فلسطين تجمعنافلسطينياتكتاب الثريامدونات الثريامسيرات العودة الكبرى

الاعتداد وتكثير السواد

بقلم: محمد شفيق السرحي.

وأنت تتجول في مخيمات العودة، وجنبات مسيرة العودة الكبرى، تجد أناسا لا قوة لهم، ولا حول في المعمعات، إلا أنهم أتوا تكثيرا لسواد القوم، معتدّين بعقيدتهم ووطنهم وإخوانهم، والنفر الطيب الطاهر، الذي ينتفض في وجه أعتى قوة في المنطقة بأسرها.

لقد جبلت النفس البشرية على حب الانتماء، والاعتداد بالنفس وميزاتها، وأن يكّثر الانسان نفسه بجماعته وعائلته، أو قبيلته وعشيرته، والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، دون عصبية جاهلية، وفق المنظور الشرعي.

أمر المولى تبارك وتعالى، بالإعداد والتحشيد، والخروج والنفير في سبيله تعالى، حاثا عباده بإخلاص النوايا دائما، قال تعالى:( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [التوبة: 41{ وجعل اخلاص النوايا في منظومة الجهاد رأس الحربة، بجانب الإعداد المحكم له:} وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ.. الآية} {الأنفال: {60. وفي الحديث: سُئل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: عن الرجلِ يقاتل شجاعةً، ويقاتل حمِيَّةً، ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:(من قاتَل لتكون كلمةُ اللهِ هي العُليا، فهو في سبيل اللهِ ).

إن خروج فئات من الناس، بنّية تكثير سواد إخوانهم في مسيرة العودة، واعتدادهم بإخوة الدين والعقيدة والوطن، يشعرك بأهمية ما ينبغي للمسلم أن يكون عليه، من مؤازرة ومناصرة، لإخوانه، مكّثرا لسوادهم، متمايزا عن غيره من أصحاب الأفكار والمعتقدات الأخرى، فقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: مَن كثَّرَ سوادَ قومٍ فَهوَ منهم ومن رضيَ عملَ قومٍ كانَ شَريكَ من عملَ بِهِ”

ويستشهد لذلك أيضا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: يغزو جيشٌ الكعبةَ حتَّى إذا كانوا ببيداءَ مِن الأرضِ خُسِف بأوَّلِهم وآخِرِهم قالت عائشةُ: يا رسولَ اللهِ وفيهم سواهم ومَن ليس منهم ؟ قال: (يُخسَفُ بأوَّلِهم وآخِرِهم ثمَّ يُبعَثونَ على نيَّاتِهم).

وهذا يقتضي كذلك, تقبيح وجود المسلم في الجانب المضاد لإخوانه والصف المؤمن المجاهد , سواء بتكثير سوادهم, أو مشايعتهم فيما يفعلون أو يعتقدون , من أعمال الكفر والشرك , ومحادّة معسكر الإيمان وأهله ,كما في قوله تعالى : “ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا” النساء140″ , وفي الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل :عبدالله بن عباس ” رضي الله عنه قال: } قُطِع على أهلِ المدينةِ بعثٌ، فاكتُتِبتُ فيه ، فلَقيتُ عِكرِمَةَ فأخبَرتُه ، فنَهاني أشدَّ النهيِ ثم قال: أخبَرني ابنُ عباسٍ : أنَّ أُناسًا منَ المُسلِمينَ كانوا معَ المُشرِكينَ، يُكَثِّرونَ سَوادَ المُشرِكينَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فيأتي السهمُ فيُرمى فيُصيبُ أحدَهم فيَقتُلُه ، أو يَضرِبُه فيَقتُلُه ، فأَنزَل اللهُ تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } .

ان هؤلاء القوم يعيدون فينا قول الشاعر:

وإنّي لَمِنْ قَوْمٍ كأنّ نُفُوسَهُمْ بها أنَفٌ أن تسكنَ اللّحمَ والعَظمَا……….فلا عَبَرَتْ بي ساعَةٌ لا تُعِزّني ولا صَحِبَتْني مُهجَةٌ تقبلُ الظُّلْمَا

ان اجتماع الناس، وكثرة سوادهم، يحمل في طياته مجموعة من المعاني والدلالات المختلفة، التي تشكل بمجموعها، عناوين ومنطلقات لدى الناظرين، وأصحاب صناعة ” الرأي العام “، والأفكار، والتحليلات العلمية، إعلاميا وسياسيا، مما ينعكس بشكل قطعي، على صانع القرار، سواء فلسطينيا، أم صهيونيا، وهذا ما نراه في حديث وسائل الاعلام المختلفة، وخاصة الصهيونية، والتحليلات والتغطيات التي تتواصل، بحق مسيرة العودة الكبرى.

وينبني على ذلك، تحقيق مبدأ ” إغاظة الكفار”، والنيل من تكتيكات العدو واستراتيجياته ” ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120).

وعلى هذا، لا بد من تفعيل كل وسيلة ممكنة، وطريقة، لتأجيج هذه المسيرة، وتصعيدها، والاحتشاد في مخيمات العودة , وصولا إلى تحقيق أهدافها السامية التي انطلقت لأجلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى