معاملةُ الوالدَينِ للمراهقِ

بقلم الخبير الأسري: د.جواد الشيخ خليل
إنّ مرحلةَ المراهقةِ مرحلةٌ حرِجةٌ في حياةِ الفردِ؛ وهي فترةٌ غامضةٌ بالنسبةِ له؛ بحيثُ يسيطرُ عليه الارتباكُ؛ لعدمِ تحديدِ أدوارِه التي يجبُ عليه القيامُ بها ؛ ما يؤدّي إلى نشوءِ حالةٍ انفعاليةِ لديهِ؛ تتسبّبُ في عدمِ اتزانِه سلوكياً.
وقد اختلفَ العلماءُ في تفسيرِ أسبابِ نشوءِ هذه الحالةِ الانفعاليةِ التي تَسودُ حياةَ المراهقِ ؛ فهناك من يرى أنّ أسبابَها تعودُ إلى حدوثِ تغيُّراتٍ في إفرازاتِ الغُددِ الصمّاءِ؛ والبعضُ يُرجِعُها إلى عواملِ البيئةِ المحيطةِ به، أو السببَينِ معاً.
وبما أنّ المراهَقةَ ليست مستقِلّةً بذاتِها استقلالاً تامّاً ؛ وإنما هي تتأثرُ بما مرَّ به الفردُ من خبراتٍ في المراحلِ العمُريةِ السابقةِ؛ كما أنها تتأثرُ بما يقومُ به الوالدانِ من دَورٍ بارزٍ في تشكيلِ شخصيةِ الأبناءِ؛ وهذا ما يؤكّدُه علماءُ النفسِ .
وعليه فإنّ الأُسرةَ تُعَدُّ أولَ صورةٍ للحياةِ؛ ومن خلالِها ينمو إحساسُ المراهقِ بالأمنِ والتقبّلِ، والمراهقةُ المتوافِقةُ هي انعكاسٌ لحياةٍ أُسريةٍ مستقِرّةٍ خاليةٍ نِسبياً من الصراعاتِ؛ يقومُ فيها الوالدانِ بدَورٍ مميّزٍ في بناءِ شخصيةِ المراهقِ من خلالِ معاملتِهم له؛ لذلك فإنَّ الأساليبَ غيرَ المتوازنةِ تجعلُه عُرضةً للإصابةِ بالأمراضِ النفسيةِ.
وإنّ علماءَ النفسِ يؤكّدونَ على أنّ المعاملةَ السيئةَ تُشعِرُ المراهقينَ بفقدانِ الأمنِ ؛ وتزرعُ في أنفسِهم بذورَ التناقضِ الوجدانيّ؛ وتنمّي فيهم مشاعرَ النقصِ والعجزِ عن مواجهةِ مصاعبِ الحياةِ؛ وتعوّدُهم كَبْتَ انفعالاتِهم، وعدمَ التعبيرِ عن أنفسِهم، وتوجيهَ اللومِ إليها ، وعندما يكبَرونَ توقِظُ فيهم صراعاتِ الحياةِ الجديدةِ ؛ “الصراعاتِ القديمةِ” لديهِم.
وتتباينُ أساليبُ معاملةِ الوالدَينِ؛ ويختلفُ تأثيرُها النفسيّ، أو الاستجابةُ لتلكَ الأساليبِ التي ينتهِجُها الوالدانِ في تنشئةِ الأبناءِ؛ خاصةً المراهقينَ الذين يتميّزُ بناؤهم النفسيّ في تلكَ المرحلةِ بالصراعِ والقلقِ والحساسيةِ المُفرِطةِ، وعدمِ الاتزانِ الانفعالي.
كما أنّ معرفةَ أساليبِ معاملةِ الوالدينِ الصحيحةَ؛ يُعَدُّ ذا أهميةٍ بالنسبةِ للوالدينِ؛ وذلك لفَهم طبيعةِ المراهقِ؛ وما يتعرّضُ له من الأساليبِ أثناءَ تنشئتِه الاجتماعيةِ، وأثرِها على تكوينِ شخصيتِه، ولتفسيرِ وتشخيصِ اضطراباتِه النفسيةِ، وانحرافاتِه السلوكيةِ، ولمساعدتِه على حلِّ مشكلاتِه، وتحقيقِ الصحةِ النفسيةِ.