةُ هذا الشعبِ و استبسالُه؛ تَفوقُ حدَّ التصوّرِ!، فنحن نأتي هنا لا حارسَ لنا إلا الأجلُ.. يقودُنا حقُّنا الذي نريدُ انتزاعَه منهم، بينما يتخبطُ الصهاينةُ، وتُوزّعُ عليهم التعليماتُ بالتزامِ مخابئهِم، ويضعونَ السواترَ الرمليةَ وخلافَه.. و يتردّدُ في وسائلِ الإعلامِ العبري استحداثُهم لوسائلَ جديدةٍ بينَ الفينةِ والأخرى؛ لمواجهةِ مسيراتِ العودةِ التي يأتي إليها المشاركونَ عُزَّلاً.

وتؤكّدُ “عمار” أنّ مسيراتِ العودةِ أحيَتْ القضيةَ الفلسطينيةَ؛ وجعلتها حاضرةً في قلوبِ الشعوبِ، كذلك الأعلامُ الفلسطينيةُ التي أصبحت ترفرفُ في كثيرٍ من المحافلِ الكرويةِ، من مناصري القضيةِ الفلسطينيةِ؛ الذين يرونَ رفعَ علمِ فلسطينَ شرفاً يستحقُ المخاطرةَ.

وتبيّن عمار:” أتى المشاركونَ طواعيةً منهم؛ دونَ دعواتٍ من جهاتٍ معيّنةٍ؛ فهي خِيارٌ شعبيٌّ أجمعَ عليه الكبيرُ والصغيرُ، والكثيرونُ منهم يأتون مشياً على الأقدامِ في جماعاتٍ، وتجلّتْ مظاهرُ العودةِ بأساليبَ جميلةٍ؛ حيثُ ينادي السائقونَ الذين ينقلونَ المشاركينَ إلى مسيراتِ العودةِ بأسماءِ المدنِ الأصليةِ فيقولون: “إلّلي رايح عـحيفا، عـيافا، عالمجدل، عالجورة”! وامتزجَ حُلمُ العودةِ بالواقعِ المُعاشِ مزاحاً، فتقولُ الجارةُ لجارتِها :”حَمَيّلْ عليكِ عالرملة؛ نتسوّق مع بعض”!.

وتقولُ عمّار:” مسيراتُ العودةِ أزالت الشحناءَ من النفوسِ، فبعضُ العائلاتِ كانت على خلافٍ مع بعضِها؛ لكنها حينما التقتْ في مسيراتِ العودةِ؛ جلسوا بجوارِ بعضِهم، وقالوا لبعضِهم: “تعالوا نقهويكم” بأجواءٍ إيجابيةٍ ومشاعرَ جميلةٍ؛ كأنها استعدادٌ للعودةِ الحقيقةِ.

الحقُّ يُنتزَعُ ولا يَتجزّأُ

وفي مسيراتِ العودةِ تشاركُ المرأةُ الأربعينيةُ “أميرة الدحدوح” هي وأبناؤها في التجوّلِ  على حدودِ فلسطينَ، وتقولُ لنا:” قدِمتُ أنا وأبنائي لنشاركَ في مسيرةِ العودةِ الكبرى.. ففلسطينُ كلُّها _من البحرِ إلى النهرِ_ حقٌّ للفلسطينيينَ، نريدُ أنْ نرى بلادَنا التي اغتصبَها الاحتلالُ الصهيوني، أريدُ أنْ أتسوّقَ في حيفا؛ وأُصيّفَ في يافا؛ و أتنسّمَ هواءَ الربيعِ في الرملةِ، وأشتريَ الحريرَ من المجدلِ، وأمُرَّ على ربوعِ بلادي كلِّها، لقد حرَمَنا الاحتلالُ الصهيوني من أراضينا “عَنوةً”، ونحن هنا لنقولَ له “فلسطينُ كلُّها لنا”، وحقُّنا سنَنتزِعُه انتزاعاً من قلوبِكم وأجسادِكم، ولن تُرهِبَنا رصاصاتُكم، ولا الغازُ الذي تحاولونَ خَنقَنا به. والطفلُ الذي يلبسُ حفاضتَه؛ ومصّاصتُه في يدِه يشاركُ في مسيراتِ العودةِ بلا سلاحٍ، ولا عتادٍ، ولا جيشٍ يحرسُه، إنما يقولُ لكم أنا بحفاضتي أتحدّى وجودَكم خلفَ السلكِ الزائلِ، وأتحدّى بمصاصتي عتادَكم، فرسائلُ أطفالِنا وصوَرُهم وهم في مسيراتِ العودةِ وحدَها تُرهِبُ جنودَهم المدجّجينَ بالسلاحِ.   

ومن مسافةِ “صِفر” على الحدودِ؛  تزيّنتْ الفتاةُ العشرينيةُ “رزان النجار” بالروبِ الأبيضِ الذي تلطّخَ بدماءِ أحدِ المصابينَ؛ تهرعُ إلى مكانِ المصابِ؛ لا تهابُ قنّاصَ الاحتلالِ الذي قد يلهو ويصيبُها!، وتضعُ كمّامةً على فمِها لا تَقيها الكثيرَ من الدخانِ المُنبعثِ من قنابلِ الغازِ، تَحملُ المحلولَ و ترُشُّه على وجهِه بعدَ إلقاءِ قواتِ الاحتلالِ القنبلةَ بجانبِه؛ حيثُ كان يعاني من حساسيةٍ في الصدرِ؛ لكنه أصرَّ على المشاركةِ في مسيرةِ العودةِ الكبرى؛ مُطالباً بحقِّه في العودةِ إلى ديارِه.

لم يكنْ هناك مُتّسعاً من الكلامِ؛ فكانت تنطلقُ _بين الفينةِ والأخرى_ من مصابٍ إلى آخَرَ؛ تُسعِفُه إمّا في مكانِ إصابتِه، أو في خيمةِ الإسعافِ الميدانيةِ التي تتواجدُ على الحدودِ، وتأتي المُسعفةُ “رزان” يومياً في الخيمةِ الميدانيةِ بشكلٍ تطوُّعيّ؛ لتشاركَ في حمايةِ دماءِ أبناءِ شعبِها من عبثِ السلاحِ الصهيونيّ؛ الذي لا يفرّقُ بينَ سلميةٍ أو غيرِها، ولا يفرّقُ بين طفلٍ ولا شابٍّ ولا امرأةٍ.

تقولُ المسعفةُ الجريئةُ_ التي تداولتْ وسائلُ الإعلامِ، ومواقعُ التواصلِ الإعلامي صوَرَها أثناءَ إسعافِها للمصابينَ من مسافةٍ قريبةٍ جداً من جنودِ الاحتلالِ_ للثريا:” نحن شعبٌ لا يعرفُ الجُبنَ، رَضَعنا الشجاعةَ مع حليبِ أمهاتِنا، الطفلُ الصغيرُ فينا لا يهابُ الجنودَ، نحن أعَدْنا صياغةَ مفاهيمِ البسالةِ؛ حينما يذهبُ الطفلُ مع أمِّه على الحدودِ؛ يفصلُ بينَهم و بينَ الجنودِ السلكُ _بدونِ حمايةٍ أو عتادٍ عسكريّ_ تعرفُ أنّ هذه العائلةَ الفلسطينيةَ تستحقُّ أنْ تبذلَ روحكَ  لتكونَ بجانبِهم؛ تحميهِم من غدرِ رصاصةٍ صهيونيةٍ تخترقُ سِلميَّتَهم، وتضربُ بالقوانينِ الدوليةِ عُرضَ الحائطِ.

وتعودُ المسعفةُ “النجار” إلى بيتِها مساءً؛ وقد أنهكَها التعبُ الذي تَعدُّه جزءاً من أشكالِ مقاومةِ العدوِّ الصهيوني، فتُلقي بجسدِها على فراشِها؛ لتستعيدَ المَشاهدَ العالقةَ في ذهنِها، مٌصابٌ حاولتْ إسعافَه.. لكنّ خطورةَ حالتِه لم تُسعِفْه  بالنجاةِ؛ فيُحوّل إلى المستشفياتِ؛ لتسمعَ خبرَ استشهادِه عبرَ وسائلِ الإعلامِ؛ فتبكي حرقةً على دماءِ أبناءِ شعبِها.. ومَشاهدُ عزِّ صنَعتْها مسيراتُ العودةِ؛ حينما يذهبُ الصديقُ لمساعدةِ صديقِه المصابِ؛ فتصيبُه رصاصةٌ تخترقُ جسدَه، هو الوفاءُ الذي يُعادلُ الروحَ؛ لا تَجِدُه إلّا في شعبٍ أرادَ أنْ يعيشَ بكرامةٍ وحريةٍ؛ و لم يَقبلْ أنْ يتنازلَ عن ذرّةِ ترابٍ من أرضِه، ولن يقبلَ المساومةَ على رغيفِ عيشِه، واختارَها نصراً أو شهادةً، من القائدِ إلى الطفلِ الصغيرِ؛ مروراً بكافةِ شرائحِ هذا الشعبِ.

   

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى