فلسطين تجمعنافلسطينياتكتاب الثريامدونات الثريامسيرات العودة الكبرى

صنوان لا يفترقان – وضدان يتمايزان

بقلم الكاتب : أ‌. محمد شفيق السرحي.

ونحن نعيشُ أجواء مسيرة العودة، والالتحام مع العدو الصهيوني، على أرض فلسطين الرباط والجهاد، وتعدد الاجتماعات والتجمعات، وتتنوع الكرامات والمكرمات، لشعبنا الصابر المجاهد المحتسب، تستحضر في مثل هذه المواقف والمقامات، التحريرات والتقريرات، التي تزيد من دافعية العطاء، في مسيرة الجهاد، ودفع الركبان، لمواصلة التضحية والاثخان، في عباد الصلبان والشيطان.

ذكر كتاب ربنا تبارك وتعالى , عديد الآيات الكريمة , التي تعطي ملامحاً لأنواعٍ متعددة من الاجتماعات المحبوبة والمذمومة , وحدثنا عن نوع من أنواعها التي يستحيل تحقق أهدافها المرسومة لها , كقوله تبارك وتعالى:“قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ –الآية”﴿٨٨: الإسراء﴾ , وكقوله تبارك وتعالى :”إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ—الآية ” ﴿٧٣: الحج﴾ .

وفي سياق التآمر على الصف المؤمن المجاهد : “سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر”َ 45)القمر) , وانقطاع تواصلهم الذي كان لهم في الدنيا , لتمرير خبث أهدافهم : ” لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ” :94)الأنعام) .

وبينت لنا سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم , بعضا من الاجتماعات التي تستحيل شرعا , ومنطقا وعرفا , لما درجت عليه سنن الأشياء , وكذلك الصفات والخصال , في مقامات الناس , ومجازاة الإحسان والأعمال , وفق المنظور القرآني , والهدي النبوي الكريم , كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه : ” لا يجتمعُ الإيمانٌ والكفرٌ في قلبِ امريء ، ولا يجتمعُ الكذبُ والصدقُ جميعا ، ولا تجتمعُ الخيانة والأَمانةُ جميعا” ” صححه الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة ” , فإن الإيمان والكفر فريقان يفترقان في منطق العقائد والأحكام , لا يجتمعان أبدا , فكذلك الكذب والصدق , والخيانة والأمانة , فهما متضادان يتمايزان , في أصول الأخلاق والخصال .

وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه:” لا يجتمعُ في جوفِ عبدٍ غُبارٌ في سبيلِ اللهِ وفَيْحِ جهنَّمَ، ولا يجتَمِعُ في جَوفِ عبدٍ الإيمانُ والحسَدُ ” “حسنه الإمام الألباني في صحيح الترغيب “

وقوله صلى الله عليه وسلم : ” لا يجتمعُ غُبَارٌ في سبيلِ اللهِ ودُخَانُ جهنمَ في جَوْفِ عبدٍ أبدًا ، ولا يجتمعُ الشُّحُّ والإيمانُ في قلبِ عبدٍ أبدًا ” صحيح الجامع ” , فكما كان الجهاد في سبيل الله تعالى , ومقدماته , والنَصَب الذي يلحق بالعبد المجاهد في سبيل الله تعالى , من عرق وبذل جهد , وغبار ونحوه , كان الجزاء من جنس العمل , جريا على النسق القرآني العظيم , في مكآفأة المؤمنين والمحسنين ” هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ” الرحمن(60) , وعدم المماثلة ما بين غبار ونقع المعارك , رفعا لراية لا إله إلا الله , وبين غبار ودخان جهنم يوم القيامة , المعد للمجرمين , والمتنكبين لصراط الله المستقيم , فهما ” لا يستويان مثلا ” .

وهنا التفاتة !!، أنه لما كان المجاهد في سبيل الله تعالى، السائر إليه، طالبا للمراقي العلية، يثير الغبار والنقع، في طريق جهاده، باذلا نفسه وجهده، متسلحا بزاد الإيمان والتقى، متخلقا بأخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، تتنافر معه أخلاق الحسد والخيانة، والشح والبخل، وهنا سر المناسبة والارتباط، ما بين المعاني الكريمة، التي تضمنتها أحاديث النبي المصطفى ” آنفة الذكر أعلاه “، فاستحق عدم الالتقاء ما بين هذا وذاك، سواء في الخُلُق أو الجزاء الآخروي.

ولعل الجدير ذكره، ونحن نتحدث عن الاجتماعات المستحيلة، الحديث عن قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً. رواه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده، وأبو داود في سننه وهو حديث صحيح. وفي رواية” : لا يجتمعان في النار اجتماعا يضر أحدهما الآخر قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : ” مؤمن قتل كافرا ثم سدد “

وأما معناه فقد قال الإمام النووي في شرحه لمسلم: قال القاضي يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافراً في الجهاد، فيكون ذلك مكفّراً لذنوبه حتى لا يعاقب عليها، أو يكون بنية مخصوصة أو حال مخصوصة، ويحتمل أن يكون عقابه إن عوقب بغير النار كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة أولاً ولا يدخل النار، أو يكون إن عوقب بها في غير موضع الكفار ولا يجتمعان في إدراكها.
والمقصود حال الجهاد فهو من فضل الجهاد وقتل المشركين وازهاق الكافرين.

ولعل اللقاء الأجمل، والاجتماع الأروع، هو ما سطره كتاب ربنا تبارك وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23).
وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء: 69)، فتحلو الرفقة، وتسعد الصحبة، ويلتقي الأحبة.

ويلتقي الأخوة الذين جمعتهم رابطة الدين , والجهاد المتين , دون خوفٍ عليهم ولا هم يحزنون, “ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68)(سورة الزخرف) .

“وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)

“الحجر47-48:”, حيث أبدية اللقاء والاجتماع , في ظلال ربانية وارفة, وقلوبٍ نقيةٍ صافية .

رزقنا الله تعالى وإياكم هذا الاجتماع الفارح، في الظلال الوارف، والحب الجارف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى