صدقَ سَلمان.!

بقلم: إيمان يونس الأسطل.
سمعتُ يوماً تسجيلاً لأحدِ الدُّعاةِ؛ يحثُّ الرجالَ على الخروجِ للدعوةِ في سبيلِ الله، قائلاً إنّ اللهَ سيتكفّلُ لهم بصلاحِ أبنائهِم وبيوتِهم مقابلَ ذلك، مستشهِداً بحالِ الديكِ والحمامِ، فالديكُ على _حدِّ قولِه_ يقضي حياتَه في الدعوةِ إلى اللهِ، والأذانِ، وإيقاظِ الناسِ للصلاة؛ لذلكَ يَخرجُ أبناؤه الكتاكيتُ الصغارُ إلى الحياةِ يعتمدونَ على أنفسِهم في مأكلِهم ومشربِهم، أمّا الحَمامُ فهو يقضي حياتَه بجانبِ زوجِه دونَ عملٍ دَعويّ، لذلكَ تَخرجُ أفراخُه ضعيفةً مفتقِرةً إلى مَن يرعاها بعدَ فقسِها.!
رغمَ أنّ طريقتَه في طرْحِ فكرتِه كانت مضحكةً! إلّا أنني أرى أنّ تفكيرَه مضحِكٌ أيضاً! ولا أعلمَ إنْ كان ذلك الرجلُ “مُصدّق حاله” فعلاً..!
نحن في عصرٍ حافلٍ بالأخطارِ التي تداهمُ النشءَ من كلِّ جانبٍ، وليس ثمةَ حافظٍ لهم من كلِّ ذلك إلّا رعايةُ الرحمنِ أولاً، ثُم متابعةُ الوالدَينِ واهتمامُهما بشأنِهم، حتى بيوتُ الدعاةِ أنفسِهم هي بحاجةٍ إلى من يتابعُ، ويوَجّهُ، ويُشبِعُ الاحتياجاتِ النفسيةَ والعاطفيةَ، ويزرعُ القيمَ، ويبيّنُ أحكامَ الإسلامِ، فالأقربونَ أولَى بالمعروفِ، والدعوةُ ابتداءً لعشيرتِك الأقرَبين؛ وإلّا فإنّ النتيجةَ الحتميةَ للانشغالِ الخارجيّ، والإهمالِ الداخليّ؛ أنْ يكونَ “بابُ النجارِ مخلَّع”.!
وإنْ كان هذا يقالُ مع أنّ مقامَ الدعوةِ عظيمٌ، والانشغالَ به شريفٌ، فإنّ انشغالَ الوالدَينِ عن أبنائهم وبيوتِهم بأمورٍ أخرى غيرِ الدعوةِ من توَافِه الحياةِ؛ لَهو أمرٌ مؤلمٌ أيمّا إيلام، بل هو جُرمٌ..، ولا أدري كيف يمكنُ لبعضِ الآباءِ أنْ ينشغِلوا عن بيوتِهم بجلساتِ المقاهي والدواوينِ، والطشّاتِ مع الأصدقاءِ، والجلوسِ والدردشةِ مع الناسِ في الطرُقاتِ، والانشغالِ بوسائلِ التواصلِ الاجتماعي بالساعاتِ تِلوَ الساعاتِ، أو متابعةِ الأفلامِ وما إلى ذلك، وترْكِ أبنائهم الذين في عُمرِ الزهورِ يصارعونَ وحدَهم معتركاتِ الحياةِ، وصدَقَ من قال: لا تزرعِ الوردَ إنْ أعيتْكَ سُقياهُ.!
ابنتُكَ اليافعةُ بحاجةٍ إلى من يحتضِنُها، ويسندُ قلبَها في هذه الحياةِ؛ حتى لا يكسِرَه شيءٌ، ابنُكَ بحاجةٍ إلى من يشارِكُه تفاصيلَ حياتِه؛ ويأخذُ بيَدِه إلى المسجدِ، زوجتُك بحاجةٍ إلى من يلاطفُها ويعطيها الدفعةَ المعنويةَ المستمرّةَ؛ لتستطيعَ مواصلةَ العطاءِ، وصدقَ رسولُ اللهِ حينَ قال: (كَفَى بالمرءِ إثماً أنْ يُضيِّعَ مَن يَعْولُ)!
أستحضرُ هنا مشهدَ “سلمان الفارسي” رضيَ اللهُ عنه؛ كما جاءَ في البخاري، عندما آخَى النبيُّ بينَه وبينَ “أبي الدرداء”، فزارَ سلمانُ أبا الدرداءِ، فرأى أمَّ الدرداء مُتَبذِّلةً فقال: ما شأنُكِ؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا. فجاءَ أبو الدرداء فصنعَ له طعاماً، فقال له: كُلْ فإني صائمٌ، قال سلمان: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكلَ. فأكلَ، فلما كان الليلُ؛ ذهبَ أبو الدرداء يقومُ، فقال له: نَمْ، فنام، ثم ذهبَ يقومُ فقالَ له: نَمْ، فلما كان من آخِرِ الليلِ قال سلمان: قُمْ الآنَ، فصلَّيا جميعاً، فقال له سلمان كلماتٍ تُكتَبُ بمِدادٍ من نورٍ: (إنّ لربِّكَ عليك حقاً، وإنّ لنفسِك عليكَ حقاً، وإن لأهلِك عليكَ حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه)، فأتَى النبيَّ فذكرَ ذلك له، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: (صدقَ سلمان)! .
صدقَ سلمانُ، فالتوزانُ مطلوبٌ، والرجلُ راعٍ في أهلِه؛ ومسؤولٌ عن رعيّتِه، والمرأةُ راعيةٌ كذلكَ في بيتِها؛ وهي مسؤولة، فلْيشترِكا في إعدادِ الإجابةِ التي ترضيهِما بينَ يدَيِ اللهِ! .