الدين والحياةرمضانك معنا غيركتاب الثريامدونات الثريا

كيف نستقبل الضيف العزيز (رمضان)

بقلم : الشيخ عبد الباري محمد خلة

يقول الله تعالى:{ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }. البقرة

ويقول أيضا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185

إن حكمة الله تعالى اقتضت أن يجعل الدنيا مزرعةً للآخرة، وميداناً فسيحا للتنافس، ومن فضل الله تعالى على عباده أن يجزي على القليل كثيراً، ويضاعفَ الأجور، ويجعلَ لعباده مواسم الطاعات، فاللبيب هو الذي يغتنم مواسم الخير، ويتقرَّب فيها إلى خالقه بالطاعة ويتعرض لنفحات الله، عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها أبد الآبدين، قال الزجاج قال الحسن في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } الفرقان 62 ” .

قال من فاتَهُ عَمَلُه من الذِّكْر والشُّكْر بالنهار كان له في الليل مُسْتَعْتَبٌ ومن فاته بالليل كان له في النهار مُسْتَعْتَبٌ قال أُراه يَعْنِي وقتَ اسْتِعْتابٍ أَي وقتَ طَلَبِ عُتْبى كأَنه أَراد وقت اسْتِغفار وفي التنزيل العزيز ” وإِن يُسْتَعْتبُوا فما هم من المُعْتِبِين ” معناه إِن أَقالَهُم اللّهُ تعالى وردَّهم إِلى الدنيا لم يُعْتِبُوا يقول لم يَعْمَلُوا بطاعةِ اللّهِ لِما سَبَقَ لهم في عِلْمِ اللّهِ من الشَّقاءِ وهو قوله تعالى: ” ولو رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهوا عنه وإِنَّهم لكاذبون ” ومن قرأَ وإِن يَسْتَعْتِبُوا فما هم من المُعْتَبِين فمعناه إِن يَسْتَقِيلُوا ربهم لم يُقِلْهم. ابن منظور: لسان العرب (1/ 576)

ومن أعظم هذه المواسم وأجلِّها شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، لذا كان المسلمون مطالبين بحسن الاستعداد لهذا الضيف القادم، ولا بد للمسلم أن يتفقه في هذه العبادة.

تصور أن أحب الناس إليك غاب عنك شهورا طوالا، وجاءك البشير يبشرك بقدومه بعد أيام كيف تكون فرحتك؟

فأول شيء يقدم بين يدي رمضان أن تتأهب لقدومه قبل وتستعد، وأن تكون نفسك مستبشرة بهذا القدوم، فالتأهب لشهر رمضان والاستعداد له من تعظيم شعائر الله تعالى قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) سورة الحج.

ويفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان، ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه، ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات، وذلك بفضل الله تعالى كما قال سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس، لأن محبة الأعمال الصالحة فرع عن محبة الله سبحانه، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (124) سورة التوبة، فترى المؤمنين في فرح وسرور واشتياق إلى رمضان، تحن قلوبهم إليه، يستقبلونه بصيام شيء من شهر شعبان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

باع قوم من السلف جارية لهم، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: ” لماذا تصنعون ذلك؟ “، قالوا: ” لاستقبال شهر رمضان “، فقالت: ” وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ والله لقد جئت من عند قوم السَّنَةُ عندهم كأنها كلَّها رمضان، لا حاجة لي فيكم، رُدُّوني إليهم “، ورجعت إلى سيدها الأول.

ويستعد المسلم لصيام هذا الشهر المبارك صياما حقيقيا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ رواه مسلم.

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى سرية في البحر فبينما هم كذلك إذ رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذا هاتف يهتف من فوقهم: يا أهل السفينة قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه، فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبرا؟ قال: إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش. رواه البزار ورجاله موثقون كما قال الهيثمي: مجمع الزوائد (3/ 423) وإن الله تعالى اختص هذا الشهر وسمى بابا من أبواب الجنة بالريان الذي يدل على الصيام وفضله، فعن سَهْلٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخلُ مِنْهُ الصَّائمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائمُونَ، فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ” أخرجه البخاري.

 وَعَنْ جَابِرٍ – يَعْنِي ابْنَ سَمُرَةَ – قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمِنْبَرَ فَقَالَ: ” آمِينَ آمِينَ آمِينَ “. قَالَ: ” أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، فَقُلْ: آمِينَ. قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَمَاتَ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ فَقُلْتُ: آمِينَ. قَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ. قُلْ: آمِينَ فَقُلْتُ: آمِينَ». رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني.

لقد بيَّن الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – اختلاف الناس في الاستعداد لرمضان، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” لَمَحْلُوفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا أَتَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَهْرٌ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ رَمَضَانَ، وَلا أَتَى عَلَى الْمُنَافِقِينَ شَهْرٌ شَرٌّ لَهُمْ مِنْ رَمَضَانَ، وَذَلِكَ لِمَا يُعِدُّ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ لِلْعِبَادَةِ، وَمَا يُعِدُّ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ غَفَلاَتِ النَّاسِ وَعَوْرَاتِهِمْ، هُوَ غَنْمٌ لِلْمُؤْمِنُ يَغْتَنِمُهُ الْفَاجِرُ. رواه الإمام أحمد بسند صحيح.

وقوله رضي الله عنه ” بمحلوف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” يقسم أبو هريرة بما أقسم به النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه ما أتى على المسلمين شهر أفضل من رمضان.

ولا بد أن يستقبل المسلم رمضان بالتوبة الصادقة، وكثرة الاستغفار، واللجوء إلى الله تعالى، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } [ التحريم:8 ].

ويستقبل رمضان بتعلم ما لا بد منه من فقه الصيام، وأحكامه، وكذا تعلم العبادات التي لها ارتباط برمضان كالاعتكاف والعمرة والزكاة، وغيرها فكل هذا من طلب العلم وهو واجب، فعن أنس بن مالك قال قال رسول – صلى الله عليه وسلم -: ” طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ “. رواه ابن ماجه بسند صحيح

ولا بد أن يستقبل المسلم رمضان بعقد النية الصادقة على تعميره بالأعمال الصالحة، قال الله تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [ محمد:21 ]، وقال أيضا: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً َ} (46) سورة التوبة، ولا بد من تحري أفضل الأعمال فيه وأعظمها.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول إذا رأى الهلال سواء أكان هلال رمضان أم غيره يقول وهو مستقبل القبلة: الله أكبر، اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيقِ لما تحب وترضى، ربنا وربكَ الله، وكان يقول إذا رأى القمر: أعوذ بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب.

ماذا يحدث في أول ليلة من رمضان؟

في أول لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ تصُفِّد الشَّياطينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ وَتغلق أبْوابُ النَّارِ وتفتح أبْوابُ الجَنَّةِ وينادِي مُنادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يا باغِيَ الخَيْرِ أقْبِلْ ويا باغِيَ الشرِّ أقْصِرْ ولله في هذا الشهر عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:” إذا كانَ أوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ وَغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْها بابٌ وفُتِحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ فلمْ يُغْلَقْ مِنْها بابٌ وفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وينادِي مُنادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يا باغِيَ الخَيْرِ أقْبِلْ ويا باغِيَ الشرِّ أقْصِرْ ولله عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ وذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ” رواه الترمذي وابن ماجه بسند صحيح

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ. رواه النسائي بسند صحيح.

وهكذا فإن المسلم الحق هو الذي يستعد للعبادة قبل الشروع بها ويتعلم أحكامها حتى تصح منه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى